قراءة نقدية سجالية القصيدة الارسالية وتحدي المستحيل

قراءة نقدية سجالية:
“القصيدة الارسالية وتحدّي المستحيل”
الجنس الأدبي: إرساليات قصيرة جدا..
العنوان : “وما أعذب الكلام على الكلام”
الإرسالية عدد (5).
الشاعر:عمر دغرير (تونس)
القصيدة :” قد لا يطول الانتظار”
الشاعرة :آمال بوحرب (تونس)
القصيدة: ” وطن على شفاه القصيدة ”
الناقدة:جليلة المازني (تونس)
المقدمة:
ان هذا السجال بين الشاعر عمر دغرير والشاعرة آمال بوحرب يندرج ضمن أدب الرسائل في ثوب جديد .
لقد بوّب الشاعر هذا السجال ضمن الارساليات القصيرة جدا وهو بذلك يواكب:
– الرسائل الالكترونية على شبكات التواصل الاجتماعي.
– الأدب الوجيز(ارساليات قصيرة جدا).
– ارتقاء أدب الرسائل الى أدب السجال الشعري.
ان هذه الملامح الثلاثة تجعل أدب الرسائل يرتدي ثوب العصر ويخلع جلباب القديم.
لقد اختار الشاعر عمر دغرير ولعله باتفاق مع الشاعرة آمال بوحرب عنوانا لهذه الارساليات القصيرة جدا ” وما أعذب الكلام على الكلام”
ولعل هذا العنوان يشي بالامتاع والمؤانسة لهذه الارساليات القصيرة جدّا.
أ- المشترك بين القصيدتين (الارساليتين (5)):
– التراسل.
– التناص المعجمي
– التناغم بين الإرساليتين
ب – المختلف بين القصيدتين (الارساليتين (5)):
1- الشاعر عمر دغرير بين الشك واليقين في مدة الانتظار:
أ- العنوان :” قد لا يطول الانتظار”
لقد ورد العنوان جملة فعلية تتضمن احتمالا(قد) بعدم الانتظار طويلا.
والاحتمال “بقد” يقتضي أن الانتظار لا يطول كما يقتضي أنه يطول.
إنه انتظار محمول على الشك واليقين في المدة المحتملة, وبين الشك واليقين تكمن الحيرة عند الانتظار:
– أيّ انتظار قد لا يطول حسب الشاعر؟
ب- التحليل:
استهل الشاعر قصيدته باستخدام أسلوب انزياحي تركيبي قام على النداء يخاطب فيه امرأة في المطلق .
والشاعر لا يخفي عن القارئ هاجس المرأة الذي يسكنه .
بيد أنه قد استدرك بعد أن كان خطابه للمرأة في المطلق قد جعله خاصا بامرأة بعينها فيقول:
يا امرأة تعانق النجوم والأقمار
وفي كل الاتجاهات
ان المرأة المعنية بخطابه هي امرأة استثنائية تعانق النجوم والاقمار.
والنجوم والأقمار هي رمز العلوّ والضياء والنور.
والنجوم والأقمار هي التي تتحدّى ظلام الليل بضيائها ونورها وتتحدى المكان بعلوها فتتخلص من الأرض لترتقي الى السماء.
وبين الأرض والسماء بون شاسع.انها المفارقة بين الجسد(الارض) والروح(السماء).
وبالتالي فان هذه المرأة التي خصّها الشاعربالنداء والخطاب هي امرأة تعانق المكان(السماء) وتعانق الزمان (ضياء ونور الليل).
وباستخدام حرف نداء “يا” فان المرأة المناداة قريبة منه ويعرفها ويدرك قيمتها في الزمان والمكان وأكثر من ذلك في كل الاتجاهات.
وبين الزمان والمكان وجود وكينونة.
و”معانقة الزمان والمكان” حسب بعض النقاد هو تعبير مجازي يشير الى فهم عميق واندماج مع البيئة المحيطة سواء كانت زمانية أو مكانية.إنه يعني استيعاب السياق التاريخي والثقافي للمكان والارتباط العاطفي به .كما يتضمّن التقبل الكامل للحظة الحاضرة بكل ما تحمله من تحديات وفرص والعيش فيها بكامل الوعي.
ومعانقة الزمان والمكان” هي دعوة للعيش بوعي وتفاعل مع البيئة المحيطة, سواء كانت زمانية أو مكانية وفهم عميق للعلاقة بينهما.. انها حالة من الانسجام مع الوجود والتكامل مع العالم من حولنا.
