🖌️📂معراج النور من كهف الذات إلى فضاء الروح
————————-
#قراءة تحليلية تفصيلية
في نص(تداعيات)
للأديبة:Saloua Rachdi
———-
تــصــديــر
النص الذي بين أيدينا مكتوب بلغة عالية الشفافية- مشحونة بالرموز والانزياحات-ويبدو أقرب إلى النصوص السردية-الشعرية التي تمزج بين السرد الداخلي والتصوير الشعري-لـــذا هو نص يقوم على ثلاث طبقات دلالية تتقاطع فيما بينها— الفضاء الخارجي (الكهف والشعاع)، الفضاء الداخلي (المشاعر والذاكرة)ثم المستوى الرمزي (العلاقة والغياب/الحضور)
——-
في رحـــاب النص
العنوان ودلالاته (تداعيات)
اختيار كلمة -تداعيات -يوحي بأن النص ليس سردا خطيا بل هو تفتّح طبقات الذاكرة والوعي
كما توحي بوجود أثر لحدث سابق أو صدمة أو ارتجاج فالتداعي هو تسلسل غير مرتب للأفكار والصور مما يتناسب مع أسلوب النص الذي يتنقل بين الصور دون روابط ظاهرة
هـذا العنوان مفتوح ممٌا يجعل القارئ في حالة ترقّب لما سينبثق من أعماق النص وخفاياه كما لو أنه استدعاء واستحضار لأطياف المعنى
—حضور الفضاء الرمزي – (الكهف /والشعاع)
(تسلّل شعاع من فتحة صغيرة إلى كهفها المنسيّ)
قد يكون الكهف رمزا للذات المغلقة أو للعزلة الطويلة التي تراكمت فيها الأسئلة
أما الشعاع فيرمز إلى لحظة كشف أو حياة جديدة-وربما حبّ يعود بعد غياب طويل
والتناقض بين ضيق الفتحة واتساع الضوء يرمز إلى أن التغيير الجوهري قد يبدأ من شرارة صغيرة
والغيوم التي هرعت إلى الفتحة لتتلاشى فـتمثل
أحزانـا وسلبيات شعورية تغادر مع دخول النور
أما بقاء بعضها (عالقًا ببحيرتَيْ وجهها)يوحي بأن الألم لم ينقشع تماما لأنه ضارب في الأعماق وذاكرة الحزن قوية
-كما نواكب عبر تدرج النص التحوّل الداخلي – من الخراب إلى الترميم
(دون تأجيل أحاط بدفئه موقع الآهة… و سرى السّحر في السّقم يرمّم الخراب)
حيث يبرز الشعاع عنصر خلاص وليس مجرد ضوء بل حرارة شفاء.
وعبارة (موقع الآهة)تتضمن دلالة جسدية وعاطفية في الوقت نفسه
فجسديـا: هي موضع الألم و الوجع في الجسد-ورمزيا هي
القلب و الروح التي أنهكها الانتظار
(سرى السحر في السقم ) عبارة ترسم لحظة التحوّل
حيث يمتزج البعد الروحي بالعاطفي ليصبح الضوء رمـزا للحب والوصال والإدراك الواعي
كما نلاحظ انزياح السرد إلى الحضور العاطفي
حين يبدأ النص فجأة بالانتقال إلى خطاب مباشر
(لا زلت أتّكئ على ذراعك و خطواتي لا تكاد تلامس الأرض)
هذا الانزياح يوحي بأن الساردة لم تـعد تتحدث عن مشهد رمزي فحسب فهي تخاطب الحضور الآخر مباشرة وكأن النص يلتفّ من الداخل إلى الخارج على هيأة زوبعة
وحضور الآخر يبدو ساحـرا إذ حتى الزمان (نخشى أن يفيق من غفوته)في إشارة إلى الرغبة في تجميد اللحظة كي لا تنقضي
وتخلّد كما هي لوحة معلقة على جدار الزمن
أما الرمزية المادية – تمثلها الزهور والألوان
(زهور بمزهريتي تودّ أن تتحدّى ماءها الآسن)
فـالزهور ترمز للحياة المتجددة لكنها(مغمورة بماء آسن)أي أن هناك حياة مكبوتة أو منقوصة وغير مكتملة
لنحس إرادة الزهور في التحدي التي تعكس إرادة الذات في الانبعاث
(ألوان على جداري تنضح لمرورك وأخرى تبهت لعدم ميلك لها)
وهنا الألوان ليست مجرد ديكور وتزويق بل هي حواس مادية تستجيب للحب والغياب
فنتماهى مع لغة صامتة تعكس التفاعل الوجداني مع الآخر
في **تداعيات ** نعيشالمفارقة النهائية – المتمثلة في (الحضور/ والغياب)
حيث تكتب الساردة (هكذا كانت تعاتب نفسها وتحذرها من أن تنعته بالغياب وهو الذي لم يبرح قطّ !)
