في مثل هذا اليوم 19 اكتوبر2018م..
السعودية تُعلن مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصليتها بتركيا، بعد أن اختفى بعيد دخولها قبل بضعة أيَّام، وتحديدًا يوم 2 أكتوبر.
مقتل جمال خاشقجي هي عمليّة اغتيال وقعت في 2 أكتوبر 2018، في القنصلية السعودية في إسطنبول بتركيا. ظل مقتل جمال خاشقجي غير رسمي، حتى صدر بيان من النيابة العامة السعودية في 20 أكتوبر 2018، أثبت الحادثة وكشف عن ظروف الوفاة.
أدّت الحادثة إلى إنهاء خدمات عدد من الضباط بالاستخبارات العامة السعودية على رأسهم أحمد عسيري نائب رئيس الاستخبارات، إضافة إلى عزل سعود القحطاني المستشار بالديوان الملكي السعودي من منصبه، وتشكيل لجنة برئاسة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لإعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات العامة السعودية.
اعتُقل حتى صباح 20 أكتوبر/تشرين الأول 2018 في السعودية – إثر عمليّة الاغتيال – 18 شخصًا سعوديًا على ذمة التحقيق، بينما حُقّق مع ثلاثة متهمين آخرين حتى تاريخ 15 نوفمبر 2018، وأعلنت المملكة عن التزامها بتقديم جميع المتهمين إلى العدالة، ومحاسبة جميع المتورطين «بالحادثة»، فيما أعلن البيت الأبيض في بيانٍ رسمي عن مواصلة الولايات المتحدة متابعة التحقيقات على المستوى الدولي في مقتل جمال خاشقجي، وقد رحّب الرئيس الأمريكي بالإعلان السعودي، فيما أعلن مصدر سعودي لـرويترز أن ولي العهد السعودي «لم يكن لديه علم بعملية خاشقجي» كاشفًا عن عدم وجود أي «أوامر بقتله أو حتى بالتحديد خطفه ولكن هناك أمرًا دائمًا من رئاسة الاستخبارات بإعادة المعارضين للمملكة» بحسب تعبيره. وصرح وليّ العهد نفسه في مقابلة سابقة مع وكالة بلومبيرغ: «ما أعرفه هو أنه دخل وخرج بعد دقائق قليلة أو ربما ساعة، أنا لست متأكدًا، نحن نحقق في هذا الأمر من خلال وزارة الخارجية لمعرفة ما حدث بالضبط في ذلك الوقت.». وفي لقاء مع نورا أودونيل بث في 29 سبتمبر 2019، على شبكة سي بي إس الأمريكية، قبيل الذكرى السنوية الأولى لمقتل خاشقجي، صرّح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأنّ عملية قتل جمال خاشقجي «جريمة بشعة» لم تأمر القيادة السعودية بها، لكنّه مع ذلك يتحمل «المسؤولية الكاملة» عنها، ذلك أن حادثة القتل جرت في «ظل إدارته». مؤكدًا ألا مصلحة للحكومة السعودية بقتله، وأن الخطر الذي يتهدّد السعودية هو من هذه «الجريمة البشعة التي استهدفت صحفي سعودي في قنصلية سعودية»، مضيفًا لا يمكن تصوّر «الألم» الذي صنعته هذه الجريمة، خصوصًا لدى قيادة وحكومة المملكة العربية السعودية.
التسلّسل الزمني
2 أكتوبر 2018:
الساعة: 13:14:40 ظهرًا: دخل جمال خاشقجي القنصلية السعودية في إسطنبول.
الساعة: 17:00:00 مساءً: أعلنت خطيبته خديجة جنكيز بعد 4 ساعات على انتظاره خارج القنصلية أنه مازال بالداخل.
3 أكتوبر 2018:
أعلنت تركيا أن خاشقجي مازال داخل القنصلية.
نفت السعودية وجود خاشقجي داخل القنصلية.
أعلنت الخارجية الأمريكية أنها تتابع موضوع اختفاء جمال خاشقجي عن كثب.
5 أكتوبر 2018:
أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان: «السعودية ترحب بتفتيش ودخول السلطات التركية لمبنى القنصلية» مضيفًا في حوار له مع وكالة بلومبيرغ الأمريكية: «المملكة ليس لديها ما تخفيه بشأن قضية خاشقجي».
