قراءة في قصة”شريط أسود”
للكاتبة ” أميرة محمد” .
القصة:
وقفت تتابع سقوط قطرات المطر خلف الزجاج ،ترسم أشكالا غير واضحة وتكتب (من هنا انتهيت ومن هنا سأبدأ) .
ربطت شالها المهترئ _كما قلبها _ حول جسدها تحاول أن تستجدي دفئا.
تحاور صمتها..تجادله تبرق عيناها فتقف أمامه تسمع صرخاته؛ تنتفض حينًا وحينًا تستجمع قواها لتتفوه بكلمة (لا) إلا أنها تصمت فتعاود وقوفها أمام النافذة.
ترحل مع آلامها وفي غفلة منه تضع على صورته شريطاً أسود .
أميرةمحمد
قراءتي للقصة :
تعالج الكاتبة ” أميرة محمد ” حالةً وجدانيةً عاطفيةً، بأسلوبٍ رومانسيّ جميل، يظهر ذلك من خلال المفردات الواردة في القصة ” قطرات المطر، الزجاج، ترسم أشكالاً “، تصف الكاتبة فتاةً تقف خلف الزجاج تراقب سقوط قطرات المطر، مشهد شاعريّ عذبٌ جميل، يفيض أحلاماً ورديةً، هذا ما عبّرت عنه الكاتبة بقولها : ” ترسم أشكالاً غير واضحة”، ولعلّ عبارة ” غير واضحة” تشير إلى القلق والتخبط والحالة النفسية المتعبة التي تعانيها الفتاة، و الفتاة هي الشخصية الرئيسة والوحيدة في القصة، وهي لم تستخدم أسلوب السرد للمتكلم ” أنا “، بل استخدمت أسلوب السرد للغائب هي ” وقفتٔ”، وقد يشير ضمير الغائب إلى الهروب والوحدة، وعدم الرغبة في كشف دواخل الذات ومساربها المتغيرة . لكنّ العبارة التي كتبتها على الزجاج ” من هنا انتهيت ومن هنا سأبدأ “، وهذه الحالة الرومانسية” سقوط المطر على الزجاج “، تتخذها الفتاة في القصة مكاناً لبدايتها ولنهايتها معاً، ستنهي مايعيق استمرار حياتها، وتبدأ بحياة جديدة سعيدة أخرى . يبدو التحدي واضحاً جليّاً في عبارتها التي دوّنتها على زجاج النافذة، وقد أومأت الكاتبة إلى حال الفتاة، فهي فضلاً عن كونها وحيدة تعاني الحزن والفراق، فهي تشعر بالبرد، والشعور بالبرد قد يكون مادياً ومعنوياً في آنٍ واحدٍ، برودة المشاعر والأحاسيس هي بالتأكيد أقسى وأشدّ من برودة الجو، هذا ماعبّرت عنه بقولها ربطت شالها المهترئ كما قلبها، فقلبها مهترئ، ممزق، حزين، مجروح … لقد ذكرت الكاتبة قلبها، والقلب دليل الحبّ والعلاقة مع الرجل، حاولت أن تربطه حول جسدها، علّه يمنحها الدفء والحرارة، تستعيض الفتاة بأشياء مادية لتدفئ جسدها، وليس بذاك الشعور الجميل الخفي الذي تقدمه لمحة عين، أو لمسة يد، أو نظرة حانية …
الشخصية الثانية في القصة هي ” صمتها “، تحاور صمتها، إنها وحيدة، هي وصمتها كلٌ واحدٌ، تجادله، تسمع صرخاته، صمتها مجروح متألم، يصرخ، وهي أيضاً في حالة رفض تقول لصمتها: لا ، لكنها تلجأ من جديد إلى الصمت، وتقف أمام النافذة.. تتغلّبُ الفتاة العاشقة على صمتها، صمتها الذي يومئ إليها ربما أن تعود إلى ذاك الحبيب، أو تسامحه، أو تتخذ منه موقفاً إيجابياً، لكنها ” بغفلةٍ” منه، وبخلسة تتخذ موقفها، لتضع على صورته دلالة موته، وخروجه من قلبها نهائياً .
بدأت الكاتبة قصتها ب” شريط أسود “، فالعنوان كاشف للقصة، والشريط الأسود في أذهاننا حاضرٌ وقت الموت ورحيل الأحباب، يُوضع على على زاوية صورة المتوفى، هذه العبارة أنهت بها الكاتبة ” أميرة محمد ” قصتها ..
البداية والنهاية منسجمتان تماماً، وطريقة المعالجة للفكرة أتت رائعة بأسلوب شاعريّ رومانسي، كما استخدمت الكاتبة شخصية واحدة، هي الفتاة وظلها الذي حاورته وجادلته، ثم إنها عبّرت بجمالية عن غربتها بقولها : ” ترحل مع آلامها “.
قصة قصيرة مكثفة، محمّلة ومضمّخة بمشاعر الحب والتحدي والموقف العزيز .
بقلم رولا علي سلوم