وهنا تنكشف وتتجلّى المفارقة المركزية للنص
حيث الآخر لم يغب لكنه لم يكن حاضـرا بالصورة التي تتوق إليها الذات
وقد يكون الحضور حضورا داخليـا ذا طبيعة وجدانية أو روحية-لا ماديـا ملموسـا
وهذا يفتح النص على قراءة صوفية فالحبيب قد يكون رمزا للمعشوق الإلهي أو للمعنى الغائب الذي لا يُدرك إلا بالباطن
——البنية الأسلوبية
1. لغة مشحونة بالصور ممّا يجعله يقترب من الشعر من حيث الإيقاع والانزياحات اللغوية
2. تكرار الثنائيات: النور/الظلام—الحضور/الغياب-الامتلاء/الخراب.
3. توظيف الأشياء كرموز: الزهور/الألوان/العطر/الكهف/الشعاع.
4. إيقاع بطيء متأمل فالجمل طويلة نسبيـا مما يعكس حالة من الانغماس في التداعي الداخلي.
أخلـــص
هذا النص هو عبارة عن حج إلى عمق الذات أورحلة داخلية تنطلق من كهف العزلة والألم حيث يتسلل شعاع يمثل الحب أو الوحي أو الخلاص-ومن خلاله تتحرك الأشياء الجامدة وتستعيد الذات حيويتها- والمفارقة أن الآخر الذي تستنجد به لم يكن غائبـا أصلا- بل كان كامنـا في داخلها أو حاضرا على نحو غير مرئي أي طيفي الحضور
وبهذا المعنى يمكن قراءة النص بوصفه
**تجربة حب عميق يتجاوز البعد المادي
**أو رحلة كشف روحي حيث يتحول الضوء إلى رمز للحقيقة
**أو حتى استعارة للتحرر النفسي من قيود الماضي أو حتى اللحظة الراهنة
——-
الــنـــص
تداعيات…
تسلّل شعاع من فتحة صغيرة الى كهفها المنسيّ…دخل براحا عمّره الإنتظار و غيّمته الأسئلة و كاد يعصف به الرّحيل…يحلول خيط النور، هرعت الغيوم الى الفتحة لتتلاشى بالخارج، و بقي بعضها عالقا ببحيرتٓي وجهها منذرا بهطول من حيث تدري و لا يدري… لم يتأنّ شعاع و لا عبئ بما كان يبدو من تبعثرها، و كأنّما جاء لمهمّة دقيقة…دون تأجيل، أحاط بدفئه موقع الآهة…و سرى السّحر في السّقم يرمّم الخراب !…
لا زلت أتّكئ على ذراعك و خطواتي لا تكاد تلامس الأرض، و كلامنا همس كي لا يفيق الزمان من غفوته…و زهور بمزهريتي تودّ ان تتحدّى ماءها الآسن و إهمالي لها و تتسامق لتستقبلك…و ألوان على جداري تنضح لمرورك، و أخرى تبهت لعدم ميلك لها… و عينان لوزيّتان تصبّان في عينيّ دونما حاجة لأن تقابلاهما…و أشياء أخرى كثيرة لازالت تملأ الجوّ كعطر فرعونيّ…
هكذا كانت تعاتب نفسها و تحذرها من أن تنعته بالغياب، و هو الذي لم يبرح قطّ !
(مقتطف من : فراسخ )
سلوى الراشدي
فائزه بنمسعود
16/9/2025






