قراءة تحليلية لنص الصديق والاخ العراقي كرار السعد
================================
يطالعنا النص متجرّدا من قيد العنوان. يبدأه كاتبه بمفقود حلّ فجأة وهو السعادة، أنا سعيد جدّا اليوم، فلم يكتفي بالسعادة فحسب بل هي سعادة غامرة، تجاوزت ذاته. سعادة محددة الزمن، اليوم!! فهل ستقتصر على المحدودية في الزمن أم ستتسع كاتساعها المعنوي(جدا).
ثم هل السعادة ذاتية إنيّة أم هي لأسباب خارجية أو لنقل لهموم عامة أتت أكلها على العام والخاص؟
أنا سعيد جدا اليوم للقارئ أن ينتظر من الكاتب أن يستأنف، فتأتي أسباب سعادته لما حققه من انجازات أو لنجاحه أو نجاح أحد يخصه او او او ولكن… هنا تأتي الدهشة، إذ ينعرج الخطاب فيتحول ضمير المتكلم المفرد (أنا) إلى شخصيات واضحة المعالم خاصة الأهداف ذاتية النتائج.
أخبرتني، أخبرني… ينتقل من الأسلوب الانشائي إلى الإخبار.
كل الأخبار تعلن عن فرح أصحابها بائعة السمك بعد جفاف يعود الماء للجريان في منزلها، والقصاب بعد عقم بقرته ها هي بالأمس تلد عجلا سليما، والخباز بعد جهد استطاع أن يفقه الاتجاه الصحيح للنار فأطعم الافواه الجوعى.
كل الأخبار تقتصر على أصحابها فما سر سعادته هو؟
بائعة السمك تحتكر جريان المياه، والقصاب يحتكر البقر والخباز يحتكر النار… فمن أين تولدت سعادته؟
القصص الثلاث لم تخرج من إطار الرسائل، والكاتب لم يأت بها جزافا، قصص مستوحاة من القصص القرآني، فالمرأة بعد يأس تخرج من فيه السمكة وهنا إشارة إلى نبي الله يونس الذي قضى فترة من الزمن في جوف الحوت. والقصاب جمع بين أنبياء بني إسرائيل فعلى الرغم من معصيتهم وقتلهم البقرة إلا أنها تلد عجلا سمينا فاتخذوه إلها، ثم ها هو زكرياء يمنح يحيى وزوجته عاقر وبلغ هو وهي من العمر عتيّا!! فهل نيأس؟
ها هو الخباز يتحول إلى سليمان ليفقه لغة الريح والنار ويحسن توجيههما فهل يئس؟
الجميع سعداء، تحولت السعادة من المفرد إلى الجمع كأنها العدوى.
لم تقتصر رحلة النبوءة على بائعة السمك والقصاب والخباز… فصديق الراوي أيضا ناله جانب من الخير فالأقربون أولى بالمعروف، لكنّها نبوءة محتشمة اختلطت بخشية المؤمنين فرسالته هشة لم تقوى بعد وهو يخشى عليها أن تضمحل، في زمن كثر فيه الأنبياء وقطع فيه نسل الرسل.
لم ينس الراوي نفسه فها هو يخرج بنا من باب الغيبيات إلى الواقع الملموس، لقد كتب نصّا جديدا وعدّل ثلاثة آخرين، فهل نصه الجديد في حاجة لتعديل؟ هل سيعدل الصورة أم الفكرة أم سيعري أنبياءه الجدد أمام الإله فيعود بهم إلى مرحلة الغواية ثم يطهرهم تطهيرا؟
نعته أحد أصدقائه بأنه خياط فيأتي في صورة نبي الله داوود فهل يعقل أن يمنح النبوة للكل دونه؟
لكنه نبي يرتمي بين أحضان الملموس ويترك للروح عالمها الغيبي، فحدود قلمه ملتصقة بالجسد، يجيد حياكة الثوب على مقاس ثدي سليم أمّا ما اعتل منها فيبتره دون رحمة كما السرطان إذا ما استحكم عضو فإما بتره أو اعتل سائر الجسد.
سعيد هو إذ سيطر على أنامل الحلاق فحال بينها وبين العبث بلحيته، فهي علامة تدينه وإلا نعت بالكفر. فطرب الحلاق كما طرب الراوي إذ استجاب كل منهما صاغرا لأمر نبوءته.
لكن زوجته وحدها من كانت تعيسة ملساء الوجه، حيث لم تبلغ مآربها تماما كما زليخة حين راودت يوسف عن نفسه، وإذ شهد شاهد من أهلها، هنا شهدت هي عنه وإذ نعتته بغير ما اصطفي له فهو بالنسبة لها ملحدا وهو النبي الذي جمع نبوءات فهو داوود ويوسف وآدم إذ جمع بين الأنبياء. لكن زليخة بتعاستها تعيده إلى زمن سابق وتستشرف به زمنا لاحقا ترمي فيه التعاسة بضلالها على عالمه، فسعادته تقتصر على اليوم، تماما ككل شيء في عالمه، ككل الأوطان وكما وطنه، لا سعادة لهم إلا تلك اللحظات العابرة حين يستحضرون الأمل في قصص القرآن والرسل، أما واقعهم فتملأه النزاعات والطائفية والتشرذم والشتات.
سعيد وجدا هو اليوم لكن سعادته لم تكتمل لأنه أرضى ذاته وأغضب زوجته حين لم يذعن لرغبتها ويحلق لحيته. هكذا هو عالمنا العربي لا سعيد فيه ولا حزين كل شيء نسبي. لأننا نؤمن بالرسالات اجترارا ولا نؤمن بها اقتداء واختبارا.
نادية الأحولي
النص
أنا سعيدٌ جداً اليومَ، بائعةُ السمكِ أخبرَتني أنها فرِحةٌ بعودةِ جريانِ الماءِ في منزلِها، وأخبرَني القصّابُ أنّ البقرةَ التي سآكلُ منها اليومَ بالأمسِ وَلدَت عجلاً سليماً،
الخبّازُ قبلَ مدةٍ أدارَ عينَ النارِ عكسَ اتجاهِ الهواءِ، لذا امتلأ رغيفي بعيونِ الجائعين،
الجميعُ سعداءُ، صديقي وصلَ صباحَ اليومِ من زيارةِ أنيسِ وحدتِهِ، ولشدةِ تدفُّقِ المؤمنينَ اكتفى بتحيّتِهِ عن بُعدٍ، خشيةَ أن يأخذَهُ التّيّارُ خارجَ فكرتِهِ الطاهرة،
وأنا كتبتُ نصّاً جديداً، وعدّلتُ ثلاثةَ نصوصٍ قديمةٍ، قال أحدُ أصدقائي أني أشبهُ الخيّاطَ، حدودُ قلمي ملتصقةٌ بالجسد، لذا حذفتُ ثلاثَ أثداء مثلَ مقصّ السرطانِ القبيح.
رقصَت فزاعةُ وجناتِ الحلاقِ حينَ أعفيتُ أناملَهُ من رمي الحبائلِ في حديقة وجهي،
استقبلَتني زوجتي بابتسامةٍ ملساءَ، فقد علّقَت على لحيتي يومَ أمسِ بكلماتٍ كئيبةٍ مثلَ كلمةِ مُلحِد.
#كرارالسعد