القالة لاكال lacalle
القالة أو لاكال كما أسماها الفرنسيون او كما أطلق عليها اسم مرسى الخرز في العهد العثماني قديما ،مدينة حضارية تاريخية ضاربة بجذورها عمق التاريخ ، عاصمة المرجان،لؤلؤة الشرق، جوهرة الساحل،عروس البحر ،هيفاء المتوسط ،حسناء الساحل،هكذا حق لأبنائها تسميتها وتوصيفها في الحاضرلجمالها وسحر طبيعتها الأخاذ و شواطئها المختلفة،وجبالها المترامية الأطراف وعمرانها الحضاري.
كثيرا ما تستوقفني صورا لمدينة القالة قديما مرفقة بعبارة ماضيها أجمل من حاضرها، وأكاد أرى هذه العبارة في عيون ساكنيها القدامى الأصليين ،أراها في عيون مجاهديها الذين ضحوا من أجلها بالنفس والنفيس ، أراها في عيون شيوخها الذين يجلسون في أماكن من الطريق اعتادوا الجلوس فيها،يتأملون ويتذكرون ويقارنون، يتساءلون ،أراها في عيون شباب وآباء وأمهات الزمن الجميل، كيف كانت مدينة القالة وكيف أصبحت ؟ القالة مهد الحضارة ومحجةالتاريخ و معقل الفكرو العلم والأصالة والعادات والتقاليد والمحافظة على القيم ، موطن النقاء والصفاء والبهاء، مسقط الرأس والطفولة والبراءة، والشباب الطموح والكهل المثابر والشيخ الورع . أراها في عيون هؤلاء وكأنهم يتحسرون على ما آلت إليه،بعد الاختلاط السكاني،النزوح الريفي، وهجرة أهلها ،و الزحف العمراني المتسارع والتطاول في البنيان والعمران،الذي قضى على الأخضر فيها ،والأجمل من بدائع صنع الالاه،
القالة بشوارعها وأسوارها ،وحصونها وقلاعها، يحكي كل شبر منها تاريخ شعب ،بأحيائها الشعبية المتراصة بنيانا والمتآلفة وجدانا وتماسكا بين قلوب ساكنيها، حي الفرنانة،حي خمس مئة الف ،ليزالمو (حي جبهة التحريرfln)، حي بالالا،، حي سوندوز 112، ليزاشالام ،بنقالو، الولاية، طفولتنا بالأمس ليست كطفولة اليوم ،مشي وجري وركض دون كلل أو ملل، لعب ومرح وشقاوة ،كلها براءة وحلاوة، والكورcoursbarris بظلال نخيله الوارفة(ساحة الثورة حاليا) وصوت الصيادين وهم يغنون أغاني وأهازيج البحارة ،يخيطون الشباك، ومنظر السفن المرساة على الميناء ،ودار الحاكم التي لاتزال شاهدة على التاريخ العريق، يقابلها مبنى الكنيسة(كنيسة سانت سيبريان ) glise saintcyprien بهندستها المعمارية وزخارفهاالجميلة النادرة، التي لاتزال تستقطب جموعا من الباحثين والدارسين في مجالات مختلفة كالتاريخ والاثار والهندسة المعمارية، وقد حول جزء منها إلى محلات ،كان هناك محل الأناقة ، و لفظ الأناقة يطلق على محلات بيع مواد وأدوات التجميل قديما ، وفي الطرف الآخرمقر بلدية القالة lamairie،ومنظرالبنايات القديمة بزخرفتها وشرفاتها ونوافذها العتيقة ،والأقواس الموجودة في وسط المدينة، وساحة5جويلية (placette) ،ثم إن الزائر ليلحظ أن البنايات تكاد تكون كلها بنفس النمطية في جميع ولايات الوطن الساحلية ،عنابة ،سكيكدة،جيجل، بجاية…….،لأن المستعمر تفنن في بنائها وهندستها،ظنا منه أنها ستكون موطنه إلى الأبد.
