ظاهرة العدول في قصيدتي ظاهرة العدول في قصيدتي
” جدائل الخيال” و”اغتيال الفجر” للشاعرة الاعلامية إلهام عيسى قراءة بقلم المفتشة التربوية الاستاذة وردة عون
لايخفى على أحد أن العدول ظاهرة بلاغية عُني بها أهل البلاغة والبيان وعلماء الأسلوب والأسلوبية في الوقت المعاصر وقبل ذلك كانت محل اهتمام النُحاة واصطلحوا عليها تسميات كثيرة كالتوسع والاتساع والسعة في المعنى.
وقبل أن نعرّج على قراءة القصيدتين ، نودّ أولا تحديد الإطار المفاهيمي لمصطلح العدول لغة واصطلاحا.
العدول لغة: جاء في لسان العرب للجذر ( ع د ل) عدّة معان:
عدل الشيء: يعدل عدلا وعادله: وازنه
عدل الرجل في المجمل وعادله :ركب معه
عدل الطريق: مال
عدل عن الشيء يعدل عدلا وعدولا: حاد عن الطريق جار،وعدل إليه عدولا: رجع
اصطلاحا:عرّفه كتاب المصطلحات اللسانية والبلاغية تحت مصطلح الانزياح ” يعني الخروج عن أصول اللغة وإعطاء الكلمات أبعادا دلالية غير متوقعة ولهذا المصطلح في اللغة العربية عدة مرادفات”
ومن هنا نلاحظ التقارب بين التعريف اللغوي والاصطلاحي لمفهوم العدول ،وهو الميل،الصرف عن الشيء،الحياد، الخروج عن المألوف،أو الانحراف أو الانزياح وهي مصطلحات وتسميات حديثة أصبحت من الظواهر اللغوية البلاغية التي تميز اللغة الشعرية عن اللغة العادية أو النمطية المألوفة.
كان ما يميز حديث العرب قديما ظاهرة العدول وهو انحراف سمت الكلام عن نظامه المألوف بين الناس( اللغة العادية ) ،التغيير المخالف لكلام العامة من الناس، وخرق لقواعد الكلام تركيبا وأسلوبا وصيغة ودلالة ومعجماوكان الشعراء أكثر الناس استعمالا لهاخاصة في الشعر الجاهلي، وقد وردت كذلك في القرآن الكريم و لغة القرآن لغة إعجازومن دلائل الإعجاز ،الإعجاز اللغوي البياني والبلاغي.
يتجلى بوضوح في شعر الشاعرة إلهام عيسى العدول بجميع مستوياته، محاولة منها الخروج باللغة من نمطيتها ،أي اللغة المألوفة بين الناس إلى لغة شعريةرمزية أكثر إيحاء،ولئن كانت وظيفة العدول هي خلق الدهشة والغرابة والعجائبية ،فإن الشاعرة في قصيدتيها تجعل القارئ يلجأ إلى التأويل،أو الفهم المتعدد من قراءات متعددة، وتثير فضوله لتعميق القراءة لفك شفراتها ورموزها وتوسيع الرؤى والمقاصد.
وقد تستدعي ظاهرة العدول في الخطاب الشعري استحضار كمّ هائل من الرصيد المعجمي اللغوي وتوظيفه بتقنية فنية( عملية بناء وتركيب) تتيح للمتلقي قراءات متعددة في سياقات ومقامات مختلفة،وهو ماتنزع إليه شاعرتنا في جل قصائدها وهو تجاوز اللغة النمطية إلى لغة رمزية إيحائية، بليغة.
ويتم اللجوء عادة إلى العدول أو الانزياح لمقاصد بلاغية،وهو أن المعنى عندما لاتستطيع احتواءه مفردات وصيغ او تراكيب عادية ،تستعمل ألفاظ أو أساليب أوتراكيب قد تنتقل أو تنحرف من معناها الأصلي لتحمل معان ودلالات أشد تأثيرا وأكثر جمالية وفنيةوهذا توجّه له غايتان : أولاها بلاغية إذ،تتفوق اللغة بسحرها البياني وتتحقق الجمالية الشعرية ويحقق
العدول بمعيّة الايجاز والمجاز تكثيفا لغويا ورمزيا.