6 أكتوبر 2018:
أعلنت السلطات التركية فتح تحقيق بشأن اختفاء خاشقجي.
7 أكتوبر 2018:
صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه يتابع قضية خاشقجي بشكل شخصي، وأنه يشكر المملكة العربية السعودية على تعاونها في القضية.
8 أكتوبر 2018:
أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن قلقه بشأن اختفاء خاشقجي وطالب بتحقيق شفاف في اختفائه.
10 أكتوبر 2018:
المملكة العربية السعودية تعرض إنشاء مجموعة عمل مشتركة مع تركيا للتحقيق في اختفاء خاشقجي.
تركيا توافق على العرض السعودي.
12 أكتوبر 2018:
وزير الداخلية السعودية عبد العزيز بن سعود يستنكر «ما تتداوله بعض وسائل الإعلام من اتهامات غير صحيحة بشأن اختفاء خاشقجي» كاشفًا عن عدم وجود أية أوامر من القيادة السعودية بما حدث في القنصلية السعودية، مضيفًا: «أن ما يُتداول بوجود أوامر بقتل خاشقجي هي أكاذيب».
وصول الفريق السعودي إلى تركيا وبدء مهمته في التحقيق.
15 أكتوبر 2018:
المملكة العربية السعودية تسمح بتفتيش القنصلية السعودية في إسطنبول، حيث استغرق فريق التحقيق تسع ساعات من التفتيش.
الملك سلمان يتلقى اتصالًا هاتفيًا من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
17 أكتوبر 2018:
السلطات التركية تقوم بتفتيش بيت القنصل السعودي في إسطنبول محمد العتيبي، وقد انتهى التفتيش باليوم نفسه.
20 أكتوبر 2018:
الساعة: 00:52:00 ليلًا: النيابة العامة السعودية تعلن وفاة جمال خاشقجي.
الساعة: 01:02:00 ليلًا: توعّد سعودي بمحاسبة جميع المتورطين بالحادثة.
الساعة: 01:07:00 ليلًا: تشكيل لجنة برئاسة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تضم كل من وزيري الخارجية والداخلية.
الساعة: 01:13:00 ليلًا: إعفاء نائب رئيس الاستخبارات السعودية أحمد عسيري.
الساعة: 01:18:00 ليلًا: إنهاء خدمات عدد من ضباط الاستخبارات العامة السعودية.
الساعة: 01:23:00 ليلًا: إعفاء المستشار بالديوان الملكي السعودي سعود القحطاني.
26 أكتوبر 2018:
خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والذي أضاف فيه عددًا من الاسئلة التي تحتاج للإجابات من المسؤولين السعوديين.
27 أكتوبر 2018: (الجمعة) خطاب رجب طيب أردوغان أمام أعضاء حزب العدالة والتنمية.
اختفاء خاشقجي
شوهد جمال خاشقجي آخر مرة في 2 أكتوبر 2018، وهو يدخل مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول لاستخراج أوراق ترتبط بزواجه المقبل، وقالت خطيبته خديجة جنكيز التي كانت في انتظاره بالخارج، إنه لم يخرج قط وذكرت مصادر تركية أنها تعتقد أن خاشقجي قد قُتل داخل القنصلية. في السياق ذاته؛ أعلنَ مصدر مقرب من الحكومة التركية لوكالة فرانس برس أن الشرطة التركية «تعتقد في استنتاجاتها الأولية، أن الصحافي السعودي جمال خاشقجي قُتل في القنصلية بأيدي فريق أتى خصيصًا إلى اسطنبول وغادر في اليوم نفسه.» جديرٌ بالذكر هنا أنّ الشرطة التركية كانت قد أعلنت في وقتٍ سابق أن فريقًا من السعوديين توجه إلى القنصلية السعودية في إسطنبول عندما كان جمال خاشقجي موجودًا فيها، وأن الأخير لم يغادر أبداً الممثلية الدبلوماسية التي زارها بغرض إجراء معاملات إدارية، وعلى النقيض من ذلك، نفى مصدر مسؤول – لم يُكشف عن اسمه – في القنصلية العامة للسعودية في إسطنبول هذه التقارير بحسب ما أوردت وكالة الأنباء السعودية حيث قال: «هذه اتهامات عارية عن الصحة، هذه التصريحات لم تصدر من مسؤولين أتراك مطلعين أو مخول لهم التصريح عن الموضوع.»