القالة هي ذكرى جميلة لكل من درس في ثانوية 19 ماي، لمن يقطنها أو من يقطن ضواحيها من القرى كأم الطبول ،العيون وعين العسل،الفرين،المالحة،رمل السوق، واد الحوت، هذه الثانوية العريقة بمرافقها العديدة، ونوافذأقسامها المطلة على البحر، نشتم نسيمه ،ورائحة ملحه ،ونسمع صوت أمواجه المتلاطمة على الصخور ، يدق الجرس ليخرج الطلاب بالمآزر البيضاءكأنما جبال من الثلج تمشي أو قطع القطن تتحرك صعودا وهبوطا،فئة تستقل حافلات النقل المدرسي المخصصة للقرى البعيدة وفئة تعود إلى المنازل راجلة ،تمر على الأروقة les galeries، بجانبها محل لبيع الأحذية الجلدية لشركةbata ومارشي الحوت وأصوات الباعةسردين فراش،حوت،كلمار ،كروفت، ورائحة الزلابية المصنوعة بأيادي تونسية يستقبلونك بابتسامة عريضة ووجه بشوش،،ولاننسى مجسم الغزالة الذي يتوسط المدينة،وكأنها تخبر السائح الوافد أنها ريم الغزال أوريم الفلاه ، التي تغنى بها الشعراء،ومكتبة الحياة اامكتظة دوما بالزبائن والطلبةلاقتناء الجرائد والصحف اليومية واللوازم المدرسية، و في القمة يتجلى لنا منظر الطاحونة moulin التي مازالت صامدة لتشهد أمام العالم على الموقع الاستيراتيجي الهام للمدينة وأن القالة كانت بوابة الشرق ونقطةالتقاء وتقاطع المدن التجارية الجزائرية والأوربية وخاصة في مجال تجارة الحبوب، كم كان جميل منظر بنايات(ليبنقالو)lesbungalowe المصطفة والمتوازية بألوانها البيضاء والزرقاء، وعمارات ليزاشالام والولاية وشاطئ لوزينة ومنظر فندق المرجان أضفى على المكان رونقا وبهاء ،وكأنه تحفة بلمسة معماريةهندسية من العهد الأندلسي وإذا رفعت رأسك عاليا تراءى لك منظر عمارات ليزالموا التي بناها الالمان شاهقة عالية تعانق الطبيعة بزرقة السماءو البحر وخضرة الجبال في تناغم وانسجام وتصوير رباني لجنة ساحرة، وما يخطف
الألباب منظرالشمس عند المغيب ، طبيعة لم تكن إلف أهلها فحسب ،بل ألفها حتى المعمّر نفسه ،الذي لم يستطع مغادرتها ولم يرحل منها إلابعد مدة طويلة من الاستقلال(سنوات الثمانينات)،وأذكرجيدا أيام الصغر، وجود عدد كبير من الأجانب المتواجدين فيها بغرض العمل كأطباءأو التدريس بها،أتوا من مختلف البلدان ، من روسيا وايطاليا وألمانيا وحتى الهند،ناهيك عن السياح الوافدين اليها صيفا من كل أصقاع المعمورة،لان القالة كانت ولاتزال قبلة السياح ومقصد المصطافين، ومحط أنظار الزائرين ، ما من زائر يأتي إليها إلا واستقر بها ، أذكر أنه كان سوق الفلاح وهو المكان الوحيد للتبضع والتسوق لكل العائلات القالية، من خضر وفواكه ومواد غذائية وحتى الأثاث والآلات والأدوات الكهرومنزلية، ومقبرة الشهداء تزينها الأعلام الوطنية ،ومقهى ، ومفترق الطرقquatre chemins
ومحطة الحافلات القالة – عنابة
كانت مدينة محاطة بجنان البرتقال وأشجار الصنوبر والفلين ،وأشجارالتوت البري قد لاحت بأعناقها ،وأزهار الأقحوان،والفل والنرجس،والورد مختلف ألوانه،
مدينة امتزج عبق تاريخها بشذى أزهارها الندية ،كانت الحياةبسيطة لكنها جميلة.
القالة وردة المدائن ،أو كزهرة أيلول فاتنة في كل الفصول،موطن النقاء والصفاء ، حمراء الساحل،مرجانة جورية، جوهرة خرزية بألوان قوس قزح ، تحفة أثرية كما يحلو لي وصفها.
القالة هي السكن لمن لاسكن له ،هي الوطن لمن لاوطن له،هي ذلك الاحساس الجميل الذي ينتابك وأنت تدخل بوابتها، تتنفس هواءها،تمشي على ترابها، هي الفرح بعد الحزن والأمل بعد اليأس، والأمن بعد الفزع، هي المواساة بعد المأساة. باختصار شديد هي الحياة،
القالة قطعة من الجنة أو هي جنة فوق الأرض،حباها الخالق المصور بطبيعة تسر الناظرين ،يرتاح إليها العليل ويشفى بها السقيم، هي روضة من رياض الرياحين المنثور في كل الأرجاء من طيب ثراها. هي الروح والريحان في كل وقت وفي كل مكان.
هي ” البقعة الكريمة من الأرض والغنية بشتى المناظر،والمشاهد التي تأسر الطرف وتستهوي الأفئدة وتستثير العواطف،وتستصبي الخيال، كان لها الأثر القوي في عقول أبنائها وأخلاقهم وأمزجتهم ورهافة حسهم وصفاء أخيلتهم”
القالة أرض عزيزة،وتربة طيبة، طيبة أهلها الكرماء الاسخياء ،المدينة المضيافة،الآمنة، “اللهم اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن بالله واليوم الآخر” سورة البقرة.
وختاما ،لست بمقام لترويج السياحة أو بكاء على رسوم أوطلل ،إنما أتوق لماضي مدينتي،وأتوق إلى مجدها، و جمال حواضرها، وأحن إلى كل ربع من ربوعها،ربما هي دعوة إلى المحافظة عليها والاهتمام بمعالمها التاريخية والأثرية،وحدائقها الغناء وشواطئها الباهرة،والحرص على ترقيتها وتطوير التنمية بها واستثمار ثرواتها الطبيعية، وتهيئة بعض المرافق، لتكون وجهة سياحية وتجارية بامتياز تعود بالنفع على مواطنيها وعلى تقدم البلاد وازدهارها إضافة إلى ذلك إعطاءها المكانة المستحقة في مجال الإبداع الفني والأدبي و الحركية الثقافية، ويجدر الإشارة أنها مدينة علم وثقافة ودين، وفكروأدب ،غنية بمفكريها وعلمائها وأدبائها، زاخرة بكفاءات وقامات سامقة لايستهان بها.
بقلم المفتشة ع/وردة