وثانيتها: غاية انفعالية ،ترجمة المشاعر والمكنونات الوجدانية ذات الأبعاد الدلالية بحيث لايمكن أن تستوعبها لغة أخرى غير اللغة الرمزية والكلمات النازحة عن كل سائر الكلمات لتعبر عن الأحاسيس بصورة أعمق وكلام أرقى ،وقد ظهر العدول جليا في اختيار عنوان القصيدتين بكلمات مشحونة ،غير مألوفة اغتيال الفجر،جدائل الخيال، وكما نلحظ أن الشاعرة استعارت شئء مادي لشيء معنوي من خلال قرينة أو لازمة دالة على ذلك ( أنسنة الأشياء) حيث الانزياح أوالانحراف الدلالي يثير فضول المتلقي ويشد انتباهه إلى جزئيات معينة في القصيدتين.
العدول على المستوى التركيبي : كالتقديم والتأخيروهو من الانزياحات التي قد يستشعرها المتلقي،وفيه يقول الجرجاني:” وهو باب كثير الفوائد،جم المحاسن،واسع التصرف،بعيد الغاية،لايزال يفتر لك عن بديعه،ويفضي بك إلى لطيفه،ولاتزال ترى شعرا يروقك مسمعه،ويلطف لديك موقعه،ثم تنظر فتجد سبب أن راقك ولطف عندك ،أن قدم فيه شيء وحول اللفظ عن مكان إلى مكان”
من مثل أجراس سماوات الاله شاهدت،أغزل من أفق السماء قنديلا،على ثغر بابك أقطف حنينا،في خشيع ساجدات تردد التبجيلا.
العدول في المعجم : استعمال لفظة الفجر ثم تنصرف إلى لفظة الصباح
الضوء،الشمس ،قنديلا وكلها تعني النور
حكايات كانت تسمى خرافة (حكايات ،خرافة )
العدول في الصيغ: نافذات جمع مؤنث نافذة وعادة مايستخدم جمع التكسير نوافذ ،وربما كان المقصود منافذ (المنافذ مغلقة وموصدة)
مهالك موج: ربما ارادت الجمع من خلال ايراد المفرد موج،
لفظة خشيع: وهو عدول لفظي ربما كان المقصود خشوع إذا ماربطنا العلاقة بين الخشوع والسجود ،وقد بحثنا عن كلمات مشتقة من الجذر (خ ش ع) وقد ورد باشتقاقات مختلفة في القرآن الكريم والأمثلة كثيرة.
خشع استكان وخضع ولان وانقاد
الخاشع كل ساكن،خاضع من المجازأيضا الخاشع: المكان المغبرلا منزل به،الخاشع من الأرض الذي تثيره اارياح لسهولته فتمحو آثاره،والعرب تقول،رأينا أرض بني فلان خاشعة هامدة مافيها خضراء.
ومن المجاز أرض خاشعة غير ممطورة،
تخشع: رمى ببصره نحو الأرض وخفض صوته
الخشعة: ولد البقير،والبقير : المرأة تموت وفي بطنها ولد حي .
عدول بياني وبلاغي : حفلت القصيدتان بتعابير مجازية تصويرية غير مألوفة ،رمزية ،انتقال وانزياح من معنى اللفظ ودلالته إلى المعنى المجازي ( معنى المعنى) وقد وردت التشبيهات والاستعارات والكنايات والمجاز بكثرة وهذا مايدل على قدرة الشاعرة على استخدام وترويض الألفاظ وتَمكنّها من ناصية اللغة،وجعلها آداة طَيّعة سهلة الاستعمال.
من ذلك أقطف الفجر حنينا ،يستيقظ الضوء ضريرا،أمشط جدائل الخيال،أتدثر الصمت، شاحبة القلوب،مخازن الدمع معمره.
عدول في الايقاع والصوت:قصيدة اغتيال الفجر تراوحت قوافيها بين هاء السكت،(مبعثره،معوره معمره مسوره…) وعدلت في أبيات أخرى إلى تاء مربوطة( مبعثرة،ممزقةخرافة) كذلك في قصيدة جدائل الخيال
نسمع في أواخرقوافيها صوتا محدثا جرسا موسيقيا ثم ينحرف إلى صوت آخر ،
ونتلمس العدول في القصيدتين كذلك في الأنساق إذ تتأرجحان بين عدول النسق الديني ،أجراس،سماو أجراس،سماوات الاله، وبين عدول النسق الصوفي خشوع ساجدات التبجيلا وهو التعظيم وقد يكون للأشخاص أو الأماكن المقدسة( في بعض الديانات).
