قصر المجوهرات والذهب
بقلم:ماهر اللطيف
كانت الحالة عادية جدا في هذا الشارع الرئيسي للمدينة في هذا اليوم وهذا التوقيت – العاشرة صباحا -، كثير من المارة يعبرون هذا الممر، يقضون شؤونهم وحاجياتهم من المحلات المطلة يمنة ويسرة بكل يسر ويمن دون مشاكل تذكر، ما عدا هؤلاء المتسولين الذين يعكرون صفو هذا المسار السلس ويقلقون راحة الجميع دون استثناء – وعددهم يتكاثر من يوم لآخر ومن كافة الأعمار ومن الجنسين -.
إلا أن حدثا جللا ما وقع حينها جعل الناس يتجمهرون في مكان واحد، يكثر ضجيجهم وصياحهم، وكذلك رواياتهم وقصصهم التي تفتقر للمصداقية والواقعية أحيانا إن لم أقل غالبا للأسف.
وهذا ما جعلني أسرع الخطى وأهرول – مثل البقية – لاستجلاء الأمر وكشف ملابسات ما يحدث وحقيقته – إن غنمت بذلك من مصدر يخاف الله -، فلم أفقه شيئا في البداية لتضارب الأخبار وتناقضها وتنوع الحكايات والرواة، ولم أسمع أغلب الكلام لكثرة الضجيج وحضور سيارات الشرطة في الحال مصحوبة بأصوات منبهاتها وكذلك سيارات الإسعاف وفيالق من الناس فخمي المظهر والملبس – يبدو أنهم من رجال السلطة أو من ذوي المراكز المرموقة في البلاد -.
غير أن المتفق عليه – أو أغلب الآراء – تقر أن عملية اختطاف أنثى قد وقعت منذ دقائق (وقد اختلف في المخطوف، فمنهم من يقول تلميذة، ومنهم من يؤكد أنها شابة في مقتبل العمر، ومنهم من يزعم أنها سيدة) حين توقفت سيارة كبيرة الحجم فجأة هنا بعد سماع أصوات مكابحها المزعجة، و نزول شخصين منها بسرعة وهما ملثمي الوجهين – مثل السائق- ومسكا امرأة (إلى حين التأكد من عمرها وصفتها) من ذراعيها بقوة وجرّاها بعنف نحو السيارة في لمح البصر قبل أن تطوي تلك السيارة الأرض طيا وتختفي عن الأنظار في سرعة البرق.
وفي الأثناء، وبينما كان الناس يتابعون ما يحدث وهم مصدومين ومستغربين من هذه المشاهد المؤسفة، يُسمع صوت استغاثة وطلب للنجدة من داخل محل المجوهرات والذهب (قصر المجوهرات والذهب)، فيُتَبَيَّن أن المحل قد تعرض إلى عملية سرقة عن طريق سطو مسلح من طرف مجموعة من الأشخاص ملثمي الوجوه في ذات وقت الاختطاف، فأفرغوا المحل من محتوياته باهظة الثمن بعد أن أجبروا جميع المتواجدين هنا على الجلوس على رُكَبِهم وأيديهم فوق رؤوسهم، ثم لاذوا بالفرار من الباب الخلفي بسرعة ولم يستطع أحد أن يقوم بشيء غير الصياح وطلب النجدة متأخرا.
وهذا ما زاد من صعوبة الأمر وتعقيده في البداية، فأسرع رجال الشرطة في تعقب آثار السيارتين (أو أكثر،بما أن عدد سيارات العصابة مجهول إلى حد الآن وكذلك عدد الأفراد المشاركين في عملية السطو)، فيما أغلق بعضهم الآخر مسرح الجريمة و أفرغوه من المتطفلين والمندسين – وأنا أولهم – ليفسحوا المجال إلى المحققين ليقوموا بعملهم، وقام رجال الإسعاف بالعناية بالحالات التي تتطلب تدخلهم على عين المكان قبل نقلهم إلى المشافي وفق حالاتهم الصحية والنفسية وغيرها.
وبعد دقائق، شرع الجميع في العمل المضني والجدي بغية التوصل إلى الحقيقة، أو إلى “خيط” رفيع يوصلهم إليها والى فك شفرات هذه الأحداث المتشابكة والمتزامنة والمشتركة في الزمان والمكان – وقد تكون مشتركة أيضا في العصابة وأفرادها -، فانطلقت الاستجوابات وسماع الشهادات، رفع البصمات وترقيم أماكن الأحداث وغيرها من تقنيات علهم التي يعرفونها أكثر منا.
وقد مكثت بالقرب من مسرح الجريمة – رغم إبعادي من هناك وبقية الناس – متى اقترب باحث من بحثة الشرطة وطلب منا شهادة إن كان أحدنا لمح أي حدث حين وقوع الحدثين، فلم يجبه أحد في الأول، قبل أن تتقدم عجوز بكل ثقة في النفس وتقدم هويتها وتقول بصوت مرتفع:
– قدمت سيارة بدون ألواح منجمية، سوداء البلور واللون بسرعة من الشارع الآخر، فرملت هنا بشدة وقوة، نزل منها شابان ملثمان وقاما باختطاف امرأة في الأربعين من عمرها تقريبا
– (مقاطعا) هل كانا يقصدانها دون غيرها، أم كانت أول من اعترضتهما؟
– (دون تفكير، وبكل رصانة وثبات) كانا يقصدانها دون غيرها طبعا، فقد اعترضت سبيلهما عدة سيدات وشابات، لكنهما لم يكترثا بهما واتجها صوب هذه المرأة التي غادرت للتو محل “قصر المجوهرات والذهب”
وواصل التحقيق معها قبل أن يصطحبها إلى الداخل (داخل محل الذهب) أين كانت خلية عمل تعمل دون انقطاع لاستكمال استنطاقها ومعرفة ما يمكن معرفته منها، بينما كنت أنا أفتش في ذكرياتي وأسترجع الأحداث لأتذكر أني سبق وأن قرأت قصة مماثلة وقعت منذ سنوات عديدة في إحدى الدول الغربية، حيث قامت عصابة محترفة بالتخطيط للسطو على بنك، ثم أكبر محل للذهب عن طريق افتعال عملية اختطاف أنثى لإلهاء الناس وتشتيت انتباههم وتركيزهم ليسهل عليهم السرقة وتنفيذ الهدف المنشود بأقل أخطار ممكنة….
فهل تكون الأحداث والنتائج نفسها هنا بعد هذه العقود، مع تغير المناخ والأجواء العصابة وغيرها من الملابسات، أم إن الأمر سيكون مختلفا ونشهد حبكة جديدة وأطوارا متطورة تطور هذا المجتمع وما يشهده من تحولات شبه يومية؟