قراءة في رواية أحمد طايل Ahmed Tayel
“شيء من بعيد ناداني” .
هل هي رواية نسجها المؤلف بتخييلات عفوية ام هي قصة مطمح يؤرق الكاتب و يضع على كاهله اوزار الانبتات في عالم بدأ ينسلخ عن تراث أجداده ومآثرهم؟
المتأمًل في عتبة العنوان “شيء من بعيد ناداني” عنوان فيه من الغموض ما يجعل القارئ يتوه بين “شيء”,النكرة التي تصدرت التركيب الاسنادي الاسمي ليكون التصنيف التعريفي الوحيد مرتبطا بالمكان والمكان ليس أقل تنكيرا بل هو يطوح بالشيء إلى ابتداء الغاية المكانية اللامرئية واللاًمحدًدة ليكون الخبر محددا الصلة التواصلية القائمة على التفاعل السمعي وليكون النكرة “شيء “فاعلا مبادرا والسارد مفعولا به يقع عليه الفعل وليكون نص الرواية موضحا للرد على الكاتب إيجابا أو سلبا.
رواية بتتبًع فصولها نجدها بترتيب عدديً رتبيً بدءا ب :
1اول الحكاية.. يوم جديد… لتنطلق عملية القص بترتيبات ثلاثية الأبعاد بالارقام …1…والترتيب “”اوًل الحكاية” يعني أن للحكاية وسط واخر أو وضع بداية وسياق تحول ووضع ختام بحكم تقنيات القص ومقوماته ليكون “يوم” منعوتا بالنعت والصفة “جديد” اي أن لليوم سوابق صارت قديمة ولواحق تتبع الجديد ليصير بعدئذ قديما .
اهو الاحتفاء بالجديد والتغيير والانطلاق من جديد انطلاقة يوهمنا النعت “جديد” بأن متعة ما تنتظرنا ..وان لكلً جديد لذًة .
ليكون السًارد متخفيا قاذفا ب”الهي” كي قد تقود الحكاية ولو باستقطاب يحيل على معرفة مبطًنة بين الرًاوي والبطلة “كثيرا جدا …وكثيرا جدا …ماكانت تستعيد كلمات العرًافة…” ماض استمر وتواصل بحضور شخصية كانت ومازالت تثير جدلا تصديقا وتكذيبا وفق المخيال الإنساني والراوي ومنذ البدء يكشف أنه راو عليم بالظاهر والباطن .إذ يسرد الأفعال الظاهرة “صوبت نظراتها…” ثم شعرت …أحست…” وحضور الوالدين يعني أن العملية علنية وأن الأمر وصل حد الرغبة في العلاج لكن مم؟ من الحلم ..سوف تحلمين ….سوف تظلين بحالة حلم لسنوات…تقترب ..من خمس سنوات ….”
لينفتح الحوار على تنبًؤ بالمستقبل في بلاد بعيدة …حلم وتنبًؤات وواقع وفتاة بملامح شرقية في غرب يرتقي على مقومات حضارة عريقة.
ليغوص الراوي في الصراع الباطني والحيرة من أن تكون العرافة قد توصلت إلى كشف سرها…”
الراوي وكي يتدرج نحو الكشف عن الثيمة التي دبج وفقها روايته فقد استعان بالوصف الذي كثيرا ما عطل السرد ليكشف سر الطفلة “ملامح أهل الشرق هي الغالبة عليها …” وصف جعل الموصوفة اقرب إلى حورية بجمال فتان .
غير أن الكاتب وان جعل بداية الحكاية مع فتاة شرقية فائقة الجمال فقد تخير مكانا انسب للحدث الاول “المتنزه الأرسطقراطي”. معددا الشخوص ويعرفنا بهم وفق صلتهم بالبطلة الدكتور “تشارلز آدامز”. ليصبح المكان هو الضامن لما تبقى من أحداث “رغم اعتماده على الاسترجاع لكسب الزمن وعدم الدخول في التفاصيل .”منذ خمس سنوات.” لكن استحضار بعض مؤشرات من الوطن القديم “توت عنخ آمون” الفرعون المصري” هي إذن الحضارة الفرعونية بكل تجلياتها .
ليكون المعرض بديلا عن وطن ثابت “تشبهه “لويزا” وقد تكون التسمية تحيل على معدن صاف باهض الثمن نادر الوجود “اللويز”
انطلق المؤلف في غفلة من المتلقي في مشروع الانبتات بأرض قصية بذكر عنوان الأغنية بلغة بلاد المهجر “I love you” ليحل الحلم محل الواقع ..”الحلم” لتكون الساعة الحائطية المتوارثة منذ زمن لتحقق الاستمرارية الزمنية وتثبت حتميًة التًواتر والتلاحق الزمني الحتميً.