عدول في القيم الفلسفية: الوجود العدم ،الحياة الموت،الألم الأمل وقد لمسناها من خلال توظيف المفردات الدالة على ذلك( مبعثرة، ممزقة، هاربة ،مقبرة) (الصباح،ذكريات،وقائع مصورة) (الفجر،أفق،الشمس تعيد بهجتها،الخيال ،الذاكرة،الضباب،قنديلا، ضريرا)
إن هذا التكثيف اللغوي والمجازي قد يكشف لنا عن كثافة المشاعر والأحاسيس المخزنة في النفس البشرية التي تتقلب وتتأرجح بين الحزن والفرح وبين اليأس والأمل وبين الحنين والأنين وبين الخيال والذاكرة وبين الانتصار والانكسار.
عدول في الزمن: إن المتأمل ليلحظ ذلك منذ قراءته العنوان ففي قصيدةجدائل الخيال، استهلت الشاعرة قصيدتها بزمن الفجر ثم زمن وسط زمن القعود (أتدثر الصمت على مقعد متحجر) ،الشمس وهي ترمز الى وضوح النهار.
وأنهتها بزمن الليل ( يمر ليل الصابرين قصيدا) .وكأنها جعلت من وصلات شعرية امتدادات زمنية مختلفة فهوانتقال لأزمنة مقرونة بمشاعر، من فجرالحنين إلى صمت متدثرإلى ليل الصبر .
عدول في المكان: في القصيدتين انزياح للأمكنة ومن ذلك في قصيدة جدائل الخيال : ثغر بابك،مقعد متحجر،أفق السماء،أجراس(الكنيسة) في الموروث الديني المسيحي، (في خشيع ،ساجدات )في الموروث الديني الاسلامي وقد يكون المسجد مكان العبادة والتضرع والصلاة والقنوت والخشوع، رصيف الذاكرة، أما في قصيدة اغتيال الفجر نجد الدروب مبعثرة، جدرانها ( تحيلنا اللفظة إلى منزل / بيت)، مهالك موج ( البحر) .
عدول على مستوى اللغة ،لغة مخالفة لما هو مألوف ،شاحبة القلوب،الدروب مبعثرة،أغزل أفق السماء،أتدثر الصمت ،أمشط جدائل الخيال ،مهالك موج مسورة،يستيقظ الضوء ضريرا،خطواتها هاربة…..
نكاد نجزم من أن توظيف ظاهرة العدول في قصائد النثر للشاعرة إلهام عيسى قد يفتح آفاقا أكثر جرأة وتجديدا وحرية في اللغة التي تجد فيها – أي الشاعرة- متنفسا للبوح لتحيد بها وتنصرف عن كل ما يعكر صفو مزاجها،وكأنها تبث صبرها وآمالها في كتابة القصيد،حين قالت وهي تمنح لناشحنات من الطاقة الايجابية ، ولعل الشمس تعيد بهجتها
ويمر ليل الصابرين قصيدا،
فعسى أن تعدل الحقيقة عن الخيال ،وينزاح الحزن عن البهجة،ويتحول الألم إلى أمل.
إن توظيف العدول في شعر الشاعرة ليس فضلا ولا أمرا بل عدلا لأنها تؤمن إيمانا قاطعا بالعدالة الانسانية،التي جعلت منها قلما وضّاء وفكرا مضّاء .