مقتله
بحسب مصادر سعودية فإنّ «المشتبه بهم في الحادثة، توجهوا إلى إسطنبول لمقابلة خاشقجي بشأن عودته إلى السعودية» وجاء في بيان صادر عن النيابة العامة السعودية أن المواطن جمال خاشقجي توفي بعد «مناقشات تمت بينه وبين الأشخاص الذين قابلوه أثناء تواجده في قنصلية المملكة في إسطنبول وتطوّرت المناقشات حتى أفضت إلى حدوث شجار واشتباك بالأيدي مع جمال خاشقجي مما أدى إلى وفاته. » وقال مصدر له صلات وصفت «بالوثيقة بالقصر الملكي السعودي» بحسب ما بثته شبكة سي إن إن الأمريكية «سبب الوفاة هو خنق أو خنق خلال المشاجرة» حسب تعبيره.
الرواية السعودية الثانية (غير رسمية حتى الآن)
في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2018؛ نشرت وكالة رويترز للأنباء تقريرًا يتضمّن بحسب وصفها «أحدث رواية» مقتل جمال خاشقجي بناءًا على معلومات قدمها مسؤول سعودي طلب عدم الكشف عن هويته، وجاء في الرواية الجديدة أن الفريق السعودي المكوّن من 15 شخصًا، شُكِّل بأمر من اللواء أحمد عسيري وأن المستشار بالديوان الملكي السعودي سعود القحطاني «شارك في إعداد العملية» وأن عسيري «منحهم سلطة التصرف دون الرجوع إلى القيادة». وقال المسؤول «أن هناك أمرًا دائمًا بالتفاوض على عودة المعارضين بطريقة سلمية». كانَ الفريق بقيادة العقيد ماهر مطرب؛ وقد أرسلوا للقاء خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في الثاني من أكتوبر 2018 للتفاوض معه من أجل العودة إلى السعودية. كان الفريق قد تجهّز من أجل احتجاز خاشقجي في مكان آمن خارج إسطنبول لبعض الوقت لإدارة عملية التفاوض والإفراج عنه في نهاية الأمر إذا رفض العودة إلى السعودية، إلا أنّ «الأمور ساءت من البداية إذ أن الفريق تجاوز التعليمات ولجأ سريعًا إلى العنف» وهو ما أدّى إلى شجار بين الطرفين، توفي على إثره خاشقجي، وقد ارتدى أحد أفراد الفريق – ويدعى مصطفى المدني – ملابس خاشقجي وغادر من الباب الخلفي للقنصلية ليبدو الأمر وكأن خاشقجي غادر القنصلية. ونفى المسؤول أن يكون الفريق قد قطّع جثة جمال مشيرًا إلى أن «النتائج الأولية للتحقيق لا تشير إلى ذلك» وأضاف: «الجثة تم لفها بسجادة وتسليمها إلى «متعاون محلي» للتخلص منها». وقدم المسؤول السعودي لرويترز ما قال إنها وثائق مخابرات سعودية تكشف فيما يبدو عن خطة لإعادة المعارضين، بالإضافة إلى الوثيقة التي تخصَّ عملية التفاوض مع خاشقجي كما عرض شهادة من أشخاص ضالعين فيما وصفها بتغطية الفريق الذي ذهب للقاء خاشقجي على ما حدث والنتائج الأولية لتحقيق داخلي ولم يقدم المسؤول السعودي بحسب ذات الوكالة أي دليل لإثبات نتائج التحقيق والأدلة الأخرى. ووفقا لأحدث نسخة من الرواية، قال المسؤول إن الحكومة السعودية أرادت إقناع خاشقجي بالعودة إلى السعودية كجزء من حملة للحيلولة دون تجنيد ما وصفه ب«أعداء البلاد للمعارضين السعوديين». من أجل ذلك شكل نائب رئيس الاستخبارات العامة أحمد عسيري فريقًا من 15 فردًا من الاستخبارات والأمن للذهاب إلى إسطنبول ومقابلة خاشقجي في القنصلية ومحاولة إقناعه بالعودة، وحين دخل خاشقجي القنصلية، وُجِّه إلى مكتب القنصل العام، حيث تحدث معه العقيد ماهر مطرب معه عن العودة إلى السعودية إلا أن خاشقجي رفض وأبلغ مطرب أن شخصًا ما ينتظره بالخارج وسيتصل بالسلطات التركية إذا لم يظهر خلال ساعة، وكانت خديجة جنكيز خطيبة خاشقجي أبلغت وكالة رويترز إن خاشقجي كان قد سلمها هاتفيه المحمولين وطلب منها أن تنتظره خارج القنصلية وتتصل بمساعد للرئيس التركي إذا لم يعد.
