حضور التربية الشعبية في العصر الرقمي، إعادة إنتاج أم اندثار.
ا.جهاد عوالي
إن التربية الشعبية منبع العديد من البواعث والمنطلقات الحضارية والنفسية والروحية، التي تقوم بدورها بتحفيز إمكانياتنا الجديدة التي تصب في مجرى الإبداع، فهي من أبرز الدوافع للمجتمع للاستمرار والتقدم ” من خلال ما تحتويه من ألوان شعبية مثل الأساطير، والحكايات الشعبية، والأمثال، والعادات والتقاليد، والفنون الشعبية التي تتوارثها وتتناقلها الأجيال جيل بعد جيل
وتعتبر التربية الشعبية أيضا بمثابة مرجع وثروة قومية بما تتضمنه من قيم ومعتقدات تساعد الطفل على التعرف على هويته وتنمي انتماءه وولاءه لوطنه، وتساعده على الاتصال والربط بين الماضي والحاضر والمستقبل لأجل الوصول لأفضل سبل الحياة، وهي تربية اجتماعية ترتبط لقيم المجتمع الذي تنتمي إليه وتنتج منه بغرض الحفاظ على تماسكه ووحدته، وهي تربية ذاتية ترتبط بذات الفرد وطبيعتها ورغباتها، وميولها، واحتياجاتها، وعلاقاتها بالآخرين، وهي أيضا، تربية إنسانية مكتسبة يتعلمها الطفل ويكتسبها من خلال تفاعله مع مجتمعه فيما يسمى بالتنشئة الاجتماعية.
إن الحياة في العصر الرقمي تتطلب ضرورة إعادة النظر في جوانب التربية العربية عموما فلسفةـ وأهدافا، ومناهجا وإجراءات بما يتفق وطبيعة الحياة في العصور السابقة، ولعل التربية الشعبية من أهم المدخلات التربوية القيمية التي لا بد من التركيز عليها، والتعويل على أهميتها.
في عصر التطور الرقمي صار الافراط في استخدام الأجهزة الإلكترونية التحدي الأكبر، للوالدين بسبب النتائج السلبية والمشكلات المتعلقة به، وبسبب المتعة التي يحصل عليها الأبناء عند استخدام هذه الأجهزة الإلكترونيةـ التي أصبحت مصدرا للتشتت والإرهاق، بدلا من الاستفادة منها.
وإن الحديث عن إيجابيات العصر الرقمي أكثر من أن تعد أو تحصى، هذه حقيقة لا مناص منها، ومن أبرز تلك الإيجابيات ما يتجلى في إمكانية الوصول إلى كمية هائلة من المعلومات بلغات شتى في ثوان معدودات، غير أن هذه المزايا المذهلة فعلا، ينبغي أن لا تحجب الرؤية تماما، فيغضى النظر عن إمكانية وجود معلومات خاطئة، أو مضللة، أو مزيفة، ففيها كثير من التوجيهات التربوية والأخلاقية التي تنافي قيمنا وأساليب تربيتنا تقذفها محركات الذكاء الاصطناعي المختلفة، وهو أكر معروف لدى كل مشتغل جاد في مجال البحث الرقمي.
في العصر الرقمي، نجد التربية الشعبية أقل حضورا، وتكاد تحتفي إذ نجد أبناءنا قد تأثروا بالتكنولوجيا التي حلت محل التفاعلات الحقيقية الواقعية، وقللت من التفاعلات الاجتماعية في الواقع المعيش لذا، فإن نشر ثقافة التربية الشعبية الرقمية في مجتمعاتنا صارت ضرورة ملحة من خلال التربية المنزلية والمناهج التعليمية في المدرسة والجامعة أضحت من أساسيات الحياة، فيجب أن تتحول إلى مشاريع وبرامج تربوية بالتعاون مع هيئات المجتمع المدني منن جمعيات ومؤسسات إعلامية بكل أنواعها، مرئيةـ ومسموعة، ومقروءة، وإلكترونية حتى نتمكن من حكاية مجتمعاتنا من الآثار السلبية المتزايدة للتكنولوجيا على سلم القيمي المجتمعي العربي الإسلامي، وتحفيز الاستفادة المثلى منها للمساهمة في تطوير مجتمع المعرفة، وبناء الاقتصاد المعرفي الوطني.
إن التكيف كع البيئة المتغيرة يتطلب تسليح أبنائنا بالقيم الأساسية التي يحتاجون إليها في الحياة باعتبارهم مواطنين مسؤولين في مجتمعات ديمقراطية مركبة، وإن تعليما هادفا ذا معنى في القرن الواحد والعشرين يجب أن يحفز كل مظاهر الكمون الفكري الإنساني، وأن يعزز إغناء الثقافات والقيم المحلية، وعبر نقل القيم الديمقراطية، والمعايير الثقافية يسهم التعلم في دفع السلوكات المدنية وبناء الأمة والتماسك الاجتماعي، وهذا بدوره يدعم بنلء الرأسمال الاجتماعي ويقويه.
لتعزيز التربية الشعبية في العصر الرقمي لا بد من:
ـ توجيه الموارد البشرية والمالية تجاه إنشاء سياسة وطنية تدعم التربية الشعبية الرقمية، وتعي أهمية دمج التطور التقني في عمليات التربية بكل أبعادها.
ـ تطوير المناهج التعليمية لطريقة تدرج فيها التعلم الرقمي والتطور التكنولوجي في محتوياتها الأمر الذي ييسر تفعيل التربية الشعبية مع بقية المواد التعليمية الأخرىـ ةبطريقة عرضية أفقية شاملة.
ـ اعتماد مقررات إلكترونية على شكل مقاطع فيديو تعليمية وغيرها من الوسائط الاجتماعية لضمان التعلم السريع، والاكتساب السلوكي والاجتماعي الإيجابي بطريقة ممتعة ومشوقة.
ـ تفعيل دور الأسرة في عملية التربية الشعبية والتأكيد على دورها الفاعل في إنشاء جيل متمسك بقيمه وبتراثه الاجتماعي.