التضايف في قصيدتيَّ
أخلع الوقت وأمشي
وأخلع الغياب وأمشي
————————
—1–تصدير
مفهوم التضايف في الشعر؟
التضايف من (الضيْف) بمعنى المضاف إليه) هو علاقة ترابط بين شيئين بحيث لا يمكن لأحدهما أن يكتمل دلاليا إلا بالآخر-لكن في الشعر لا يقتصر على التراكيب النحوية (المضاف والمضاف إليه) وإنما يشير إلى علاقة انعكاس/تقابل/أو تكامل دلالي وبنيوي بين نصّين أو صور أو مفاهيم…)
[محرك بحث جوجل]
بالنسبة لي فإن التضايف تـم بين قصيدتين كاملتين
-2—في رحـــاب القصيدتين
لسائل أن يسأل
كيف تحقّق التضايف في هاتين القصيدتين؟
(أخلع الوقت وأمشي) و(أخلع الغياب وأمشي)هما قصيدتان تمثلان بنية تضادية – تكاملية في آن—وكأن القصيدتين تقفان كل منهما في مرآة الأخرى أوأمام مرآة الأخرى
فنلاحظ التضايف في البناء
فقـصيدة (أخلع الوقت وأمشي) تتنامى الخيبات حيث تسير من خيبة إلى خيبة تنزع القناع عن الانتظار /تصف الغياب وكأنه مرض عضال/
ويتصاعد الإيقاع نحو قرار قاطع (أنا لا أغفر) بمعنى لا تنازل ولا تسامح
وفي قصيدة (أخلع الغياب وأمشي)
نلمس إعادة ترتيب الزمن -حيث يتم ّ البناءعلى الأمل المفاجئ ويعود الحبيب ليفكك الغياب ويحوّله إلى حضور مشرق وهذا ولّد النور وقلب الإيقاع…
لــــذا التضايف هنا ليس فقط بين حالتين نفسيتين مثلا بل بين نصّين كاملين مستقلين ظاهريا ولكن في العمق يعتمدان على بعضهما ليكتمل المعنى وهكذا لا تُفهم القصيدة الواحدة تماما إلا بوجود الأخرى—
فـالنصان متضايفان في الدلالة والوظيفة فالأول يُعطي الحزن ملامحه /والثاني يُعطي الأمل صوته وضجيجه …
القصيدتان تشتغلان على ثنائية الوجود/اللاوجود-الحضور/الغياب—الانتظار/الدهشة—
وما يُخلع في الأولى هو الزمن لأنه خان—وما يُخلع في الثانية هو الغياب لأنه انتهى—
القصيدة الأولى تمارس الرفض والهجر-والقصيدة الثانية القبول والاحتواء
القصيدة الأولى تُخرجنا من اللغة—والقصيدة الثانية تُرجعنا إلى لغتنا الأليفة
وهذا التضايف يحوّل القصيدتين إلى دورة شعرية متكاملة(قد أتعرض في مقام آخر لمفهوم الدورة الشعرية)
حيث لا وجود لحزن الأولى من غير احتمال الثانية-ولا يُصاغ أمل الثانية دون جراحات الأولى واعني القصيدة
ربما يتبادر إلى ذهن البعض سؤالي—عن معنى التضايف بين قصيدتيّ—إجابتي هي هذه
(القصيدتان تُقابلان بعضهما كوجهي مرآة-
الأولى تكتب الغياب وتفتّت وتبعثر اللغة من فرط الحزن والثانية تكتب الحضور وتعيد للغة نبض الحياة
التضايف عندي ليس فقط تركيبـا بل حالة شعرية تقلب المعنى على وجهه الآخر—لتكتمل التجربة
فلا معنى لقصيدة الغياب دون أن تحاورها قصيدة اللقاء—
وفي قلب هذا التضايف- تولد الذات من رمادها لتقف – لا تنحني-لا تهادن
—3–أختم برأي الشاعر الناقد حمد حاجي
(هاتان القصيدتان تقفان على مستوى رفيع من التوتر الفني والوجداني وتشكّلان معـا ثنائية شعرية تُبنى على تقنية التضايف المعنوي والتكويني)
—4—
القصيدتان
الأولى
أخـلـع الـوقـت وأمـشي
قـلـت: ســآتي
فابتلعني الطريق
لم يكن أحد هناك
سوى المقعد
ينتظر
بصبر الخشب
الحزنُ ليس دمعة
بل تراكم ظلال
فوق قلب
خلع وجيبه
فنسيَ كيف ينبض
كل شيء
يموت أفقيـا
وأنا
مُنهكة
من الوقوف
على حواف الفقد..
