أيام كُنّا في الجنة
كان لي محل خياطة
كنتُ فيه مَلِكاً وكان مملكتي ..
كان لي بيتاً مُتعدد الطبقات
وكان لِكلِّ ابنٍ مِن أبنائي شقة فيه ..
كُنّا نأكل ونشرب كل يوم وما ومتى شئنا ..
كُنّا نصول ونجول في أرجاء القطاع الجميل على هوانا ..
كانت ظروفنا المادية صعبة
لكن كُنّا نكسب ما يكفينا لنعيش بكرامة ..
كانت المدارس والجامعات مفتوحة لأبنائنا
والمعابر كانت مفتوحة للتجارة و لِمَن أراد السفر ..
كان المريض يجد له مكاناً في المشافي
ويجد طبيباً مُتخصصاً يداويه ..
كان عندنا مطاعم شعبية بسيطة وأخرى سياحية فاخرة ..
كان عندنا مَسارح وصالات ومُتنزهات ..
كانت السيارات تعمل والوقود كان موجوداً ..
كُنّا نطبخ في بيوتنا ونغلي الشاي والقهوة على البوتوجاز
كانت المياه تتدفق للخزانات على سطح العمارة
دون مجهود أو تعب
وكانت الإنارة بفعل الكهرباء تملأ الدنيا
كانت الثلاجات والغسالات تعمل
وكان الكل ولو بأجورٍ بسيطةكان يعمل ويكسب
كانت الأسعار معقولة وكل شيءٍ كان موجوداً ..
كُنّا في الجنة قبل ” السابع مِن جهنم ”
كُنّا في الجنة ولم نكن نعلم ..
مجنونٌ ومُراهِقٌ غبيّ
مَن اتخَذَ قرار هلاكنا ودمار كل قطاع غزة
ومسح مُدن بأكملها عن الخارطة ..
مجنونٌ من كان سبباً في ضياع المستقبل
وموت أحلام شبابنا ..
ومشبوهٌ مَن كان سبباً في جوعي وجوع أبنائي
وبكاء أحفادي الصغار طالبين قطعة خبز ” نَنّا .. ماما نَنّا .. ”
مشبوهٌ من كان سبباً في موت واختفاء وإعاقة
نحو 200 ألف معظمهم أطفال ونساء
وبينهم كل عُلماء الجامعات وكل كبار الأطباء
وكل مُتميزٍ في مجاله ..
يا سادة إن الجيوش تمشي على بطونها
وإن بطوننا خاويةً والأسعار هنا فلكية
لا يقوى على دفعها غير أصحاب الأموال الطائلة
والتجار هنا أشد بأساً علينا مِن الكُفار
أراهم ينافسون أبو لهب وأبو الحَكَم وعُتبة بن ربيعة
على مقاعدهم في جهنم .
القصف والرُعب والخوف على مدار الساعة ..
السرقة صارت مهنة المرحلة
والتسول والبغاء والتفكك الأُسري قد طغى ..
الموت صار بالمَجّانِ في الطُرقات
والجوع مازال يأكل أمعائنا ..
الأمراض تعاظمت فينا
والأوزان مازالت تتناقص
وأشكالنا مازالت تتحول لأشباحنا ..
قبل ” السابع مِن جهنم ” كان لي بيتاً جميلاً
وكان لي محل خياطة ودَخلٍ يحفظ عِزّة نفسي وكرامتي
وكل أبنائي كانوا قد امتطوا صَهوة الحُلُم ..
بعد ” السابع من جهنم ”
المحل قد قُصِف والبيت قد تضرر والدَخل انعَدَم
والأبناء قد داسوا أحلامهم
وتشردوا في الأرض يبحثون عن قوت أطفالهم ..
يااا أولياء أمورنا ..!
إن الجوع قد أكل بطوننا
كفى ما عُدنا نحتمل
أوقفوا هذه المجاعة
وهذه المقتلة المحرقة المتوحشة المجنونة ..
فنحن رعاياكم ..
أمّا البيت ..
فلَهُ ربٌّ يحميه .
.
( بسام الأشرم )