ظروف الموت
داخل القنصلية، وفقا لرواية المسؤول، قال خاشقجي لمطرب: «هذا الأمر مخالف للأعراف الدبلوماسية والأنظمة الدولية، ماذا ستفعلون بي هل لديكم نية لخطفي؟» ورد مطرب «نعم سنخدرك وسنقوم باختطافك» وهو ما وصفه المسؤول بمحاولة تخويف تخالف هدف المهمة، وعندما رفع خاشقجي صوته أصيب الفريق بذعر، ووفقا لرواية الحكومة حاولوا أن يسكتوه وكتموا أنفاسه؛ فقال المسؤول: «نتيجة إصرار جمال رفع صوته وإصراره مغادرة المكتب حاولوا تهدئته لكن تحول الأمر إلى عراك بينهم … ما اضطرهم لتقييد حركته وكتم نفسه» وأضاف: «حاولوا أن يسكتوه لكنه مات. لم تكن هناك نية لقتله». وردًا على سؤال حول ما إذا كان الفريق خنق خاشقجي قال المسؤول: «إذا وضعت شخصًا في سن جمال في هذا الموقف سيموت على الأرجح».
الجثة
قال المسؤول السعودي إنه من أجل التغطية على جريمة قتل خاشقجي «لفّ الفريق جثة خاشقجي في سجادة وأخرجوها في سيارة تابعة للقنصلية وسلّموها إلى «متعاون محلي» لكي يتخلص منها». وأضاف المسؤول السعودي أن «صلاح الطبيقي خبير الأدلة الجنائية والطب الشرعي حاول إزالة أي أثر للحادث». وقال المسؤول السعودي إن المتعاون المحلي -لم يكشف عن جنسيته- يقيم في إسطنبول، وأن «المحققين يحاولون معرفة مكان الجثة».
تمويه
بعد مقتل جمال خاشقجي؛ ارتدى أحد أفراد الفريق – ويدعى مصطفى المدني – ملابس خاشقجي ونظارته وساعته الأبل وغادر من الباب الخلفي للقنصلية في محاولة لإظهار أن خاشقجي خرج من المبنى، وتوجه المدني إلى منطقة السلطان أحمد حيث تخلّص من متعلقات خاشقجي.
التغطية على الجريمة
قال مسؤول سعودي لوكالة رويترز إن الفريق الذي كان مُرسلًا للقاء جمال خاشقجي كتب بعد عودته «تقريرًا مزورًا لرؤسائهم» مفاده: «سُمِحَ لخاشقجي بمغادرة القنصلية بعد أن حذر الأخير من أن السلطات التركية ستتدخل» وأنهم بعد أن فشلوا في إقناع جمال خاشقجي بالمفاوضات «غادروا تركيا سريعًا قبل اكتشاف أمرهم». وقال المسؤول السعودي لرويترز أن جميع أفراد الفريق ومجموعهم 15 شخصًا اعتقلوا ويجري التحقيق معهم إضافة إلى ثلاثة مشتبه بهم آخرين.
تعدّد الروايات السعودية
قال مسؤول سعودي لرويترز ردًا على سؤال يتعلّق بتغير تفسير الحكومة لموت الصحفي باستمرار، قال إن: «رواية الحكومة الأولى استندت إلى معلومات خاطئة قدمتها جهات داخلية في ذلك الوقت» وإنه «بمجرد أن تبين أن التقارير المبدئية كانت كاذبة بدأت الرياض تحقيقًا داخليًا وتوقفت عن الإدلاء بالمزيد من التصريحات مضيفًا أن التحقيق مستمر.»
