مراحل الحضارة عند مالك بن نبي
7
الحضارة في مفهومها اللغوي هي
الإقامة في الحضر أي المدن و القرى و هي ضد البداوة التي تعني الإقامة المتنقلة في البداوى .
كما ورد في معجم الإعلام أن الحضارة من الفعل الكلامي حضر أي أقام بالحضر و كما تشبه بأخلاق الحضر .
فالحضارة في أصلها اللغوي ترتكز على الجانب السيوسيولوجي .
و لعل أول من أطلق هذا اللفظ هو المفكر العربي ”عبد الرحمان بن خلدون ” الذي كان قريب من معنى الحضارة و الذي ميز بين العمران البدوي و العمران الحضري و جعل لفظ حضارة مقابل بدو و بداوة .
أما مفهوم الحضارة عند ”مالك بن نبي ” فيعرفها كما يلي :” الحضارة باعتبار جوهرها و يعرفها كالآتي :
الحضارة مجموعة من القيم الثقافية المحققة ،فالثقافة في جوهرها الحضارة لأن كل واقع اجتماعي هو في أصله قمة اجتماعية خرجت إلى حيز التنفيذ .
الحضارة إنتاج فكرة حية تطبع على المجتمع في مرحلة ما قبل التحضر ،الدقة التي تجعله يدخل التاريخ و يبني هذا المجتمع نظامه الفكري طبقا للنموذج المثالي الذي إختاره و على هذا النحو تتأصل جذوره في محيط ثقافي أصيل .
عرف الحضارة من خلال عناصرها الثلاث :
الإنسان ،التراب،الزمن ،فالحضارة من هذه المنطلق تساوي إنسان + تراب +زمن ،و الذي يركبها العامل الأخلاقي و الدين يعمل على تماسكها .
و على هذا الأساس أعطى ”مالك بن نبي ” مفهوم الحضارة التي نصب في معنى واحد من خلال تركيب عناصرها الثلاث :الإنسان و التراب و الزمن .
مراحل الحضارة و شروطها :
و يقسم ”مالك بني نبي ” الحضارة إلى ثلاث مراحل و هي :
المرحلة الأولى :و هي مرحلة الروح بحيث يعتبر تمثيلا أوليا لإشعاع الفكرة الدينية التي تتمكن من النفوس و تبنيها بناءا مرصوصا كما كان ذلك في الوقت بدأت في غار حراء و كان تأثيرها فعالا في النفوس فكما نلاحظ أنه بمجرد ما تنزل آيات الخمر مثلا فإن الصحابة ينتهون عن شرها حتى أن صحابيا مثل ”عمر بن الخطاب ” رضي الله عنه و الذي كان يأتيها في الجاهلية و تخلى عنها بتلك السهولة بمجرد أن أعلى إسلامه .
و هي المرحلة التي مارس فيها القرآن نشاطه في النمو و جعلها تلبي النداء في كل لحظة و التي امتدت ما بين نزول القرآن المكي و القرآن المدني ،و في هذا الصدد يقول ”مالك بن نبي ” حيثما فقدت الروح فقدت الحضارة و انحطت لأن من يفقد القدرة على الصعود لا يلبث أن يسقط بتأثير من جاذبية الأرض .
المرحل الثانية : و هي مرحلة العقل بعد أن سيطرت فيه الروح على الغريزة واصل المجتمع تطوره و نموه و اكتمال شبكة روابطه الداخلية التي أبرزته الفكرة الدينية إلى النور و هذه المرحلة تمثل –في رأي ”مالك بن نبي ”-تنازلا لعالم الروح إلى عالم العقل و من هنا تنشأ المشاكل المحسوسة لهذا المجتمع الوليد نتيجة توسعه كما تتولد ضرورات جديدة نتيجة إكماله .
و يعتبر ”مالك بن نبي ” أن ازدهار الفنون و العلوم في أي أمة يلتقي من ”علم العلل” و البحث مع بدء مرض اجتماعي معين .
المرحلة الثالثة : و هي مرحلة الغريزة عندما يبلغ الفرد تمامه من خلال ضوابط الفكرة الدينية و الذي تنتهي فيه الوظيفة الاجتماعية للفكرة الدينية و تعجز عن القيام بمهمتها في مجتمع منحل،حيث يعقد كل ما يربط أواصره و تتحول صالونات الآداب بالأندلس إلى مراقص و ملاهي بدعوة التجديد و التطور و التقدم الحضاري و تصبح الزخارف و العناية بالمظهر على حساب المخبر غاية المجتمع و هذا ما اصطلح عليه ”مالك بني نبي” بعالم الأشخاص ،فعالم أفكار الحضارة في هذه المرحلة قد أصيب بالشلل و يتمثل ذلك في عصرا لانحطاط من الحضارة الإسلامية ،حيث بقيت مقدمة ”ابن خلدون ”حروفا ميتة مكتبات القيروان و فاس و غيرها تزخر بالكتب لكن غابوا المشتغلين المتصفحين لها و هذه المرحلة تنبئ عن مجتمع سماه ”مالك بن نبي ” بمجتمع ما بعد الحضارة .
إذن هكذا يرى ”مالك بن نبي ” أن تكون هذه المرحلة إزاء علم بعثته الدوافع النامية عن الفكرة الدينية و أشرقت به أنوار الحضارة غير أن دورته انتهت و جرفت الفوضى و استحال تحقيق حضارة