هل الشاعر يريد أن يُوهم القارئ بأن هذه المرأة هي في مرتبة علو المكان وضياء ونور الزمان وهي تعيش حالة من الانسجام مع الوجود؟
وفي هذا الاطار من ملامح هذه المرأة الكونية في معانقتها للزمان والمكان نرى الشاعر عمر دغرير يسعى الى التوازي معها في النور والضياء.
انه يسعى الى الارتقاء اليها مستخدما صيغة المستقبل القريب(سأعتلي الضياء.)
انها محاولة تواز في المكان والزمان(اعتلاء/ ضياء).
وسيجعل الحروف الجميلة رداء له ملازمة له كاللباس الذي لن يتخلى عنه .
انها ملازمة شعره له , هذا الشعر الذي ملك ناصية حروفه المتفائلة فيقول:
وأرتدي من فرح
الحروف ما أشاء
بيد أنه يستدرك ليجعل تفاؤله من خلال شعره مرتبطا بتفاؤلها فيقول:
وقبل أن أحوّل
الليل الى نهار..
أرجوك أن تخلعي الدموع والبكاء..
وأن تعطري الشفاه
بأجمل الكلمات..
ولعل الشاعر هنا يتناص مع الآيات (8-10) من سورة البلد حين قال تعالى:
“ألم نجعل له عينين وشفتين وهديناه النجدين”.ان الله خلق للانسان القدرات الحسية والمعنوية التي تمكنه من التعرف على الخير والشرّ.
والشاعر ذكر من هذه الحواس الشفاه لعل هذه المرأة تتعطر بالتفاؤل وتخلع التشاؤم بما تنطق به شفاهها..
ان الشاعر باستخدام الطباق (أرتدي/ تخلعي- الليل /النهار- الدموع والبكاء/ أجمل الكلمات) يجسد مقابلة معنوية بين الليل وظلامه ورُعْبه والنهار وضيائه ونوره وبين التفاؤل والتشاؤم.
وهنا قد يتدخل القارئ ليمارس حقه في التأويل من خلال تلك الفجوات النصية متسائلا:
– هل الشاعر مهتم بهذه المرأة حدّ عزمه تحويل الليل الى نهار بواسطة حرفه المتفائل؟
– هل الشاعر عمر دغرير يعرف هذه المرأة الى حد ترجّيها خلع الدموع والبكاء؟
– هل هو يَغارُ عليها حدّ إملاء شروطه عليها لتتفاءل؟
– هل سيطول انتظاره لتتغير هذه المرأة كما يريد؟
– هل سيصحّ احتماله ويصدق ظنه بأن انتظار تغييرها قد لا يطول؟
وبالتالي ما يمكن أن يكون رد هذه المرأة الشاعرة آمال بوحرب عليه في ارساليتها القصيرة جدا؟
– هل ارساليتها ستدحض الشك وتدعم اليقين في طول الانتظار من عدم طوله؟
كل هذه التساؤلات التي أقضت مضجع القارئ سيجد الجواب عنها في ردّ الشاعرة آمال بوحرب في ارساليتها القصيرة جدا.
2- الشاعرة آمال بوحرب وبرد اليقين:
أ- العنوان ” وطن على شفاه القصيدة”
لقد اختارت الشاعرة آمال بوحرب عنوانا لارساليتها القصيرة جدا عدد (5) عنوانا ورد جملة اسمية حافظت فيها على موقع كل من المبتدأ والخبر رغم أن الخبر في هذه الجملة الاسمية يقتضي تقديمه على المبتدإ الذي ورد مفردة نكرة.
ولعل الشاعرة عمدت الى ابقاء المبتدإ في الصدارة إيمانا منها بقدسية الوطن التي ستنطق بها القصيدة الارسالية.
ب- التحليل للارسالية ق.ج عدد(5):
لقد انطلقت الشاعرة من حيث أنهى الشاعر عمر دغرير ارساليته وهذا ما يتماشى وقانون السجال فتقول:
سأشوّش بشفاهي
موجات الليل
والفرح يستعيد دربه
يمرّ من نبرتك الى يقيني
بشفاهي
وفي هذا الاطار تتناغم الشاعرة مع الشاعر لتخلع الدموع والبكاء وتستعيد الفرح الى دربها وتعطر شفتيها بتحدي موجات الليل السلبية وما في الليل من ظلم وظلام وخوف ورعب…
انها بذلك تدحض الشك وتدعم اليقين بان انتظاره قد لا يطول(كما ورد بعنوان الشاعر). انها تثلج صدره ببرد اليقين.
ان الشاعرة تجعل الشاعر يتماهى مع الشعر المستحيل.
