غواية الثلاثي في عنوان (حتى لا تتداعى السماء)
مجموعة (نصوص نثرية)
للكاتب التونسي
Hamma Jday
——————
سأعمل في قراءتي
على شقين
أولها العنوان وثانيها
عبارة(نصوص نثرية) التي وردت مباشرة أسفل العنوان
لافتة الانتباه
—————-
تصدير
أ—الشق الأول العنوان
العبارة (حتى لا تتداعى السماء )تحيل منذ الوهلة الأولى إلى بـعد رمزيّ يتجاوز دلالة السماء الفيزيائية اي السماء المعتادة التي رفعها الله دون عمد…فهي ليست مجرد قبة زرقاء تحمينا—بل تمثل في وجدان الإنسان العربي وفي الثقافة الإنسانية عموما— (عالم المعنى/الطمأنينة/الإيمان/الأمل/والحق…)
كلمة (تتداعى)تنطوي على إيحاء بالانهيار والانفراط والتهاوي… وهي مفردة تعبّر عن لحظة كارثية لا عاصم منها وكأن العالم ينقلب —-وكأن الأسس التي يقوم عليها الوجود تتخلخل وترتجّ…
إذن(حتى لا تتداعى السماء)توحي بأن هناك شيئـا ما علينا أن نقوم به -أو ينبغي أن نقوم به-حتى نحمي هذا البنيان الرمزي الذي نحيا في ظله-فالعنوان شرط وجود{إن لم نفعل… السماء ستتداعى}
فماذا تمثّل (السماء)في هذا السياق؟
تأويل أول
قد تكون السماء هي القيم الإنسانية العليا (الحب/ الحرية/الصدق/الطفولة/الروح/الإيمان…)وقد تكون (السلام النفسي الداخلي-أي تلك المساحة الروحية التي إذا تلوثت يفقد الإنسان ذاته…)
تأويل ثـانٍ
قد تشير (السماء) إلى الكتابة ذاتها—أي أن الكاتب يكتب حتى لا تتداعى السماء التي تؤويه والقصد (سماء الخيال والبوح والطفولة الكامنة في اللغة وعنفوانها)
تأويل ثـــالث
قد تكون السماء الذاكرة الجمعية أو الفردية التي يحملها الكاتب (سماء أمه-وطنه-طفولته-أحلامه… )وإذا لم يُعبّر عنها وإذا لم يكتبها فإنها ستتداعى وتُنسى وتطوى طي السجل وتلقي بها الذاكرة إلى العدم…
وما يُغري في هذا العنوان – فضلا عن دلالته الوجودية – هو بناؤه الثلاثي الذي يُضفي عليه توازنا إيقاعيا ودلاليا خفيا—- فالتركيب القائم على ثلاث وحدات لغوية (حتى / لا تتداعى / السماء) ليس مجرّد اتفاق نحوي بل هو ما يُسمّى في التقاليد السردية والبلاغية بـالتركيب الثلاثي المغوي إذ يحمل وقعا موسيقيا مريحا للـذهن ويُرسّخ المعنى في الوجدان بسرعة وكثافة…
في العناوين الثلاثية —هناك ميل واعٍ أو غير واعٍ نحو الكمال أو الاكتمال كما في المثلث بوصفه شكلا متوازنـا أو كما في البنية الثلاثية للحكاية (بداية – وسط – نهاية)
وفي هذا العنوان بالذات تتجلّى غواية الثلاثي في خلق إيهام بالاكتمال مع إبقاء الباب مفتوحا على الخطر—
(حتى)تفتح أفق الاحتمال
(لا تتداعى)تعبّر عن فعل مشروط ومعلّق
(السماء)تضعنا في مواجهة المطلق…
هذا الترتيب الثلاثي يمنح العنوان قوّة استثنائية—
كل كلمة فيه تمثل عمودا في خيمة المعنى-فإذا غابت واحدة اختلّ الإيقاع أو ضاعت الدلالة-
إنها ثلاثيّة لا تُغري بصوتها فحسب بل بما توهم به من ضرورة—وكأن الكاتب يُلمّح
(لن يبقى شيء قائما)ما لم نُكمل هذه الثلاثية بالفعل
—-الأثر النفسي لهذا التركيب اللغوي
(حتى لا تتداعى)تركيب غائيّ يحتشد بالإحساس بالخطر لكنه لا يستسلم له-إنه دافع للفعل لا للاستسلام… حيث العبارة تبثّ في القارئ شعورا بالمسؤولية—أن تُحبّ/أن تكتب/أن تحيا/أن تصون قلبك/كل ذلك ضرورة لأن السماء على وشك التداعي…
فـالكاتب هنا لا يقدّم (عنوانا)فقط -بل ينذر ويقاوم ويتعلّق بالحياة من خلال الكلمات…
أفتح قوسا
(وصف العنوان بأنه (تركيب غائي)يعني أنه يحمل في طيّاته غاية واضحة-وأنه وُضع عن وعي ليشير إلى أن هناك ضرورة ملحّة لفعل شيء حتى لا يحدث انهيار رمزي أو وجودي)
وهذا يجعل العنوان مفتاحـا تأويليـا مهمـا لكل النصوص التي يحتضنها
ب—الشق الثاني(نصوص نثرية)
أسفل العنوان مباشرة نقرأ ما يلي
نصوص نثرية
تساءلت لماذا
كتب المؤلف أن (حتى لا تتداعى السماء)هي نصوص نثرية-؟
فهل يقصد
-1–كتابة حرة غير خاضعة لقوالب الأجناس الكلاسيكية (لا رواية-لا قصة- لا مقالة تقليدية)
—2–نصوص مشحونة باللغة الشعرية لكن دون وزن أو قافية أي أنها ليست شعر تفعيلة ولا عمودي…
—3–تجارب وجدانية تأملية سردية أو شبه شعرية قد تقترب من:
**قصيدة النثر
**شذرات فكرية
**تأملات ذات طابع أدبي
**كتابة هايبرد (هجينة)
وهل لجأ الكاتب إلى هذا التوصيف (نصوص نثرية) لأنه لا يريد إلزام نفسه بتجنيس صارم أو لأن النصوص نفسها متعددة الطابع ومتداخلة الأجناس (وهذا ملموس )
وخلصت إلى أن
(حتى لا تتداعى السماء)نصوص نثرية تتأرجح بين التأمل الوجودي والكتابة الشاعرية—تجنح أحيانـا نحو القصيدة النثرية-وأحيانـا نحو البوح السردي المكثّف…
—-أخلص
العنوان (حتى لا تتداعى السماء)هو استعارة وجودية كثيفة-تحيل إلى أن الفعل الإنساني وخصوصا الفعل المحبّ/والكتابي/ والروحي/ هو القاعدة التي تُبقي العالم قائمـا
لــذا هو ليس مجرد عنوان مجموعة قصصية أو (نصوص نثرية )كما وسمها كاتبها فهو يرقى إلى إعلان نوايا إنسانية في وجه العدمية والعبث والانهيار…
مع تحياتي لصديقي وأخي حمه جدي
فائزه بنمسعود
16/6/2025
