وجع الهوية في حضرة الغياب
قراءة في قصة قصيرة جدا(لقيط)
للكاتب التونسيعمر دغرير
—————-
—-تصدير
نص (لقيط)لا يُروى بل يُتنفس وجعا-هو اختزال حكيم لطفولة مكسورة تبحث عن إجابة في وجه الأب- فلا تجد سوى رائحة خمر وصورة معلقة وذاكرة مختنقة في غرفة يتقاسمها الموت مع النسيان…
—في رحـــاب النص
منذ العنوان يُطلق الكاتب رصاصة أولى:
(لقيط)الكلمة التي لا تحتاج شرحا ولا تفسيرا-هي ليست فقط وصفا قانونيا- بل وشم على جلد الكائن حيث يُولد معه ولا يفارقه…
العنوان لا يطلب تعاطفـا بل يفتح قارئه على مساءلة خطيرة فادحة تتمثل في ما يلي (من يُسقِط من؟ الأب من رحمة الأبوة-أم الابن من فردوس الانتماء؟)
بعض الكلمات تتحكم في صيرورة النص وتنامي كثافة السرد -مثلا:
-1-الغرفة/السجن
المكان في النص ليس بريئا
(الغرفة الوحيدة التي كانت تجمعنا) ليست دفئا بل تمثل قفصا وذاكرة مغلقةوشاهد قبر لأمّ لم تغب تماما وحاضرة بالغياب
صورة الأم المعلقة على الجدار لا تؤثث المشهد-بل تحكمه فهي الحارس الصامت-والندبة الباقية على جبين الأبوة المتداعية…
-2-الخمر/النسيان
رائحة الخمر تخنق المكان
الخمر هنا ليست نشوة وانتشاء بل أداة ذهول ومحو وطرق باب النسيان
حيث يحاول الأب أن يغرق كي لا يرى… أو لعلّه لا يسمع صوت الصورة وهي تعاتبه-
هو غارق في كأسه لا ليذكر بل لينسى… شيئـا ما… ربما تلك الليلة… ربما هذا الطفل…
(تعال قبّل أباك)
الجملة التي تبدو عادية تتحول إلى قنبلة تنذر بانفجار ودمار
القبلة ليست حنانـا وإنما هي طقس روتيني مفرغ من المعنى وبعض الطقوس خاوية ومفرغة من شحنتها الانفعالية فتدمر النفس
والطفل لا يرفض ويُطيع لكن ببرود قاتل ومرارة
في هذه البرودة تنكشف الفجوة-طفل يؤدي دوره كابن لكنه لا يشعر بأنه ابن..
-3-الاستدارة والبكاء
حين يستدير نحو الباب لا يفرّ بل يهرب إلى الداخل يبكي… ويخفي دموعه ويدفنها عميقا
لا لأن الأب لا يستحق رؤيتها فقط لأن البكاء هنا ليس ضعفا
بل وعي مبكر بأن الخسارة ليست لحظة فهي إقامة طويلة في بيت لا يسكنه أحد…
(ولعله لم ينتبه لبكائي بعد أن غرق في أعماق كأسه منقّبا عن سرّ دفنه مع أمي في هذه الغرفة)
هذه الجملة الأخيرة… هي النص كلّه
السرّ ليس في الطفولة فقط لكن في ما دُفن مع الأم
الحب/المعنى،/وربما الحقيقة المنشودة
—-أختم
يمكن تصنيف هذا النص ضمن أدب الطفولة المهشّمة أو أدب الهوية الضائعة.
والنص(ق ق ج) مشحون بكثافة دلالية-ويقف على تيمة مأساوية تُروى بأقصى قدر من الاختزال دون أن يفقد النص عمقه النفسي والإنساني..
—النص (ق ق ج)
( لقيط )
كانت رائحة الخمر تخنق المكان لحظة كان يعاتب صورة أمي المعلقة على الجدار في الغرفة الوحيدة التي كانت تجمعنا . وحين أحس بوجودي ,, التفت نحوي وقال :
تعال قبّل أباك .
قبلته ببرود ثم استدرت في اتجاه الباب لأخفي دموعي التي انهمرت فوق خدي .ولعله لم ينتبه لبكائي بعد أن غرق في أعماق كأسه ,منقبا عن سرّ دفنه مع أمي في هذه الغرفة…
فائزه بنمسعود
28/6/2025
@à la une