قراءة تفصيلية في ثلاثية ق ق ج للدكتورة و الإعلامية إلهام عيسى /سوريا
بقلم الأستاذة الناقدة سعيدة بركاتي /تونس
تحت عنوان ” نفيــــــر” .
تصديـــــر:
يقول تعالى في سورة النساء الآية 71 : يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثُبات أو انفروا جميعا و إن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا و لئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم و بينهم مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما .
و في حديث لرسولنا عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم يقول فيه : … و إذا استنفرتم فانفروا .
#القـــــــراءة :
النَّفِيرُ: القومُ يَنْفِرُون للقتال
النَّفير العامّ: قيام النَّاس عامّة لقتال العدوّ، التَّعبئة العامَّة(معجم المعاني )
النفير العام :عملية استنفار لعامة الناس من أجل القيام بقتال العدو أينما وجد ، و لا تقتصر هذه العملية على فئة معينة بل تشمل عامة الشعب للتأهب و النفير لمهاجمة و قتال العدو بوسائل مختلفة . (وكيبيديا )
حين نقرأ الثلاثية لحمة واحدة نرى صورة لثلاث مشاهد في مكان واحد : “غزة” و شعب واحد بكل شرائحه : نساء و أطفال و رجال “غزة”،مشهد لإبادة جماعية جمعتها الدكتور إلهام عيسى تحت عنوان واحد استلهمته من هذه الأحداث : ” نفيــــر” فهل هو سؤال أم أمر أم دعوة أم هو وصف ؟ فلم تضع القاصة أية إشارة استفهام أو تعجب غير مدٍ في حرف الياء من هذا الإسم ؛ فنطرح السؤال أيُ نفير تقصده في الثلاثية ؟
كما ذكرتُ مشاهد الثلاثية مرتبطة ارتباطا وثيقا ببعضها و كأنه و للأسف لوحة ” ثلاثية الأبعاد ” / مشهد الدم مع ساق مبتورة لإحدى النساء .
مشهد للمجاعة مع أجساد نحيفة اصطفت في طوابير الطعام /أطفال غزة .
مشهد معاناة و دمع منكسر لكن قلب من نار و ثائر منتقم /رجال غزة .
“العنوان كان أول إشارة للدهشة و الإثارة تحته هذا الحشد المستنفر”.
ترتيب القصص من طرف القاصة كان عن قصد : بين معاناة النسوة و مقاومة الرجال ، أطفال مأساتهم أكبر : يحتاجون إلى حنان أم و عطف أب ، لكن ما خلفته الحرب من يتم و سحقتهم المجاعة فوقفوا في طوابير المساعدات “المذلة ” لكرامة الانسان ، انتظار عقيم أغلبه لا يسمن و لا يغني من جوع ، فقدوا هذا السند فاقتحموا باب الكفاح لأجل لقمة عيش في طوابير الموت أحيانا .
كان للقصة الأولى إيقاعا عنيفا مع بتر الساق : أوله مشهد بالعين المجردة لكن معناه عميق :المرأة هي رمز للإنجاب و العطاء بسخاء دون مقابل و لا حدود له ، أنثى المقاومة و الكفاح ، كل أم فلسطينية هي أم شهداء و ليس شهيدا واحدا ، بها تستمر الحياة ، فعملية البتر هذه هي محاولة لبتر المقاومة لكن حين تتألم المرأة تزداد قوة و صمودا : تبسملت ألما : و حين نبسمل يكون بداية لقراءة القرآن ،و في موروثنا الشعبي يبسمل المسلم حين يشرع في بداية العمل ، فالبسملة عنوان لنزول البركة و الخير ، لكن رغم بشاعة المشهد و الألم الشديد فليس بالهين أن تُبتر ساق أحدهم : توقف الحركة /توقف الجهاد : فالاستدراك لهذه البسملة المقترنة بالألم ، هي إعلان عن بداية المقاومة / شمرن سواعدهن مددا : فالحركة لن تهدأ مهما فعل المحتل ، لن تهدأ النسوة ، و المدد حين يوجه القلب بالدعاء إلى الله ، فلم يبق من سند غيره عسى الغمة ترفع عن غزة .
لتأتي القصة الثانية و صور الجوع التي خلفتها الحرب و النقص في مد المساعدات و النتيجة : أجساد نحيفة / اصطفوا لأخذ الطعام ، فقد بُترت أرجل الأمهات و أّقحم طفل غزة في المقاومة : طفل كان له الجلوس على مقاعد الدراسة و ممارسة أبسط حقوقه كالراحة النفسية و شيء من اللعب كأطفال العالم ، فالقاصة كثفت من المشهد : وصف ، معاناة ، و النتيجة : فـــ “رفرفت بهم أجنحة الحمام” ، والحمام جاءت المفردة في صغة الجمع و عملية الرفرفة هذه كانت من الأرض إلى السماء ، تفسيرها الوحيد : أرواحهم التي صعدت مرفرفة بأجنحة سلام كرسالة إلى السماء محملة بالمآسي و المعاناة التي يتخبط فيها طفل غزة .