بقلم الأستاذة وردة / ع
المراجع المعتمدة:
ابن منظور،لسان العرب،مج 4,دار المعارف ،القاهرة (مادة ع،د،ل)ص2841
لسان العرب لابن منظور،ج8 ،ص72
عبد القاهرىالجرجاني،دلائل الاعجاز،ص148
بوطران محمد الهادي وآخرون،المصطلحات اللسانية والبلاغية والأسلوبية وااشعرية ،بيروت ،دار الكتاب الحديث،2008،ص160
” جدائل الخيال” و”اغتيال الفجر” للشاعرة الاعلامية إلهام عيسى قراءة بقلم المفتشة التربوية الاستاذة وردة عون
لايخفى على أحد أن العدول ظاهرة بلاغية عُني بها أهل البلاغة والبيان وعلماء الأسلوب والأسلوبية في الوقت المعاصر وقبل ذلك كانت محل اهتمام النُحاة واصطلحوا عليها تسميات كثيرة كالتوسع والاتساع والسعة في المعنى.
وقبل أن نعرّج على قراءة القصيدتين ، نودّ أولا تحديد الإطار المفاهيمي لمصطلح العدول لغة واصطلاحا.
العدول لغة: جاء في لسان العرب للجذر ( ع د ل) عدّة معان:
عدل الشيء: يعدل عدلا وعادله: وازنه
عدل الرجل في المجمل وعادله :ركب معه
عدل الطريق: مال
عدل عن الشيء يعدل عدلا وعدولا: حاد عن الطريق جار،وعدل إليه عدولا: رجع
اصطلاحا:عرّفه كتاب المصطلحات اللسانية والبلاغية تحت مصطلح الانزياح ” يعني الخروج عن أصول اللغة وإعطاء الكلمات أبعادا دلالية غير متوقعة ولهذا المصطلح في اللغة العربية عدة مرادفات”
ومن هنا نلاحظ التقارب بين التعريف اللغوي والاصطلاحي لمفهوم العدول ،وهو الميل،الصرف عن الشيء،الحياد، الخروج عن المألوف،أو الانحراف أو الانزياح وهي مصطلحات وتسميات حديثة أصبحت من الظواهر اللغوية البلاغية التي تميز اللغة الشعرية عن اللغة العادية أو النمطية المألوفة.
كان ما يميز حديث العرب قديما ظاهرة العدول وهو انحراف سمت الكلام عن نظامه المألوف بين الناس( اللغة العادية ) ،التغيير المخالف لكلام العامة من الناس، وخرق لقواعد الكلام تركيبا وأسلوبا وصيغة ودلالة ومعجماوكان الشعراء أكثر الناس استعمالا لهاخاصة في الشعر الجاهلي، وقد وردت كذلك في القرآن الكريم و لغة القرآن لغة إعجازومن دلائل الإعجاز ،الإعجاز اللغوي البياني والبلاغي.
يتجلى بوضوح في شعر الشاعرة إلهام عيسى العدول بجميع مستوياته، محاولة منها الخروج باللغة من نمطيتها ،أي اللغة المألوفة بين الناس إلى لغة شعريةرمزية أكثر إيحاء،ولئن كانت وظيفة العدول هي خلق الدهشة والغرابة والعجائبية ،فإن الشاعرة في قصيدتيها تجعل القارئ يلجأ إلى التأويل،أو الفهم المتعدد من قراءات متعددة، وتثير فضوله لتعميق القراءة لفك شفراتها ورموزها وتوسيع الرؤى والمقاصد.
وقد تستدعي ظاهرة العدول في الخطاب الشعري استحضار كمّ هائل من الرصيد المعجمي اللغوي وتوظيفه بتقنية فنية( عملية بناء وتركيب) تتيح للمتلقي قراءات متعددة في سياقات ومقامات مختلفة،وهو ماتنزع إليه شاعرتنا في جل قصائدها وهو تجاوز اللغة النمطية إلى لغة رمزية إيحائية، بليغة.
ويتم اللجوء عادة إلى العدول أو الانزياح لمقاصد بلاغية،وهو أن المعنى عندما لاتستطيع احتواءه مفردات وصيغ او تراكيب عادية ،تستعمل ألفاظ أو أساليب أوتراكيب قد تنتقل أو تنحرف من معناها الأصلي لتحمل معان ودلالات أشد تأثيرا وأكثر جمالية وفنيةوهذا توجّه له غايتان : أولاها بلاغية إذ،تتفوق اللغة بسحرها البياني وتتحقق الجمالية الشعرية ويحقق
العدول بمعيّة الايجاز والمجاز تكثيفا لغويا ورمزيا.