الــحــبّ
ليس ما نظنه
بل ما لا يأتي
حين ننتظره
الــعــيــد
ليس يوم ميلاد
بل ذكرى
—أنك لم تــأتِ—
سؤالي عن القصيدة
لم يكن عنك
كان عني
حين فقدت اتّزاني
وتعثرت في رداء لغتي
حــيــن تـأخّـرت
لم يكن الوقت الذي تأخر
بل أنا من تـأخر عن فهم
فداحة الرهان
مـات قـلـبي
كمــن أطفأ المصباح
لينام
ثم تذكّر أنه لم يحلم
قــلــت :ســآتي
فانفجرت الطرقات ضحكا
وسقطت كلّ الإشارات
في غيبوبة عبث
مَــن يـنـتـظـر مَـــن؟
من قال أنّني كنت هناك؟
أنا لا أنتظر
أنا أخلع الانتظار
كما تُخلع يد لم تعد تُصافح
مــرّ الـعـيـد
أعطاني صفعة
وباقة شوك
وقصيدة قديمة
مقصوصة الجناح
أنــا لا أبــكي
أنا أتفجّر
أمزّق المرايا
وأترك وجهي
يُهاجر
قــلــتَ ســآتي
كأنك تهدي
ورقة توت
لعُري فاضح
تـأخّــرتَ
أنا الآن مقبرة
على بوابتها منقوش
من كان يحبّني… تأخّـر
قـلـت ســآتي
فمددتُ لك قلبي
جسرا مشتعلا
وشرّعت النوافذ والمنافذ
في سوْرةالعاصفة…
قــلـت ســآتي
قتلتُ في صدري
كلّ من لم يكن أنـتَ
ثم لم تـأتِ…
كــان مـيـلادي
وكان عليّ أن أولد وحدي
من رمـاد
هل تدري ما معنى
أن تنتظر
في لحظة كل شيء فيها ينكسر؟
أكاد أضحك
حين اتصلتَ
واعتذرتَ
هل يُعتذر عن الغياب
بقلبٍ مات؟
بقصيدة لم تُكتب؟
بوردة لم تقطع طريقها إليّ؟
بزمن اخترتَ فيه ألّا تكون
لا أريــد اعـتـذارك
أريد زمني الأوّل
قبل أن أمدّ قلبي
أعدني لزمن ماقبل الخذلان
الآن —الآن
خذ حبّك
اطوِه كقميص مبلّل
اتركه يتعفّن على حبل الذاكرة
أنا امرأة
لا تغفر
لمن غاب
حين كان الحضور
ارتعاشة أمنية..
