تمثال عين الفوارة
فتيل بين الاستبقاء او الاستفتاء او القضاء
مصطفى بوغازي .
يظل تمثال عين الفوارة بسطيف ظاهرة جمعت كثيرا من التناقضات ، ومسرحا لنقاشات ودية وعنيفة في نفس الوقت ، هذه التحفة الفنية تعود الى الحقبة الاستعمارية ، ينظر البعض إلى التمثال، بانه منظر خادش للحياء ، بينما هناك من يمضي غير مكترث لوجوده ، لأنه أصبح مألوفا للعامة منذ اكثر من مئة سنة ،وبين هذا وذاك تبرز هذه القضية كبؤرة للتجاذب والتناكف وظلال صراع خفي، يدفعه للسطح هذا التمثال ليكون فتيلا يجدد اشتعال النوايا المعلنة وغير المعلنة منها ، ومع هذا الاصرار القديم والمتجدد على تهشيم هذا الصخر الاصم ، تصاحبه موجة من الاحتقان والتنفيس عن مكبوتات اجتماعية ونفسية وتوجهات ايديولوجية و عقائدية .
ليس لي الحق في مناقشة تكريس بقاء هذا التمثال ، او المطالبة بتنحيته من ذلك المكان ، ولا يغنيني في شيء بقاءه ، ولا يصيبني في مقتل فناءه ، فامره يعود إلى ساكنة المدينة وحدهم ،ويمكنهم تحديد قرارهم وكلمتهم الاخيرة بطرق حضارية منتهجين سبيل القضاء او الاستفتاء ، يقدمون كل المبررات التي يرونها كفيلة بدعم مطلب المعارض او المؤيد ، الأمر لحد هذا الطرح يبدو امرا عاديا ومحل اختلاف في وجهات النظر ، لكن أن يصبح هذا التمثال فتنة مؤكدة واستقطابا شعبويا ممنهجا يحمل في طياته الكثير من المؤشرات الخطيرة ، ويضعنا امام صدامات ورهانات بين تكريس ما هو واقع، وتبرير ظاهرة المعاول التي تدك الصخر وتهشمه، في ثنائية تفرض هيبة الدولة حول حماية تمثال يعلو مرفقا عموميا يتمثل في عين جارية من عشرات السنين ، وبين الخضوع لمطلب مستجد في السنوات الاخيرة ، صنعته المعاول لثلاث مرات متتالية بافعال فردية ظاهريا ، لكنها تصنع استقطابا كبيرا في مواقع التواصل الاجتماعي ، مما يطرح تساؤلات مربكة ومخيفة في نفس الوقت ، والتي قد تحيلنا إلى منعطفات كثيرة في سياق نظرية كرة الثلج اذا وجدت سبيل الانحدار .
إن بقاء هذا هذا التمثال وإن كان خادشا للحياء لا أظنه هو المتسبب في تفشي سوء الاخلاق والرذيلة ، وإن اجتث من مكانه لا يمكنه أن يصلح حال الأخلاق إن ذهبت ، فنحن هنا نخلي مسؤوليتنا عن حالنا واحوالنا ونلصقها بحجر جامد لا حول ولا قوة له في تغيير واقعنا في شيء ، وفي الحقيقة اننا نعاني من مشكلات آخرى متشابكة ومتداخلة اجتماعيا وفكريا ونفسيا و عقائديا ، راحت تبحث عن شماعة تعلق عليها كل هذه الامراض ، واحسن ما تراه يلفت الانتباه ويكون له صدى كبيرا ، هو هذا المعلم المثير للجدل بانواعه ، ومكان تواجده بقلب المدينة والراسخ في ذاكرتها ، إن هذه المعاول لا تستهدف الحجر كهدف وغاية تتوقف عند هذا الحد ، وهي ابعد من أن تكون معاول تصون الحياء العام ، فهناك طرق سلمية متاحة للساكنة اذا امتعضوا ، لكن هذه المحاولات متكررة هي اسفين يدق في السلم الاجتماعي ، واثارة مغرضة تبحث عن ثغرات تعيدنا إلى التطاحن والخلاف مرة اخرى ، اولاوياتنا في هذا الظرف ليست الاصطفاف والتعئة امتثالا للاثارة ، وانما الانتصار للوعي والفكر والقيم التي تنبذ التعصب والعنف ،وترجيح العقل والحكمة .