وثانيتها: غاية انفعالية ،ترجمة المشاعر والمكنونات الوجدانية ذات الأبعاد الدلالية بحيث لايمكن أن تستوعبها لغة أخرى غير اللغة الرمزية والكلمات النازحة عن كل سائر الكلمات لتعبر عن الأحاسيس بصورة أعمق وكلام أرقى ،وقد ظهر العدول جليا في اختيار عنوان القصيدتين بكلمات مشحونة ،غير مألوفة اغتيال الفجر،جدائل الخيال، وكما نلحظ أن الشاعرة استعارت شئء مادي لشيء معنوي من خلال قرينة أو لازمة دالة على ذلك ( أنسنة الأشياء) حيث الانزياح أوالانحراف الدلالي يثير فضول المتلقي ويشد انتباهه إلى جزئيات معينة في القصيدتين.
العدول على المستوى التركيبي : كالتقديم والتأخيروهو من الانزياحات التي قد يستشعرها المتلقي،وفيه يقول الجرجاني:” وهو باب كثير الفوائد،جم المحاسن،واسع التصرف،بعيد الغاية،لايزال يفتر لك عن بديعه،ويفضي بك إلى لطيفه،ولاتزال ترى شعرا يروقك مسمعه،ويلطف لديك موقعه،ثم تنظر فتجد سبب أن راقك ولطف عندك ،أن قدم فيه شيء وحول اللفظ عن مكان إلى مكان”
من مثل أجراس سماوات الاله شاهدت،أغزل من أفق السماء قنديلا،على ثغر بابك أقطف حنينا،في خشيع ساجدات تردد التبجيلا.
العدول في المعجم : استعمال لفظة الفجر ثم تنصرف إلى لفظة الصباح
الضوء،الشمس ،قنديلا وكلها تعني النور
حكايات كانت تسمى خرافة (حكايات ،خرافة )
العدول في الصيغ: نافذات جمع مؤنث نافذة وعادة مايستخدم جمع التكسير نوافذ ،وربما كان المقصود منافذ (المنافذ مغلقة وموصدة)
مهالك موج: ربما ارادت الجمع من خلال ايراد المفرد موج،
لفظة خشيع: وهو عدول لفظي ربما كان المقصود خشوع إذا ماربطنا العلاقة بين الخشوع والسجود ،وقد بحثنا عن كلمات مشتقة من الجذر (خ ش ع) وقد ورد باشتقاقات مختلفة في القرآن الكريم والأمثلة كثيرة.
خشع استكان وخضع ولان وانقاد
الخاشع كل ساكن،خاضع من المجازأيضا الخاشع: المكان المغبرلا منزل به،الخاشع من الأرض الذي تثيره اارياح لسهولته فتمحو آثاره،والعرب تقول،رأينا أرض بني فلان خاشعة هامدة مافيها خضراء.
ومن المجاز أرض خاشعة غير ممطورة،
تخشع: رمى ببصره نحو الأرض وخفض صوته
الخشعة: ولد البقير،والبقير : المرأة تموت وفي بطنها ولد حي .
عدول بياني وبلاغي : حفلت القصيدتان بتعابير مجازية تصويرية غير مألوفة ،رمزية ،انتقال وانزياح من معنى اللفظ ودلالته إلى المعنى المجازي ( معنى المعنى) وقد وردت التشبيهات والاستعارات والكنايات والمجاز بكثرة وهذا مايدل على قدرة الشاعرة على استخدام وترويض الألفاظ وتَمكنّها من ناصية اللغة،وجعلها آداة طَيّعة سهلة الاستعمال.
من ذلك أقطف الفجر حنينا ،يستيقظ الضوء ضريرا،أمشط جدائل الخيال،أتدثر الصمت، شاحبة القلوب،مخازن الدمع معمره.
عدول في الايقاع والصوت:قصيدة اغتيال الفجر تراوحت قوافيها بين هاء السكت،(مبعثره،معوره معمره مسوره…) وعدلت في أبيات أخرى إلى تاء مربوطة( مبعثرة،ممزقةخرافة) كذلك في قصيدة جدائل الخيال
نسمع في أواخرقوافيها صوتا محدثا جرسا موسيقيا ثم ينحرف إلى صوت آخر ،
ونتلمس العدول في القصيدتين كذلك في الأنساق إذ تتأرجحان بين عدول النسق الديني ،أجراس،سماو أجراس،سماوات الاله، وبين عدول النسق الصوفي خشوع ساجدات التبجيلا وهو التعظيم وقد يكون للأشخاص أو الأماكن المقدسة( في بعض الديانات).
