الخيمة دلالات وأبعاد رمزية
بقلم السيدة المفتشة : ورده .ع
الخيمة لفظ صغيرفي مبناه ،كبير في معناه، مفهوم يحمل في طياته رمزية عميقة في الثقافة العربية، ودلالات غزيرة في سياقات التاريخ، وحياة الإنسان المرتبطة بالبادية، والمقاومة واللجوء.
الخيمة ليست مجرد مأوى ، بل هي رمز للانتماء، والبساطة، ورمز الحياة الإنسانية في أولى بدايتها،الحياة البدوية، كانت الخيمة موطن الحياة، ومكانا للضيافة،واستقبال عابري السبيل ، ولقد ارتبطت بقيم الجود والكرم في التراث العربي والصحراوي، وقيم الإنسانية كتقديم الإسعافات والعلاج زمن الحروب والغزوات، وهي رمز الأفراح والأتراح في ثقافتنا العربية الشعبية أين تقام فيها مراسيم الأعراس أو الجنائز ،الخيمة أيضًا تمثل الرباط الوشيج الذي يربط الإنسان بأرضه وهويته، و هي المرافق الأمين في رحلاته وترحاله خاصة في حياة البدو الرحل.
الخيمة منذ عهد بعيد كانت مسرحا للأحداث ومقرا لعقد المفاوضات والاجتماعات، استقبال القادة والوفود وزعماء القبائل وأشرافها وكبار الأعيان وشيوخها للتخطيط والتشاور، وحل النزاعات وعقد الصلح،فلعبت الخيمة عبر التاريخ الإنساني دوا هاما واستيراتيجيا،وتعدت كونها مكانا ومأوى للإنسان البدوي،إلى رمز من رموز الصمود والثبات في حياة الإنسان اللاجئ ،أصبحت ملجأه الوحيد في ظل النكبة والدمار ،حفاظا على أرضه وكرامته،ورمزا للبطولة والمقاومة،رمز الانتماء والتجذر أمام التهجير والنزوح، هي القرار في زمن اللاستقرار.
هي رمز الوطن في زمن الغربة والاغتراب،وهي الذاكرة التي لا يشوبها طمي النسيان لتتحول الخيمة من مبنى مادي هش بسيط إلى مسكن روحي رمزي يرتبط بالهوية والصمود في وجهه وبالمعاناة والضياع والحزن في وجهه الآخر، وهي الحنين والأرض والأم في كل أرجائه لتصبح فضاء إنسانيا مرادفا للهدوء والسكينة والصمود والمقاومة وسط العواصف الهوجاء والرياح العاتية .
إن تيمة الخيمة من أهم التيمات التي صدح بها ولا يزال الشعراء والأدباء وصوروا بروائعهم ما يعانونه من ألم وحسرة وسلب للأرض التي تشبثوا بها منذ أمد بعيد كشجرة الزيتون الصامدة رغم قساوة الظروف،محبة للاستقرار،معمرة لآلاف السنين كما تغنى بها الشعراء اللاجئون في قصائدهم كرمز للعطاء والبقاء وصبوا فيهاهمومهم وغضبهم ومعاناتهم اليومية وصوروا النكسة والنزوح والاغتراب وما تعرضوا إليه من فقر وجوع وقتل وضياع وتدمير وتهجير وكأنهم وثقوا حياتهم للأجيال التي تأتي من بعدهم، و تبقى الخيمة القاسم المشترك بينهم في العيش جيلا بعد جيل وشعارهم في ذلك الخيمة أهون من الرحيل ،واختاروا أن تكون لهم السكن والوطن ورفضوا مغادرة موطنهم،وأعطونا بل أعطوا كل العالم دروسا في أسمى القيم كقوة الإيمان والصبر والمروءة والشهامة،لا رضوخ ولاخنوع ،حب الأرض من أولى الأولويات،وحب الوطن من الإيمان، والتمسك به شريعتهم، والنصر أو الاستشهاد مذهبهم .
أما عن جيل الشباب في العصر الحالي ،فقد أصبحت الخيمة ليست فقط مأواهم بل أصبحت ملهمتهم، يقضون فيها أغلب أوقاتهم،فلم تمنعهم المأساة أو النكسة من التعليم أو أداء العبادات كالصلاة أو الصوم أو تعلم القرآن أو الإبداع أو الفن أوالأدب فجادت قرائحهم بأعذب الشعر وأصدق المشاعر وأنبل العواطف ،وأصبحت الخيمة جزء لايتجزأ من حياتهم اليومية، تشاركهم ويشاركونها الآلام والأحزان والخذلان،يبنون آمالا وآفاقا ويحلمون بغد أجمل ، يعلقون على أوتادها أمنيات جمات ونصر قريب،وحماسة لا تغيب،كل هذا والخيمة عندهم المعين الذي لا ينضب، والشعاع الذي يضيء لهم ظلمة الليل الحالك ، والقنديل الذي ينير دروبهم في عتمة الحياة،حياة ليست كالحياة،الموت عندهم على بعد أمتار،والليل كما النهار ، حياة كلها دخان ونار،تأويهم الخيمة علها تكون لهم ستارا يحجب عنهم خيبات وغطاء يقيهم حرا وقرا، وحجابا يغطي حسرات بلا ضفاف ومعاناة بلا جفاف ،فالخيمة حاضرة في أدق تفاصيل حياتهم ،شاهد عيان على أحداث وأحاديث ،كاتمة لأسرارهم، لاتبوح بسر منها، إنها أشبه بأم رؤوم تحتضن أولادها وتحويهم، في الخيمة العبارات تسبق العبرات،والكلمات تسبق الخلجات،ومداد شعرهم يسبق دويّ المدافع وقصف الصواريخ، تولد روائع الأدب و قصائد الشعر ولوحات الفن من رحم الخيمة كما يولد فيها كل يوم شاعر و شعور وشعرا ، بأصدق وأنبل الكلمات،كلمات مدادها من دم ، وحروفها أرواحا تنزف وجعا من أثرالأزمات والنكبات .