الحريَّة بمفهومها الشعبي .
د . أنور ساطع أصفري .
*********************
الحريَّة؛ تلك المُفرَدَة الجهنَّميَّة؛ غير محدَّدة، وثابتة المضمون؛ بكلمات، أو مقاييس، أو إشارات؛ والتي تستطيع أن تحشد خلفها كل القوى؛ بدايةً من النُخبة، ومرورًا بالناشطين، وتركيزاً على القواعد الشعبيَّة فائقة التأثير.
الحريَّة؛ إنها كلمة السِر، والشفرة الخفيَّة؛ التي تتقدَّم مسيرات المطالِب الشعبيَّة؛ فيما يفوق مضمونها كل هذه المطالِب، من تحرُّر، وعدالة اجتماعيَّة، وكرامة إنسانيَّة.الحريَّة؛ إنها تلك الآلية؛ مطاطة المضمون؛ واسعة المفارِق، والجسور؛ بالغة التأثير، لا التأثُّر.
إنها تلك الوصفة غير محدَّدة المكوِّنات، أو المصادِر، أو المآلات.
الحرية؛ والتي لم يتم ذِكرها بالقرآن الكريم على الإطلاق؛ لفظًا، ومفهومًا ممسوخًا؛ فيما جاء مضمونها في الكتاب الكريم بمعنى التحرُّر من العبودية، وليس التحرُّر من المنظومات القانونيَّة، والأمنية للبلاد!الحريَّة؛ والتي تُعد اليوم من أهم دوافع الانقلابات، والتوتُّرات، والعصيان المدني؛ هذا بدون وعي بجدوى الدعوى بها على اختلافِ المراحِل؛ وبالمفهوم المناسِب لتطبيقها بِهِ.
الحريَّة؛ وهي في تلك المرحلة الهامة، من مراحل التاريخ الإنساني، لا يتعدّى الهدف من المُطالبة بتطبيقها، سوى اختلاق السيولة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والعسكرية، في المجتمعات المُستهدَفَة. الحريَّة؛ وفي خِضم افتعال مضامين جديدة للثورات؛ والمُتمثِّلة اليوم في الثورة القيميَّة؛ لا تتعدى سوى نقطة ارتكاز واهِية، لاستهلاك قوى الحركات الوطنية، في دويلات العالم الثالث.
لا يجب أن تغدو الحرية كمطلب مُطلَق المضمون؛ بل يجب أن توضع في إطارها المناسب، والحقيقي، والبنّاء، كي تُحقِّق الغاية من المُطالبة بتطبيقها.يختلف معنى الحريَّة باختلاف أيديولوجيات المُطالبينَ بها، ووجهاتهم؛ فيُنادي بها الليبرالي كوسيلة للتخلُّص من كل القيود، حتى الإيجابي منها، والمشارَكة في صنع القرار، حتى السيادي منه.أما اليميني، فينادي بها، كنوع من تجميل الوجه، وإعطاء مسحة ديمقراطيَّة على الأداءات السياسية لمعسكرهُ.بالنسبة لليسار الماركسي، فيُنادي بالحريَّة على أنها تقودُ إلى مجتمع غير طبقي؛ وتؤسِّس إلى تطبيق الاشتراكيَّة.وعن اليسار القومي؛ فيُنادي بالحريَّة، كتخلُّص من الاستبداد، والتبعية؛ وكجسر لتطبيق الاشتراكيَّة، والوِحدة العربيَّة.
أما الشعب؛ فيختلف معنى الحريَّة لديه، عنهُ لدى النُخبة، والناشطين.
فالشعب إنما يُنادي بالحريَّة، على أنها مُدخلات للوصول لكل؛ بل لأدنى مطالبة بالغة الضرورة؛ مثل العيش، والعدالة الاجتماعيَّة.
لا ترى الشعوب الحريَّة، إلا من مُنطلق مطالِب عادِلة، تفيد مجرَّد الوصول إلى حياة كريمة؛ فلا يعنيها هُنا أي أيديولوجيَّة، ولا أجندات، ولا توجُّهات؛ لا يعنيها سوى الحياة بأقل قدر متاح من العدالة.
لذلك نرى الشعوب، وعليها الرهان الأخير في التغيير، وفي إنجاز الثورات، وفي مآلات الأمور؛ لا يمكن استغلالها في صُنع تغيير لصالح أي فريق، إلا إذا كان يخدم متطلَّباتها، و مصالحها.
الشعوب تقود نُخبتها إلى مربع رغباتها؛ فلا يتم عبور مرحلة إلى أخرى، دون حسم من هذه الشعوب؛ فهي شُعلاتُ الثورات، ومحض استهدافاتِها، ومرسى نتائجها .