عدول في القيم الفلسفية: الوجود العدم ،الحياة الموت،الألم الأمل وقد لمسناها من خلال توظيف المفردات الدالة على ذلك( مبعثرة، ممزقة، هاربة ،مقبرة) (الصباح،ذكريات،وقائع مصورة) (الفجر،أفق،الشمس تعيد بهجتها،الخيال ،الذاكرة،الضباب،قنديلا، ضريرا)
إن هذا التكثيف اللغوي والمجازي قد يكشف لنا عن كثافة المشاعر والأحاسيس المخزنة في النفس البشرية التي تتقلب وتتأرجح بين الحزن والفرح وبين اليأس والأمل وبين الحنين والأنين وبين الخيال والذاكرة وبين الانتصار والانكسار.
عدول في الزمن: إن المتأمل ليلحظ ذلك منذ قراءته العنوان ففي قصيدةجدائل الخيال، استهلت الشاعرة قصيدتها بزمن الفجر ثم زمن وسط زمن القعود (أتدثر الصمت على مقعد متحجر) ،الشمس وهي ترمز الى وضوح النهار.
وأنهتها بزمن الليل ( يمر ليل الصابرين قصيدا) .وكأنها جعلت من وصلات شعرية امتدادات زمنية مختلفة فهوانتقال لأزمنة مقرونة بمشاعر، من فجرالحنين إلى صمت متدثرإلى ليل الصبر .
عدول في المكان: في القصيدتين انزياح للأمكنة ومن ذلك في قصيدة جدائل الخيال : ثغر بابك،مقعد متحجر،أفق السماء،أجراس(الكنيسة) في الموروث الديني المسيحي، (في خشيع ،ساجدات )في الموروث الديني الاسلامي وقد يكون المسجد مكان العبادة والتضرع والصلاة والقنوت والخشوع، رصيف الذاكرة، أما في قصيدة اغتيال الفجر نجد الدروب مبعثرة، جدرانها ( تحيلنا اللفظة إلى منزل / بيت)، مهالك موج ( البحر) .
عدول على مستوى اللغة ،لغة مخالفة لما هو مألوف ،شاحبة القلوب،الدروب مبعثرة،أغزل أفق السماء،أتدثر الصمت ،أمشط جدائل الخيال ،مهالك موج مسورة،يستيقظ الضوء ضريرا،خطواتها هاربة…..
نكاد نجزم من أن توظيف ظاهرة العدول في قصائد النثر للشاعرة إلهام عيسى قد يفتح آفاقا أكثر جرأة وتجديدا وحرية في اللغة التي تجد فيها – أي الشاعرة- متنفسا للبوح لتحيد بها وتنصرف عن كل ما يعكر صفو مزاجها،وكأنها تبث صبرها وآمالها في كتابة القصيد،حين قالت وهي تمنح لناشحنات من الطاقة الايجابية ، ولعل الشمس تعيد بهجتها
ويمر ليل الصابرين قصيدا،
فعسى أن تعدل الحقيقة عن الخيال ،وينزاح الحزن عن البهجة،ويتحول الألم إلى أمل.
إن توظيف العدول في شعر الشاعرة ليس فضلا ولا أمرا بل عدلا لأنها تؤمن إيمانا قاطعا بالعدالة الانسانية،التي جعلت منها قلما وضّاء وفكرا مضّاء .
بقلم الأستاذة وردة / ع
المراجع المعتمدة:
ابن منظور،لسان العرب،مج 4,دار المعارف ،القاهرة (مادة ع،د،ل)ص2841
لسان العرب لابن منظور،ج8 ،ص72
عبد القاهرىالجرجاني،دلائل الاعجاز،ص148
بوطران محمد الهادي وآخرون،المصطلحات اللسانية والبلاغية والأسلوبية وااشعرية ،بيروت ،دار الكتاب الحديث،2008،ص160