في الجزء الثالث من الثلاثية خصته الشاعرة للمقاومة الكبرى لرجال غزة : لوحة أخرى أبدع فيها القلم بالرسم بالكلمات : رجال في أتم الاستعداد للدفاع عن الأرض الأم : مرابطون و صامدون ومن وجوههم لم تغب الابتسامة حتى تقهر العدو و يموت غيظا فهذا الشعب لا يعرف الهزيمة أبدأ .ابتسامة امتزجت و ملح جبينهم ودمع منثلم : الصورة جبين يتصبب عرقا و دمع إنكسر قبل نزوله فاختلط “الملح و اشتدت مرارته ” إشارة إلى الشدة العصيبة التي تعيشها غزة… عساه العرق و الدمع يسقي أرضا فتحيا من جديد” . فهي ارضهم الرؤوم و هويتهم و شعارهم وقضيتهم و حقيقتهم الواضحة للعيان لم “يدثروها” بل جعلوا منها صوتا يناشد أمم خذلتهم و تركتهم يقاومون الغطرسة و الصهينة الجائرة .
حزم الثلاثية : كل هذا الألم و المعاناة : الشعب أعزل لم ينصره الأقربون و غفلت عنه أمة عمت بصيرتها فباتت صماء بكماء مات فيها الاحساس بالإنسانية ، شعب بكل شرائحه يقاوم .
ثلاثية إيقاع الحركة فيها قويا “حركة المقاومة ” : بُترت ساقها فرفعنا ايديهن بالدعاء / رفرفت بهم أجنحة الحمام /، و الحمام كما هو رمز للسلام قد كان قديما حامل للرسائل : رسالتان قويتان إلى السماء من نساء و أطفال غزة بأن حلول الأرض انتهت ، بقيت رجالها فقط باسلة قوية رغم الدمار و العدد الهائل من الشهداء الذي يسقط يوميا ،فلا ملجأ إلا لله و حده عسى أن يرفع هذه “الغمة” . أيادي مرتفعة للدعاء و أرواح صاعدة للسماء .
لم تخلو الثلاثية من التناص القرآني الذي ورد في العنوان : نفير / تبسملت/.
ثلاثية كانت للمقاومة و مع المقاومة من نساء و أطفال و رجال قلوبهم من نار و ثائر منتقم ، فانطلاقتها كانت قفلتها مما يجعلها دائرية الشكل و يمكن إدماجها ضمن أدب المقاومة الذي يصور الكفاح و الصمود والتحدي ، كتب عنه العديد من رموزها مثل غسان كنفاني :
“… إن الشكل الثقافي في المقاومة يطرح أهمية قصوى ليست أبدا أقل قيمة من المقاومة المسلحة ذاتها …” و محمود درويش : و قولته الشهيرة : “على هذه الأرض ما يستحق الحياة “… فالقلم هو سلاح من رصاص …
ثلاثية قريبة من ” الهايكو ” حيث ختمت القاصة كل قصة بعنوانها مما زادها إثارة و دهشة فتتضح الإجابة على السؤال الذي طرحته أعلاه ماهو نوع هذا “النفيير” ؟ فهو نداء و استنفار شعب كامل بكل شرائحه للدفاع و بكل بسالة عن أرضه المحتلة ، كذلك وصف للمشهد القطاع ، و نداء قوي صوته عال عسى يصل صداه الشعوب .
كعادتها الدكتورة إلهام عيسى تجعل من قلمها ريشة ترسم به بشاعة الإنسانية حين يُترك شعب أعزل يُباد يوميا و يقاوم بكل شراسة و ثبات تحت وابل القنابل و الجرافات و ما تركته آلة الحرب أكلته أسنان المجاعة ،
يقول الله تعالى في سورة هود 18 ألا لعنة الله على الظالمين
و في سورة يونس 52 ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون .
بقلم سعيدة بركاتي / تونس .
#النص :
نفيير.
ق ق ج
بترت قدمها..
فتبسملت الما..
شمرن سواعدهن مددا ..
نساء غزة
=======
اجسادهم نحيفة…
اصطفوا للطعام ..
فرفرفت بهم اجنحة الحمام ..
أطفال غزة
=========
رجال على السواتر تبتسم ..
ملح الجبين ودمع منثلم ..
شعار بلا دثار وقلب نار
انشودة ثائر منتقم ..
رجال غزة
بقلم إلهام عيسى






