تأملات في لوحتين بين حلم و بكاء المرتجى للفنان أحمد السردار/ العراق
بقلم الأستاذة سعيدة بركاتي/ تونس
تأملات اللوحة الأولى ” بكاء المرتجى ” :
ثلاثة عناصر بارزة في اللوحة : الشخصية ، الفراشة ، طائر الغراب .
و نسأل ماهو الرابط بينهم ؟
انطلاقا من الخلفية و التي جاءت على شكل جدار به باب موصد ” هذا الرجاء ربما الأول ” لو يُفتح هذا الباب .
إمرأة بجلستها القرفصاء و هي تبكي و تحاول اخفاء دموعها بيديها و تحت جلبابها الفضفاض مما يجعلنا نتساءل هل الشخصية ” ذكرا ام أنثى؟”
و الأرجح انها انثى ميزها الفنان بريشته حين جعل من أسفل الثوب شيئا من اللون الزهري لنستطيع التمييز .على جانب اللوحة المقابل غراب في هيأة استعداد ، يكتفي بالنظر إلى باقي المشهد من اللوحة ، يقف على حجارة تشبه أحجار التاريخ دونت عليها بعض الأرقام : ” قد” تكون مدونة تاريخ فالعلاقة بين الغراب و التاريخ وطيدة و عميقة : المعلم الأول في هذا الكون ، ذُكر في القرآن ، و الأسطورة تقول تغير لونه من الأبيض إلى الأسود لخيانته للأمانة .
يتوسط اللوحة بارقة ضوء لونها أزرق مع فراشة و كانها تصعد إلى السماء .فماهي دلا لتها الرمزية ؟
لماذا وضعها الفنان في منتصف اللوحة ؟ و بهذا اللون الأزرق السماوي ؟
هذا الانتظار على عتبات الباب ، هذا البكاء الذي لا نكاد نسمع له صوتا ، بكاءا من الأعماق ، بكاء من يشعر بالوحدة ، و من يفتقد إلى الطبطبة و مسح دموعه ،قريب هو من الأنين ، بكاء وجع عميق ، و فعلا بكاء رجاء لو يُفتح هذا الباب ، أما هذا الغراب الذي ينظر بصمت دون حراك موشحا بسواده الدائم ،تشعر و كأن نظرته نظرة الشامت المستمتع بأنين البكاء … نعود إليه لاحقا عند حزم القراءتين .
تبقى الفراشة ، و كأنها رسائل إلى السماء ، هي امل الحياة المتجددة التي تُبعث من جديد ، من صمودها رغم هشاشتها و تغيرها من يرقة إلى فراشة زاهية .
نعود إليها عند القراءتين.
تأملات اللوحة الثانية ” حلم المرتجى” بالمقارنة مع اللوحة الأولى :
تتغير الخلفية بلونها و عناصرها ، من باب مغلق لونه يميل إلى السواد إلى جدار بلون سماوي مع بعض التصدعات ، فضاء تقاسمته غربان طائرة و فراشات زاهية ” أضداد اللوحة ” الخير و الشر ، الحياة و الموت ، الأمل و اليأس …
انطلاقا من أسفل الشاشة ، نلاحظ هذه الساق أدماها المشي لبلوغ المرتجى ، حتى في الحلم يتعب المرء لتحقيق مبتغاه ،
تناثرت الأرقام على السلم ” أراه سلم التشبث بالحياة “.
أرقام تناثرت على هذه الأعتاب فهل هي سخرية قدر و لم يبق للتواريخ قيمة !؟ هذه الأرقام رأيناه على حجر ” الغراب” حين كان يقف صامتا بنظرته التي فيها الكثير من الحوار الذاتي ، اللوحة تبعثر فيها الحزن مع الفرح …
فهل كانت مرآة لذات منهكة كانت تبكي على عتبات المرتجى ؟ ذات حققت السلام الداخلي بحضور حمامة السلام …
في عقد المقارنات ، ماذا أراد ان يبلغ الرسام ؟
ربما هذه النفس المثقلة بالمعاناة ، كانت تحلم ان يرفع عن عالمعها الظلم الذي كان مجسدا في طائر الغراب ، و وقفته الشامخة ، بيده كل السنوات العجاف ، بعثت بشجنها و دعاءها إلى السماء لو يتحقق حلمها و تولد الحياة من جديد مع الفراشات رمز ولادة هذه الحياة من العدم .
قد تأخذ اللوحات منحى سياسي و الأوضاع التي تعيشها احدى بقاع الأرض ، أرواح قُبرت مثلها الرسام في الفراشات ، اما ما رأيناه في اللوحتين ما هو الا واقع ملموس ربما لحرب أخذت أرواح الطفولة ، و بقيت الثكالى تبكي على عتبات الباب فأيقظها حلم دمت له قدماها الحافيتين . و قد تكون معابر موصدة لو تتفتح و يعم السلام .
لوحتان متضادتان ، في الحركة ، في الألوان في الظلال … بين واقع و حلم لو يتحقق .
ما أخبرتني به اللوحتين بين بكاء و حلم المرتجى .
بقلمي سعيدة بركاتي/ تونس.






