ظل الشجرة المحترقة والطائر الاخير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرجل الذي تشرب منه الأيام
كان يجلسُ في الزاويةِ
لا يُحدّثُ أحدًا
ولا ينتظرُ قهوةً سوداءَ تغيّرُ لونَ قلبه.
لم يكن حزينًا
لكنه كان يعرفُ أن الحزنَ يلبسه كلما حاول أن يشطب الوردة من لونها
كانَ عاشقًا
والعاشقُ، كما تعرفُ الأيام
ضحيةٌ جاهزةٌ للمساء.
العاشق غروب مستعمل تركه الشعراء عند نصب الخيبة وناموا
هي قالت له:
“أنت نبعٌ… الكلُّ يشربُ منك”
فآمنَ.
ومن يومها، صارَ لا يردُّ أحدا
حتى نفسه.
مرّت عليهِ النساءُ مثلَ الأغنياتِ التي لا يحفظُها
تطربُكَ قليلًا، ثم تتركُ فيك شيئًا لا اسمَ له.
كانَ يمنحُ صوتهُ للهواءِ
ويُخبئ قلبهُ تحت ِظل طويل
لا يعرفُ أحدٌ كيف فُصِّلَ على مقاس خيبته.
كانت تفول
“ما أكرمَه!”
وقد نست أن الكرمَ أحيانًا هدر في المرايا
تلف الندى في حماقة الكف
وها هو الآن…
يمشي كمن لا يريد الوصول
ولا يعرف من أين بدأ.
عيناهُ تشربان الضوءَ من نافذةٍ قديمة
ولا ينعكس فيهما شيءٌ سوى
وجهه،
كما لو أن المرآة تسأله:
ألم تكنَ هنا من قبل؟
ولم يُجِب.
…عاد إلى الزاوية
طلب قهوته بلا سكر
ومضى يُقلبُ في صمته أوراقًا لا يقرأها أحد.
لم يعد يفتّش عن أحد
ولا ينتظر أن يسأله أحد: هل أحببت حقًا؟
فهو يعرف الآن
أن الحبّ محض طائرٍ وهميّ
يقفُ على شجرةٍ محروقةٍ
في صحراءَ تلعبُ الشطرنج مع السراب…
كلّ نقلةٍ فيها
خسارةُ قلبٍ جديد
وكلّ فوزٍ
هو خدعةُ ماءٍ في كفّ ريح.
لهذا
حينَ سألَه النادل: هل تُضيف شيئًا
قال:
أجل… انسَ أنني كنتُ هنا