كل شيء ينام
إلا الــحزن
واقف في الزاوية
مثل طفل
نسي أن يكـبـر
الــحـزن
سماء بلا معراج
وأنا
أضيق كلما اتّسع…
كنت أظنّك
تعبر الموت
من أجلي
فأغلقني الغياب…
قــلـت ســآتي
وكان الوقـتُ غائـبـا
والأرض صوت مبحوح
والعذر بارد
كحزن بلا عــزاء
قــلــت ســآتي
الباب موارب
لا ظل على العتبة
لا طيف يغازل العتمة
والوقت أعمى
يمشي فوق جثّة موعدبصلف وخيلاء
يستبيح دم الميلاد
وأنا
لا أجيد الانحناء…
———————
الثانية
أخلع الغياب وأمشي
قلتَ: سـآتي
ضحكتِ الطرقات
وامتلأت الأرصفة
بخطواتِ الفرح
كان المقعدُ
يغني
بصبر الورد
الفرحُ ليس ابتسامة
بل تدفّق نور
في قلب
ارتدى أنغامه
كلّ شيء
يولد عموديـا
وأنا
ممتلئة
بالوقوف
على ضفاف اللقاء
الحبّ
ليس ما ننتظره
بل ما يفاجئنا
حين نفتحه كنافذةللشمس
العيد
ليس ذكرى بعيدة
بل موعد
ـ أنك جئت ـ
سؤالي عن القصيدة
لم يكن عن ألمي
كان عني
حين وجدتُني
أستسقي غيث لغتي
حين تأخرتَ
لم يكن الغياب من تأخر
بل أنا
من تأخرتُ عن استقبال الفرح
عاش قلبي
كمن يشعل المصباح
ليحلم
قلتَ: سآتي
فتراقصت الطرقات
وسقطت الإشارات
في غفوة دهشة
من يحتضنُ من؟
من قال إنني كنتُ بعيدة؟
أنا لا أراكم الانتظار
أنا أزرع الحضور
كما يد
ممدودة للمصافحة
مرّ العيد
أهداني ضحكة
وباقةَ ياسمين
وقصيدة
مشرعة الجناحين
أنا لا أبكي
أنا أطير
أعبر المرايا
وأترك وجهي
يطرز الضوء
قلتَ: ســآتي
فـأهديـتني
بدرا ليلة الاكتمال
وصلتَ
فوجدتني وطنا
على بوابته منقوش
من أحبّني… حضر
قلتَ: ســآتي
فمددتُ لك قلبي
جسرًا من نور
وشرعتُ النوافذ والمنافذ
في وجه الفرح
قلتَ: ســآتي
فانتعش في صدري
كلّ من كان أنت
ثم جئت
كان ميلادي
وكان عليّ أن أولد معك
من ضوء
هل تدري
ما معنى
أن نـلتقي
حين كل شيء يزهر؟
كفكف الرمش دمعي
حين اتصلتَ
وقلت: أنا هـنا
بقلب ينبض
بقصيدة كُتبت
بوردة شقت طريقها إليّ
بزمن اخترتَ فيه أن تكون
أريد دهشة اللقاء
أريد عودة
لزمن ما قبل الغياب
لزمن الإغراء
الآن — الآن
خذ حبّنا
افرده كقميص مبتل ندى
لا تدعه يجفّ
على حبل الذاكرة
أنا امرأة
تغفر لمن حضر
والحضور
ارتعاشة أمنية
كلّ شيء يغفو
إلا الفرح
منتصب في الزاوية
كطفل
اكتشف للتو كيف يكبر
كيف يتبرعم ويزهر
الفرح
سماء لها معراج
وأنا
أتّسع كلما امتلأت
وعبرت النور
من أجلي
واللقاء احتواء
قلتَ: سـآتي
الوقتُ رقص وانتشى
والأرضُ صدحت بالغناء
والعذر دافئ
كحلم مشرق بلا انطفاء
قلتَ:سـآتي
الباب مشرّع
الظل يراقص العتبة
والطيف يعانق العتمة
الوقتُ مبصر
يمشي على موعد أخضر
يستقبل ميلادنا
وأنا
لا أنحني…أنا أسمو
أعـانق المكوت والضياء
فائزه بنمسعود
معرض الكتاب تونس
28/4/2025
———-شكرا لكل من يقرأ القصيدتين مع الاعتذار على طولهما
فائزه بنمسعود
12/6/2025