إلى أمي الصلبة في هشاشتها
أمّي تلك،
التي تحمل خارطة البلاد في كفّها
وتخشى أن تُضيع وجهها في الزحام
تنسج الغياب بخيوط مبلّلة
وتعلّق أسماء الراحلين على حبال الغسيل
كأنهم سيعودون هذا المساء
تتلو تراتيل لا نفهمها
وتطمئن العتبات بصوت منخفض
يشبه حفيف الأمس
تمرّر أناملها في رأسي
تناديني باسم صديقة
رأتنا في الحلم
ثم مضت
دون أن تترك ظلًّا
تلعن الحب
وتلعن الطريق الذي ساقها لأبي
وهي تفصّص اللوز بأصابع وادعة
لأنه يحبّه مقشّرًا
تسبّ الدهر والرجال
بصوت يخرج من فمٍ مخيط بالخجل
ثم تطرّز المفارش
ترتب الزوايا
تسد الشقوق
كما تفعل سيّدات القبيلة
حين لا يرين رجالهنّ في المرآة
أمّي تعدّ النرجيلة بحركة خبيرة
وتنثر في الغرف بقايا العطر
كأنها تودّع بيتًا لم يكن بيتها
تحمل الخراب
بأناقة من اعتادت الرحيل
ولا تترك شيئًا على الطاولة
سوى رائحة الغياب
لكنها، حين تنتهي،
تطوي الزمن كمنشفة مبلّلة
وتعلّقه على مشجب قديم
كتبوا عليه: “الانتظار”
غدًا، حين تنسى اسمي
سأخبّئه في جيب معطفها
مع مفاتيح البيوت التي لم تسكنها
وأقول:
أمّي، لا تفتّشي عني في الصور
لقد اختبأت في ضحكتك القديمة
التي ضيّعتها ذات حزن
على عتبة المطبخ
غريبة أمّي
امرأة من حنين مجروح
تخبّئ في ضحكتها
قصائد
هربت من الورق
لتختبئ في جسدي.
راضية بصيلة