لا ديمقراطية بلا أفق إجتماعي ..
بقلم : زينب الرويسي / تونس
في زمن التزلف السياسي والنفاق الأيديولوجي، تبرز مداخلة الرفيق منجي الرحوي كصيحة وعي وموقف أخلاقي صلب، لا فقط في وجه منظومة الحكم الحالية بما تمثله من تراجعات، بل أيضًا في وجه دكاكين الزيف الديمقراطي واللوبيات المتآمرة التي احتكرت الحديث باسم الشعب زورا وبهتانا.
إن الطرح الذي يقدّمه حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد اليوم ليس مجرد رد فعل على أزمة ظرفية بل هو استمرار في خط تاريخي منسجم بدأ منذ عقود يربط بين الموقف من الديمقراطية والموقف من المسألة الاجتماعية، رافضا الفصل المبتذل بين الحقوق السياسية والحقوق الاقتصادية وهو الفصل الذي تستغله نخب الكمبرادور لتجميل وجه التبعية والتفقير.
لقد عبّر الرفيق منجي بكل وضوح عن القطيعة الجذرية التي يجب أن تحصل مع منطق التآمر كوسيلة للوصول إلى الحكم وهو موقف لا يحركه الترف الأخلاقي بل وعي تاريخي بأن التآمر لم يكن يومًا في صالح الجماهير الشعبية بل في صالح القوى العميلة والمصالح الأجنبية. من هنا تأتي أهمية التأكيد على الطابع الطبقي للديمقراطية: فإما أن تكون ديمقراطية للأغلبية الكادحة، أو تكون غطاءً لسلطة الأقلية المالية والعقارية المتوحشة.
وضع الرفيق إصبعه على جوهر الصراع اليوم: ليس بين أنصار قيس سعيّد وخصومه فحسب بل بين من يريد دولة خادمة للعدالة الاجتماعية ومن يريد إعادة إنتاج منظومة الزبونية والتعيينات والامتيازات…دولة الخضوع للريع والفساد.
برنامج الحزب، كما ورد في هذه المداخلة، ليس حزمة شعارات بل رؤية متكاملة تُعيد تعريف الدولة والسلطة والديمقراطية على أسس شعبية حقيقية تبدأ من الكفاح من أجل العمل الكريم والسكن اللائق والتعليم والثقافة، وتنتهي ببناء نظام اقتصادي وطني يقطع مع التبعية والهيمنة، ويجعل من المواطن لا مجرد ناخب في صندوق بل فاعلًا مباشرًا في صناعة السياسات.
إن هذه الرؤية الواضحة والمبدئية هي التي نستلهمها من دم الشهيد شكري بلعيد، وهي التي تميز الديمقراطية “البلعيدية” – كما سمّاها الرفيق – عن ديمقراطية المارينات وأحزاب الوظائف.
اليوم وأكثر من أي وقت مضى، يجب أن نتمسّك بهذا الخط الوطني الديمقراطي الشعبي، وأن نردّ على السباب والشتائم السياسية بحزم نظري وبرنامجي، لأن معركتنا الحقيقية ليست مع الألسنة الوقحة بل مع الأنظمة الجشعة، ولأن شعبنا يستحق أكثر من مجرد تبادل كراسي: يستحق دولة عادلة، وطنًا سيّدًا، وحياةً كريمة.
واخيرا اقول ان الهستيريا التي تلت تصريحه ذكّرتنا بحروب الردّة لا بحوارات ديمقراطية.
خرجت علينا جوقة “الحداثة المعلّبة” بنفس نبرة بورڨيبة حين كان يشرح للتوانسة أن الاستعمار كان ضرورة تاريخية. لا فرق بين من يدافع عن “الإصلاح الهيكلي” ومن دافع بالأمس عن “المشروع التحضّري” للاستعمار الفرنسي. نفس الروح، نفس الغرور، نفس الارتزاق.
الرحوي لم يشتم الديمقراطية بل كشف نسختها المزيفة: تلك التي تسجن الثورات وتبرّئ اللصوص. لذلك، لا عجب أن ارتعدت فرائص “الكومبرادور الحداثي” حين سمعوه يتكلّم بلغة لا تمرّ عبر مكاتب الـUSAID ولا تخرج من معهد الصحافة.
ما حدث لم يكن جدلا ديمقراطيا بل نوبة هلع لدى طبقة ألفت دور العميل وتخشى أي صوت يعكّر صفو العلاقة مع المانحين والممولين.