الرواية التركية غير الرسمية
على النقيض من ذلك، تناولت بعضُ وسائل الإعلام العربية روايات أخرى بخصوص قضيّة مقتل الصحفي خاشقجي وخاصّة قناة الجزيرة – المُعارِضة للسعودية بعد أزمة قطر – التي أكّد لها مصدر أمني تركي لم يُكشف عن اسمهِ «أن البحث الجنائي توصل للمكان الذي قُتل فيه خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول بدقة، وحددوا مكان القتلة والضحية في الغرفة التي جرت فيها عملية القتل، وإن الفريق استمع للتسجيلات قبل معاينة القنصلية السعودية وعمل محاكاة لها داخلها. كما توصل البحث الجنائي -وفقا لهذا المصدر- إلى أن الغرفة التي قُتل فيها خاشقجي كانت مجهزة مسبقا بالمعدات للتعامل معه». واصلَ ذات المصدر شرحهُ عمليّة الاغتيال حيثُ أكّد على أن خاشقجي تعرض للهجوم من عدة أشخاص عقب دخوله غرفة القنصل السعودي، وأن طبيب التشريح السعودي صلاح الطبيقي باشر تقطيع جثة الصحفي عقب تصفيته مباشرة، حيثُ استغرق 15 دقيقة في عملية التقطيع فيما كانَ مساعدوه يغلفون أجزاء الجثة بعد فصلها مباشرة. فيمَا قال مصدر سعودي مطلع لوكالة رويترز، إن مكان جثة خاشقجي غير معروف بعد تسليمها «لمتعهد دفن محلي» على حد تعبيره. بينما نقلت رويترز عن مسؤول تركي كبير في 20 أكتوبر 2018، قوله أن فريق التحقيق التركي الخاص بالقضية سيعرفون ما حدث لجثة خاشقجي خلال فترة غير طويلة على الأرجح بحسب ما نقل عنه.
تكذيب الرواية السعودية
بعد أزيد من 18 يومًا عن اختفاء خاشقجي خرجت السعودية – وهي التي شاركت في التحقيق المُشترك مع تركيا طوال هذه المدّة – لتبنّي رواية مقتله بطريقة مُغايرة نسبيًا عمّا كانت تُسربه وسائل الإعلام التركية والعالمية.
تلقت هذه الرواية الجديدة تشكيكًا كبيرًا من مجموعة من الشخصيات والصحف على رأسها واشنطن بوست – التي كان جمال يكتبُ لصالحها – حيث نشرت في افتتاحيتها ليوم 21 أكتوبر/تشرين الأول التالي: «إن التفسير السعودي لمقتل خاشقجي حكاية من نسج الخيال يصر الرئيس ترامب على مجاراتها … إنّ قول الرئيس ترامب إنه مقتنع بالرواية السعودية وإنه يصدقها أمرٌ يؤكد عزمه وبكل وقاحة على مساعدة النظام السعودي وولي العهد محمد بن سلمان بشكل خاص على تفادي أي مساءلة ومحاسبة بشأن ما حدث … السعودية أقرت بكذبها على العالم طوال 17 يومًا بشأن حقيقة ما حدث لخاشقجي بعد دخوله قنصليتها في إسطنبول، لكن التفسير الذي قدمه نظام الملك سلمان وولي عهده يفتقر للمصداقية.» تواصلَ استنكار الصحيفة للرواية السعودية من خلال بيان للناشر والمدير العام لذات الجريدة فريد رايان الذي غرّد على حسابه في موقع تويتر قائلًا: «إن السعودية تقدم بشكل متكرر وشائنٍ كذبة وراء أخرى منذ اختفاء خاشقجي في قنصليتها في إسطنبول قبل ما يقرب من ثلاثة أسابيع.» من جهتهِ شككت منظمة العفو الدولية –غير الربحيّة وغير الحكومية كذلك– في الرواية السعودية بشأن «وفاة» الصحفي جمال خاشقجي، وقالت إنها غير معقولة كما أكّدت المنظمة الحقوقية في بيان لها إن نتائج التحقيق التي أعلنتها النيابة العامة السعودية «ليست جديرة بالثقة» وإنها تعبر عن حالة حقوق الإنسان في المملكة. فيما قالت صحيفة نيويورك تايمز في افتتاحيتها كذلك «إن السؤال المهم حاليا ليس إن كانت رواية السعودية بشأن مقتل الصحفي جمال خاشقجي ذات مصداقية أم لا، بل ما هي الجهة التي يحاولون استغفالها؟ … ففي عالم محمد بن سلمان الاستبدادي لا يهم ما يفكر فيه الناس العاديون، بل ما يُرضي ترامب الذي يريد حبلا يتعلق به للحفاظ على علاقته بالسعودية وولي عهدها وصفقات الأسلحة التي يسيل لها اللعاب.» تواصلُ الصحيفة في نفس الافتتاحية قائلة: «إن الرواية السعودية ووجهت بالرفض على نطاق واسع، ووُصفت بأنها محاولة مريضة للإقرار بما أصبح غير قابل للنفي والإنكار.» بعيدًا عن الصحافة وعلى المستوى الدولي؛ أدانت معظم الدول الكُبرى ما حصل للصحفي خاشقجي لكنّ بعضها شكّك في رواية السعودية الرسمية – التي نشرتها وكالة الأنباء الرسمية داخل البلد – وغير الرسميّة – تلكَ التي تناولتها وكالة رويترز نقلًا عن مصدر لم يكشف عن اسمه. في البداية أكّدت كندا على «أنّ الوقائع التي سردتها الرياض غير متماسكة وتفتقر إلى المصداقية» أمّا ألمانيا فقد نددت مستشارتها أنجيلا ميركل بمقتل الرجل مُؤكدة في الوقتِ ذاته على «أنّ التفسيرات المعلنة حتى الآن فيما يتعلّق بملابسات موته ليست كافية.» وصولًا لـإسبانيا التي نقلت عنها رويترز البيان التالي: «الحكومة الإسبانية مستاءة من التقارير الأولية من الادعاء السعودي بشأن موت الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، وتقدم خالص تعازيها لأسرته.» في ذات المواقف أشارَ رئيس الوزراء الدنماركي لارس لوكه راسموسن يوم السبت الموافق لـ 20 أكتوبر/تشرين الأول أنه «غير مقتنع بما أعلنته السعودية حول واقعة مقتل خاشقجي، ويصر على معرفة الحقيقة كاملة. »
تواصلَ تكذيب الروايتين السعوديتين السابقتين لكن هذه المرّة على لِسان الرئيس التُركي رجب طيب أردوغان الذي أدلى يوم الثلاثاء الموافق لـ 23 أكتوبر/تشرين الأول بخطاب مُطول نوعًا ما في مقر البرلمان بمدينة أنقرة وذكرَ فيه مجموعةً من الأسئلة من قبيل: «أين جثة المقتول خاشقجي؟ وفي حالة ما كُنتم قد سلمتم الجثة إلى متعاون محلي تركي؛ فمن هو هذا المتعاون المحلي؟» وأضاف أردوغان أن من تحدث عن هذا المتعاون المحلي هو مسؤول سعودي، ولذلك عليه أن يُعلن من هو هذا المتعاون؟ في السياق ذاته؛ نسفَ رجب طيب الرواية السعودية التي تُفيد بأنّ الجريمة قد حصلت صدفة لا غير حيث أشارَ إلى أن اغتيال الصحافي السعودي جريمة مخطط لها وليست صدفة مشيرًا إلى أن 15 شخصًا قدموا إلى تركيا على ثلاث مراحل باستخدام طائرات خاصة ومدنية وتجمعوا في إسطنبول لتنفيذ المهمة.
ليس هذا فقط، بل أشارَ رجب طيب اردوغان إلى أنّ الفريق السعودي قد أزال كاميرات الأمن والمقاطع المسجلة من مبنى القنصلية قبل وصول خاشقجي، الذي كان يريد الحصول على وثائق متعلقة بزواجه الجديد ثم اختتمَ كلامه بالحديث عن مطلبه وهوَ مُحاكمة الأشخاص الـ 18 في إسطنبول مضيفًا أن جميع من شاركوا في عمليّة القتل سوف يعاقبون. جديرٌ بالذكرِ هنا أن الرئيس أردوغان قد نوّه في كلمتهِ أيضًا إلى أن بلاده تعرضت لحملة إعلامية شرسة بخصوص القضية، لكن ذلك لم يمنع السلطات التركية من مواصلة التحقيق وكشف الحقيقة على حدّ تعبيره حيث قال: «’سنواصل البحث عن حقيقة ما جرى لخاشقجي، ولن يوقفنا أحد … نريد وفدا محايدا للتحقيق في القضية.» وفي سياقِ حديثه عمّا حصل للصحفي المغدور خاشقجي؛ قال أردوغان: «لا أشك في صدق العاهل السعودي، وأبلغته بأن القنصل محمد العتيبي غير كفؤ، وشعرت براحة لإعفائه من مهامه وعودته لبلاده.» ثم عاد واستدركَ قائلا: «إن تحميل بعض أفراد المخابرات المسؤولية عن قتل خاشقجي لا يُقنعنا نحن ولا الرأي العام العالمي» ناسفًا بذلك رواية السعودية السابقة والتي كانت تُفيد بأنّ عناصر مارقة لا علاقة لها بالقيادة هي المسؤولة عن عمليّة الاغتيال هذه.
