ظاهرة تعرية السرة في تونس
———
شدّني ومرافقي مشهد فتاة على عتبة الشباب تعبر أمامنا
وقد كشفت سرتها تماما
حيث تساءل :
لماذا ؟
⸻
لذا
سأحاول قدر إمكاني
معالجة الظاهرة من مختلف الزوايا الاجتماعية والثقافية والنفسية وربطها بسياق محلي وعالمي
——-
أ——ظاهرة تعرية السرة في تونس بين الموضة والإثارة الجنسية
لم تعد ظاهرة تعرية السرة أو ما يُعرف في بعض الأوساط بـ(موضة كشف البطن)مجرد توجه جمالي أو تعبير عفوي عن الأنوثة-بل أصبحت تحمل أبعادا مركبة تستحق الوقوف عندها خصوصا في السياق التونسي حيث بدأت هذه الظاهرة تعود بقوة بعد تراجعها نسبيا في فترات سابقة…
فهل عودة هذه الظاهرة موضة أم رسالة؟
شهدت تونس في السنوات الأخيرة عودة ملحوظة لموضة تعرية السرة خصوصا في صفوف الشابات سواء في الحياة اليومية أو على وسائل التواصل الاجتماعي…لكن اللافت في الأمر ليس فقط عودة الموضة بل الطريقة التي أصبحت تُعرض بها الأجساد بشكل متعمد، وفي مقدمتها السرة—أحيانا مقترنة بوشم أو ثقب مزين بقرط لامع مما يُعيد إلى السطح سؤالا قديما جديدا- هل السرة منطقة جمالية أم مثيرة جنسيا؟
وأخوض قليلا في البُعد الجنسي للظاهرة— لا يمكن تجاهل أن السرة تحمل دلالات جنسية عند الكثيرين—ودراسات عدة من بينها دراسة أجريت عام 2012، أظهرت أن(فتيشية السرة) (Navel Fetishism) تنتشر بدرجة متوسطة لكنها تُعد من بين أكثر الاهتمامات الجنسية غير المألوفة شعبية على الإنترنت.—في العام ذاته احتلت كلمة (سرة)(Nombril)المرتبة الثانية في محرك البحث (جوجل) من حيث عدد مرات البحث في بعض المناطق بما فيها(تونس)ما يسلط الضوء على البُعد الحسي المتعلق بهذه المنطقة من الجسد…
ب—الأسباب الاجتماعية والثقافية في السياق التونسي
1–التحولات الثقافية والهوياتية
تونس كغيرها من البلدان المغاربية عرفت خلال العقود الأخيرة صراعا بين التقليد والحداثة—فجيل اليوم يعيش في بيئة منفتحة إعلاميا ومتأثرة بالثقافات الغربية -حيث يُنظر للجسد بوصفه وسيلة للتعبير الفردي والتمرد على القيود الاجتماعية—ومن هنا يأتي تعرية السرة كجزء من عملية التحرر الجسدي والرمزي-وكأنها رسالة تقول:
( جسدي ملكي أنا سيدة جسدي أتحكم فيه وأنا أختار كيف أقدمه)
2——تأثير الإعلام ووسائل التواصل
ساهمت المنصات الاجتماعية مثل إنستغرام وتيك توك في نشر أنماط معينة من الجمال يكون فيها الجسد-والسرة على وجه الخصوص عنصرا أساسيا في (إبراز الهوية الجسدية)بل أصبح (ستايل أو موضة البطن المكشوف بمثابة علامة (رائع أو—كول— بلغة الشباب )وفي أعين الكثير من الفتيات ترتبط بالثقة بالنفس والجاذبية…
3–البُعد النفسي: الحاجة للقبول وجذب الانتباه
هذا في زمن الفردانية الرقمية لذا تسعى الكثيرات من الشابات للحصول على الاعتراف الاجتماعي من خلال الجسد-فتعرية السرة –سواء عن قصد أو دون وعي– قد تكون وسيلة لشدّ الانتباه أو تعويضا عن نقص في التقدير الذاتي…كما أن البعض قد يجدن في ذلك شكلا من أشكال التملك الشخصي للأنوثة…
والسؤال المطروح هنا
لماذا السرة بالذات؟
السرة منطقة مركزية في الجسد— محاطة بالغموض والرمزية-فهي تُمثل الرابط الأول بين الأم والجنين-وتحمل رمزية الولادة والارتباط بالحياة… لكنها من ناحية أخرى لا تخلو من إيحاء جنسي دقيق كونها قريبة من مناطق حساسة وتُعد جزءا من (خط الجاذبية الجسدية)
كما يرى العديد من المختصين في علم النفس أن ظاهرة تعرية السرة، وبشكل أوسع (كشْف الجسد)لا يمكن اختزالها في مجرد موضة سطحية أو تقليد أعمى—بل تنبع من احتياجات نفسية عميقة تتنوع بحسب السياق الشخصي والاجتماعي لكل فتاة…
4—-الانعكاسات الاجتماعية
وقد تحتدّ النقاشات في مجتمعنا التونسي بين من يعتبرها حرية شخصية ومن يرى فيها تجاوزا للحياء العام
خاصة عندما نرى تأثيرات سلوكية في صفوف المراهقات واليافعات اللواتي يقلدن النماذج المنتشرة دون وعي بالسياقات العامة والخاصة…
كما يعيش المجتمع تحديات تربوية وأسرية حيث يجد الكثير من الأولياء صعوبة في التعامل مع التغيرات السلوكية الناتجة عن هذه الموضات…
وفي النهاية ظاهرة تعرية السرة في تونس ليست مجرد موضة بل انعكاس لتحولات أعمق في الوعي والثقافة والهوية الجسدية…وهي ليست بالضرورة سلوكا سلبيا، لكنها تدعو إلى طرح أسئلة نقدية حول العلاقة بين الجسد والمجتمع والحرية والمسؤولية والتقليد والابتكار
هل تعرية السرة حرية تعبير؟ أم هي خضوع غير معلن لإملاءات ثقافة (الأنثى المعروضة؟ أي تسليع المرأة)
الإجابة ليست بسيطة… لكنها تبدأ بالسؤال والسؤال عورة تسترها الإجابة المقنعة خاصة…
***ملاحظة
لم أتحدث عن البعد الديني والقانوني بين الحرية الفردية والضوابط المجتمعية
في تونس كمجتمع يتموضع بين الهوية الإسلامية والانفتاح القانوني… أترك هذا لأهل الذكر…
فائزه بنمسعود
20/5/2025