ثمانية في سوء الطالع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه المقاطع لا تمثّلني في ظاهر الهوية، إنما هي من تجليات الخيال وسَكَرات اللغة. فالشاعر، امرأةً كان أو رجلاً ، لا يكتب من ذاته بل يعبر عنها بوصفه رسولاً لما خفيَ من الوجد، وسفيراً لما استتر من الشعور. وفي هذه الومضات، تجرّدتُ من اسمي، ولبستُ مصائر الآخرين كما يُلبَسُ السَندُ في حضرة الكشف، واستعرتُ أوجاعاً لا تخصّني كي أودِعَها في لغةٍ تتنفس من الغيب، وتُخرج المسكوت عنه إلى فجر الكلام.
________________________________________
وِلادَةٌ
خَرَجْتُ مِنْ رَحِمٍ يَئِنُّ بِالْأَسْمَاءِ الْمَكْسُورَةِ
صَفَّقَتِ الْقَابِلَةُ طَوِيلاً طَوِيلاً
لَمْ يَبْكِ أَحَدٌ
كَانَتِ النُّجُومُ تَتَثَاءَبُ
وَالْفَلَكِيُّ صَامِتٌ
حِينَ فُتِحَ الْكَوْكَبُ عَلَى اسْمِي
كَانَ الْقَدَرُ يَرْتَدِي قَمِيصاً دَاخِلِيّاً مَقْلُوباً
الشَّبَهُ
كُنْتُ أُشْبِهُ أَبِي
وَهُوَ يَهْرُبُ مِنَ الْحَرْبِ
أُشْبِهُ
أُمِّي وَهِيَ تُخْفِي خَوْفَهَا تَحْتَ الْوِسَادَةِ
كُنْتُ مِرْآةً مَشْرُوخَةً
فِي بَيْتٍ لَا يُحِبُّ الصُّوَرَ
أَوَّلُ حُبٍّ
عِنْدَمَا عَشِقْتُ
كَانَتِ السَّاعَةُ تُشِيرُ إِلَى انْقِطَاعِ الْمَاءِ
وَالرَّادْيُو يُبَثُّ خَبَرَ اغْتِيَالِ مَدِينَةٍ
أَهْدَيْتُ الْمَدِينَةِ وَرْدَةً
لَكِنَّهَا كَانَتْ تُعَانِي مِنْ حَسَاسِيَّةِ التَّارِيخِ
الطَّرِيقُ
مَشَيْتُ فِي الدَّرْبِ الْمُعَاكِسِ لِلسَّاعِي بِالْبُشْرَى
صَافَحَنِي أَعْمَى وَقَالَ
ظِلُّكِ ثَقِيلٌ
وَحِينَ حَاوَلْتُ أَنْ أَسْتَدِلَّ
سَقَطْتُ فِي خَرِيطَةٍ مَرْسُومَةٍ بِالْفَحْمِ
كِتَابَةٌ
كَتَبْتُ أَوَّلَ حُرُوفِي بِمِدَادٍ مُسْتَخْلَصٍ مِنْ صَلَاةٍ مَنْسِيَّةٍ
لَمَّا قَرَأَتْهَا الْأَوْرَاقُ
أَغْمَضَتْ سُطُورُهَا كَيْ لَا تُصَابَ بِالْعَدْوَى
كَانَتِ الْكَلِمَةُ تَنْزِلُ عَلَيَّ
كَمَا تَنْزِلُ النُّبُوءَاتُ الْعَرْجَاءُ
تَطْرُقُ الْبَابَ
ثُمَّ تَمْضِي إِلَى غَيْرِي
لُقْمَةُ الْبَقَاءِ
يَرْفَعُ يَدَهُ بِالرَّغِيفِ الْأَخِيرِ نَحْوَ فَمٍ جَائِعٍ
تَخْطَفُهُ عَاصِفَةٌ بَغْتَةً
يَلْتَفِتُ لِيَجِدَهُ بَيْنَ أَنْيَابِ كَلْبٍ شَارِدٍ
وَرْدَةُ الْمِيعَادِ
يَزْرَعُ وَرْدَةً عِنْدَ عَتَبَةِ حَبِيبَتِهِ تَنْتَظِرُ الْفَجْرَ لِتَتَفَتَّحَ
يَمُرُّ جُثْمَانُهَا عِنْدَ الْفَجْرِ عَلَى أَكْتَافِ الرِّجَالِ
تُزْهِرُ الْوَرْدَةُ خَلْفَ النَّعْشِ
نَغْمَةُ الْخَلَاصِ
يَعْزِفُ سَجِينٌ نَغْمَةً سِرِّيَّةً عَلَى جِدَارِ الزَّنْزَانَةِ
يَسْمَعُهَا سَجِينٌ جَدِيدٌ فَيَفْرَحُ: لَقَدْ فَهِمَ الرَّمْزَ
كَانَ السَّجَّانُ هُوَ مَنْ عَزَفَهَا
كأنني لم أكتبْ
في ثماني عواصف
كنتُ الشاهدَ
على جريمةٍ
لا ضحايا لها…
كلُّ الذين سقطوا
كنتُ أنا.