رأي محمد بن سلمان في الجريمة
في لقاء غير مصوّر مع مارتن سميث، ورد بعض ما فيه ضمن فيلم وثائقي بُثّ في 1 أكتوبر 2019، على شبكة التلفزيون العامة الأمريكية، قبيل الذكرى السنوية الأولى لمقتل خاشقجي، نقل عن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قوله بأنّ مقتل جمال خاشقجي يحملهُ «مسؤولية»، ذلك أن حادث القتل جرى في «ظل إدارته»، قائلًا: «حدث ذلك وأنا في موقع السلطة. أنا أتحمل المسؤولية كلها لأن ذلك حدث وأنا في موقع السلطة.» وهذا أوّل تصريح غير مباشر ينقل عن محمد بن سلمان يشير فيه إلى تحمّل إدارته المسؤولية عن حادثة القتل. وردًّا على سؤال طرحه سميث عن كيفية حدوث جريمة القتل دون أن يعلم بها ولي العهد شخصيًّا، نُقل عنه قوله: «عندنا 20 مليون نسمة، وعندنا ثلاثة ملايين موظف حكومي»، والمسؤولون والوزراء في السعودية «لديهم السلطة بالتصرّف وأخذ القرارات وهم مسؤولون عن أي تصرّف يقومون به (أمام القيادة السعودية)». ويقدّم سميث وصفًا للحوار الذي دار بينه وبين ولي العهد، مشيرًا إلى أنّه صُوّر في ديسمبر من العام 2018، وهو عرض تمهيدي للفيلم الوثائقي المقرّر عرضه.
وفي حوار مصوّر له مع نورا أودونيل ضمن برنامج 60 دقيقة، بُثَّ على قناة سي بي إس الأمريكية في يوم الأحد 29 سبتمبر 2019، أكّد ألا وجود لأي أوامر من القيادة السعودية بقتل خاشقجي، واصفًا العملية بأنها «جريمة بشعة» يتحمل «المسؤولية الكاملة» عنها، ذلك أنها حدثت من قبل «مسؤولين سعوديين يعملون في الحكومة السعودية»، وهي مسؤولية أدبية لابدَّ له أن يتحملها لكونه قائدًا في السعودية. وحين سُئِل عن كيفية حدوث الجريمة دون أن يعلم بها، قال: «البعض يعتقد أنني يجب أن أكون على علم بما يقوم به ثلاثة ملايين شخص يعملون ضمن الحكومة السعودية يوميًا؟ من المستحيل أن يرفع الثلاثة ملايين تقاريرهم اليومية للقائد في المملكة العربية السعودية أو ثاني أعلى رجل في الحكومة السعودية.» مؤكدًا أن التحقيقات الجارية إن أثبتت تورط أي شخص سوف تحيله للمحكمة، مهما كانت رتبته أو منصبه ضمن الحكومة. وردًّا على التقارير التي اتهمته بالجريمة، منها «استنتاجات» وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، قال: «أتمنى أن يتم إخراج هذه المعلومات للعلن. إذا كانت هناك أي معلومات تتهمني بالقيام بأي عمل، أتمنى أن يتم إخراجها»، مؤكدًا ألا مصلحة للحكومة السعودية بقتل أي صحفي، وهم لا يشكلون أي خطر على المملكة، وأن الخطر الذي يتهدّد السعودية هو من هذه «الجريمة البشعة التي استهدفت صحفي سعودي في قنصلية سعودية»، مضيفًا لا يمكن تصوّر «الألم» الذي صنعته هذه الجريمة، خصوصًا لدى قيادة وحكومة المملكة العربية السعودية.!!!!!!