والشعر المستحيل يتناص مع قصيدة الشاعر الاماراتي محمد بن راشد آل مكتوم (شعر المستحيل) *
“وهي تتحدث عن التحديات والصعوبات التي تواجه الانسان في الحياة وكيفية التغلب عليها. فالقصيدة تعبر عن الاصرار والعزيمة في مواجهة المستحيل وتحقيق الاهداف.”
يقول الشاعر الإماراتي محمد بن راشد آل مكتوم في ذلك :
المستحيل يحبني يوم رمته// كأنّ مصيري مرتبط مع مصيره
واليأس حاربني لكني هزمته// وأيامنا راحاتها مستديره.
ولعل الشاعرة وهي المقيمة بالمهجر بالإمارات على اطلاع بهذه القصيدة.
وفي هذا الاطار فان الشاعرين يتناغمان في أن الشعر يعبّر عن قوة الارادة والتحدي ورسالته تشجع الافراد على عدم الاستسلام ومواجهة الصعاب وكل العراقيل لتحقيق المستحيل.
وبالتالي فالشعر اصرار وعزيمة وارادة وتحدّ وتحقيق أهداف.
وهنا هل الشاعرة ستلهم القارئ لمواجهة التحديات والسعي لتحقيق أهدافه مهما بدت مستحيلة؟
وفي هذا الصدد تقول الشاعرة:
سأكتب على خد القبل
أنك الشعر حين يتيمم بالمستحيل
سأخلع البكاء
كما طلبت
وأرتدي من بسمتك ما يكفيني
لأهزم هذا المساء
انها بكتابتها وبشعرها ستخلد رسالة الشعر في قهر المستحيل مسكونة بالأمل وخالعة ثوب البكاء والاستسلام والضعف كما طلب منها الشاعر.
وهل أكثر من أنها تنادي الشاعر ليستبدلا معا البكاء بالأغنية واليأس بالأمل؟ فتقول:
تعال
لنشعل الحرف أغنية
ونرتب الأمل في شرايين اللقاء
فما بيننا
وطن من المعنى
وأكثر
ان الشاعرة استخدمت أسلوبا انزياحيا دلاليا قائما على الكناية فكنّت عن الشعر بالوطن بما يقتضيه الوطن من اخلاص ووفاء له وعقيدة وعبادة.
وقد تقصد الشاعرة الوطن الحقيقي تماهيا مع قدسية الوطن وقدسية الشعر.
وباعتبار الشعر هو تماما كالوطن عبادة وعقيدة فالشاعرة تدعو الشاعر الى الاخلاص للحرف والوفاء له بالتحدي وقهر المستحيل.
وخلاصة القول فان الشاعر عمر دغرير والشاعرة آمال بوحرب يرتقيان بالارسالية القصيرة جدا الى العالمية في قهر المستحيل وهما يتقاطعان مع
أحد أقطاب الفلسفة المعاصرة وأب الوجودية “جان بول سارتر” حين اعتبر الانسان كائنا مفكرا واعيا.
وهل أكثر تفكيرا ووعيا من الشاعر بحرفه المتحدي من خلال هاذين الارساليتين القصيرتين؟؟؟
سلم القلمان المفكران ,الواعيان ,المتحديان و القاهران للمستحيل.
بتاريخ 29/ 06/ 2025
المرجع:
* الشاعر الاماراتي محمد بن راشد آل مكتوم المعروف ب”فزاع”.
القصيدتان:
5) إرساليات قصيرة جدا ..وما أعذب الكلام على الكلام …
*** الشاعر عمر دغرير :
قد لا يطول الإنتظار
يا امرأة تعانق النجوم والأقمارْ
وفي كل الإتجاهات
سأعتلي الضياءْ …
وارتدي من فرح
الحروف ما أشاءْ
و قبل أن أحول
الليل إلى نهارْ …
أرجوك أنْ تخلعي الدموع والبكاء …
وأن تعطري الشفاه
بأجمل الكلماتِ …
***الشاعرة أمال بوحرب :
‎ “وطن على شفاه القصيدة”‎
سأشوش موجات الليل
‎والفرح يستعيد دربه
‎يمرُّ من نبرتكَ إلى يقيني
‎بشفاهي ‎
سأكتبُ على خدِّ القبل
‎أنّك الشعرُ حين يتيمّمُ بالمستحيل
‎سأخلعُ البكاءَ ‎كما طلبتَ،
‎وأرتدي من بسمتكَ ما يكفيني
‎لأهزمَ هذا المساءْ
‎تعالَ، ‎
لنُشعلَ الحرفَ أغنيةً،
‎ونرتّبَ الأملَ في شرايين
اللقاء
‎فما بيننا ‎
وطنٌ من المعنى ‎,
وأكثر