جمال الومضة الشعرية عند كرار السعد و عمقها : قبلة الشفة : مثال .
بقلم الأستاذة الناقدة سعيدة بركاتي/تونس
فوق هضاب شفتيكِ ، كانت الجيوش جاهزة للعراك
#القراءة:
ومضة عميقة جدا ، استعارت من الطبيعة صورتها و من الجيوش معركتها ، فما هو عمقها عند كرار السعد ؟
الهضبة ” جغرافيا ” : الأرض المرتفعة و المسطحة، لها قمة مثل الجبال و التلال و تتميز بتجانسها في الارتفاع . فبالرجوع إلى الشفتين فهما ليستا شفاه عادية ، ربما ” شفاه مغرية و بارزة و مرتفعة كهضبة في الطبيعة “. طبيعة الشفاه التي تحتضنها : هو الوجه و ملامحه ، ميزته شفاه “بارزة ” و الممتلئة بشكل طبيعي حسب موقع المشهد Tv من أكثر سمات الجمال التي تجذب الرجل ، خاصة إذا كانت الشفة العليا أبرز من السفلى .
وعند التحدث عن ماهية علامات الجمال التي يحبها الرجل، فلا ننسى بالتأكيد أن الفم الكبير من علامات الجمال عند المرأة .
و وفقا ” للومضة ” هذا ما جلب انتباه الشاعر ، فاشتعلت ثورة وجدانه و عاطفته و جعله يخوض او يتوقع ان تكون ” حربا ” فوق هذه الشفتين .
+فوق هضاب شفتيكِ ، كانت الجيوش جاهزة للعراك
لنتفق ان ساحة المعركة جاهزة / فوق هضاب شفتيكِ : هذا المكان الذي حدده الشاعر .
اما الجزء الثاني / كانت الجيوش جاهزة للعراك : كانت هنا بمعنى الترقب و الانتظار : مما يفسر عمق التأمل الذي كان فيه الشاعر فألهمه هذه الومضة ، و يوضح أيضا ان كرار السعد كان يعيش مخاض الكلمة حتى ” يحسن القول ” و تولد منه هذه الدرر من حرفه ، فكلمة ” جيوش ” دليل على رغبة جامحة مستعدة لخوض هذه المعركة ( كل الحواس تقريبا ) ، و جيوش وردت بصغة الجمع رغم أن كلمة ” جيش” هي ذاتها جمعا .و الجيوش تعد و تجهز للحرب و خوض المعارك إما غزوا أو دفاعا عن شيء ما و خاصة الأرض ( أرض الشاعر هضاب شفتيكِ) ، و لكن هذه الجيوش معركتها عاطفية و وجدانية ، و ربما من طرف واحد ( فهو المترقب و المنتظر ) ، فالسؤال يطرح نفسه ، ما هي نوع ” المعارك التي ستخوضها هذه الجيوش على هضاب الشفتين ؟
المساحة صغيرة ” هضاب شفتيك ” و الجيوش كثيرة كالمعارك أيضا ، سؤال آخر يُطرح : أين يريد الوصول كرار السعد بهذه الجيوش و المعارك ؟
إجابة عن السؤال الأول : نوع المعركة ” عاطفي وجداني” شفاه ستخوض ” عراك ” مع شفاه أخرى ، و لن نخجل من نقل الصورة التي أخفاها السعد بين الكلمات في منطقة تسمى بالكمائم و التي تقول الكثير في صمت ناطق ، و كلما ضاقت إلا و اتسعت كالحضن تماما : معركة قُبل حامية الوطيس ، سيخوضها جيوش فوق هضبة الشفتين، فالعاطفة هنا قوية جداً و كأنها نار تلتهم هشيما ، و الهشيم وجدان الشاعر ، لن يطفئها إلا عراك من رضاب القُبل و يبقى العراك بمعنى الصراع : صراع داخلي لو يصل الشاعر إلى هذه الهضبة ، و صراع مادي لهيب من القُبل .
فالإجابة عن السؤال الثاني : لعل الشاعر يريد بهذه المعارك الوصول إلى : اولا اطفاء ما يتأجج بداخله من صراع وجداني ، و حب جارف إلى الوصول : عساه يفلح في ايقاظ عاطفة الحبيبة .و ثانيا : يقولون قبلة واحدة تساوي ألف كلمة ، فاختصار المسافة بقبلة هو طريق سري لقلب الحبيب ، و هذا ما يفسر خوض معارك من ” القبل” امتلاك و كسب لقلب الحبيبة.
و يأتي الجواب عن السؤال الأول أعلاه : عمق الومضة عند كرار السعد على لسان العديد من الشعراء منهم :
ابن الرومي حين قال :
أعانقها و النفس بعد مشوقة / إليها ، و هل بعد العناق تدان
و ألثم فاه كي تزول حرارتي / فيشتد ما ألقى من الهيمان
و ما كان مقدار الذي بي من الجوى / ليشفيه ما تلثم الشفتان
و يقول امرؤ القيس :
أدنو فأخضع في الحديث و لا / ألهو عن التقبيل و اللمس
اما عنتره فقال و هو يخوض المعارك فعلا قائلا :
و لقد ذكرتكِ والرِّماحُ نَواهِلٌ /مِنّي وبِيضُ الهِندِ تَقطُرُ مِن دَمي
فَوَدَدتُ تَقبيلَ السُيوفِ لأَنَّها / لَمَعَت كَبارِقِ ثَغرِكِ المُتَبَسِّمِ
فكرار السعد و باختصار يخوض معركة ذاتية و نفسية في حالة ترقب متى تبدأ المعارك على هضبة الشفتين و تُقرع طبول ” الحرب” حتى تستريح ذاته و تروى برضاب القبل من شفاه الحبيبة ، ترجمه بكلمات على شكل ” رسالة مبطنة ، يدعو فيها حبيبة خوضها على شكل معركة عاطفية وجدانية تُطلق بها لجام الأحاسيس و تتحرر من قيودها.
تقول الأسطورة : “” فالقُبل مورست كفعل في كل الأزمان بدأ بحواء حين حطت على شفتاها نحلة امتصت رحيق رضابها فأثارت غيرة آدم ، فكش النحلة ، و حط شفتاه على شفاه حواء فارتاحت و اطمأنت و كانت اول قبلة في تاريخ البشرية “” .
aleftoday.org
https://www.aleftoday.org
“الكلمة الصامتة” أو القَال والقِيل في البَوْس والتقبيل – Alef