لتتالى الفصول بعناوين فيها من الايحاء والرمز والتخصيص ما يجعل المتلقي يهب لاستكشاف المحتوى ففي 2″نقش الزمن أو “العيش بين الحكايات ،”أو “حديث الشغف ” وغيرها من الفصول أو المقاطع التي تتعالق أحداثها ليكون المعرض نقطة التقاء واقعي لكنه افتراضي بالنسبة إلى طفلة تبحث عما يصلها بوطن تاه عنها إذ ان المعرض يربط الشخصية بما بعد عنها من وطن هناك ليكون المنع من أخذ الصور اول المعرقلات بينها وبين الوطن البعيد جدًا. لكن الراوي شحن البطلة بملامح الوطن لتصبح خير مجسم للوطن البعيد “بها ملامح تنتمي لملكات فرعونية”
لكن حضور الشخصية التي تثمن تاريخ مصر في مكان قصي بعيد عنها ..اهو نقد أو موقف ام حسرة ؟
تصبح مكنونات الوطن للفرجة موقف تشحن به البطلة لتصير “لويزا” اهم من المعروضات ” مع عالم الآثار المصرية “البروفسير زاهر الحباك”
وان اختار الكاتب أن ينطلق في تثمين مكنونات مصر الحضارية بدءا بالاعتزاز بالإسلام ” ليكون تاريخ مصر من محتويات الصندوق .وليكون فريد والاب المشتغل بالحفريات عن الآثار وليصبح البعيد قريبا باهتمام فريد بطقوس المجتمع المصري الصعيدي في مقابل المجرمين والمهربين للآثار المصرية بتنظيم وتدبير من الباحثين عنها من الغربيين الذين يشربون الخمرة ويأكلون لحم الماعز المشوي .
غير أن البطلة الحق. هي” لويزا “مجنونة الفراعنة”
ورغبة من المؤلف في الغوص في المجتمع المصري فإنه صور جوانب من حياته في الحاضر. “بيت جلال الهميلي “في الاقصر .والنظام السائد “مصطبة للرجال ومصطبة للنساء” بعض مؤشرات المجتمع المحافظ المغلق الذي مازال يلبس “الجلباب” ويزور الأجداد ويحتفي بالروابط العائلية المتينة .
لكن “لويزا” والتي ألبسها المؤلف جلباب مصر بكل خصوصياتها ومآثرها وهي البطلة اليافعة التي تطلب المعرفة وتتشبث بكل مؤشر حضاري يربطها بالوطن والأصل والجذور “تقرر الدراسة باي كلية تهتم بعلم الآثار .” لتمر من التخصيص إلى التعميم من تاريخ مصر وآثارها إلى دراسة الآثار العالمية .لأنها.تؤمن بأن تاريخ الإنسانية جامع شامل رغم تنوًع المعتقدات والأديان والانتماءات العرقية.
من حيث البناء الدرامي فقد راوح السارد بين الواقع والحلم واختار شخوصا يجسم كل واحد منها فكرة أو موقفا ثابتا من المواقف التي تثمًن افكار الكاتب.
رواية بنيت على الثنائيات بكل تجلًياتها .الماضي والحاضر .القريب والبعيد .الانثى والذكر .الوفاء والخيانة الخلود والعدم .الصغر والكبر. الحلم والواقع ……
والكاتب لم يغفل عن الباحثين عن الآثار من الغربيين الذين يشربون الخمرة ويأكلون لحم الماعز مشويا ويتاجرون بحضارة وطن عريق .
يقول الكاتب:
_ لويزا شاردة الذهن …تقول لوالدها “أي قطعة بالمعرض تشعرك أن بها روحا وحياة تكاد تنطق وتحكي عن عصور..” هو الغوص في غياهب حضارة تستنزف وتهرب وتشتًت .
لغة الرواية بسيطة مبلغة لكنها في بعض المواضع تبدو سطحية لا تتلاءم مع الحدث والمواقف.
ختاما “شيء من بعيد ناداني” رواية فيها راوح الكاتب بين الحلم والواقع دون إغفال حقائق مخيفة تحذر من استنزاف اثار مصر ونقلها إلى عوالم بعيدة كي تكون لمجرد المتعة البصرية أو اهتمام الدارسين والعلماء الذين مازالوا يبحثون عن دعائم حضارة الاسلاف التي لم يحافظ عليها الاخلاف.
حبيبة المحرزي
تونس