المتلقي القارئ لرؤيا الحلم في رواية ” قد صدقت الرؤيا”
للكاتبة سعاد ميرة بقلم د طارق لعرابي
أكدت نظرية القراءة والتلقي على فكرة تعدد التاويلات واختلاف القراءات، باختلاف المتلقين القراء، وفي ذلك إشارة إلى نفيها أحادية معنى النص، وإن استخلاص القصد الروائي إنما يكون بالقراءة العميقة لا القراءة السطحية التي يروقها تسلسل الأحداث، وتنوع الأمكنة والأزمنةـ بل أن تركز القراءة على ما هو مضمر، وتكشف الحجب عن المعاني المخفية من وراء حجب اللغة، وبذلك يصبح المتلقي القارئ قارئا منتجا، ومؤسسا لمعنى جديد غير الذي في قصد الكاتب.
الرواية من الأدب الواقعي كونها ارتبطت ارتباطا وثيقا بالواقع المعيش، تحاول
خلالها الروائية تسجيل خباياه وأسراره، وتصويرها تصويرا حقيقيا، وفي هذا يقول “محمد مندور ” في كتابه “الأدب ومذاهبه ص90 ” والواقع أن المدلول الإصطلاحي للفظة الواقعية كمذهب أدبي لا ينفصل انفصالا كليا عن المدلول المستفاد من كلمة واقع، فالواقعية تسعى إلى تصوير الواقع وكشف أسراره وإظهار خفاياه وتفسيره…” على هذا نلاحظ أن كلمة الواقع مثلها في ذلك مثل كلمة الحقيقة أو الطبيعة، أو الحياة المشحونة بمعان كثيرة.
يبدو من خلال الرواية أن الكاتبة استمدت روايتها من واقع الحياة اليومية بتقلباتها المتسارعة، حتى الشخصيات التي وظفتها كانت حقيقية وخذ مثالا على ذلك: “يحكي (عبد الله) حكايات جده (أحمد ميره) التي لا تنتهي عن زمن الاستدمار فقد كان يحضر حلقات القرآن أن سيده (أحمد جبالي) سنة 1975 بوادي الظلمة يعلمهم القرآن الكريم مأمورا من طرف قيادة المجاهدين جبهة التحرير الوطني، ولا مجال له للرفض، يحمل بندقية بيده والدواة باليد الأخرى، سلاحان لأجل تحرير الوطن والعقول بالعلم والكفاح” ص11.
كما أن شخصية عمي حمده بومنصورة حقيقية ما زالت بيننا ـ أطال الله بقاءه ـ تبدو رافدا أساسا في البناء التدرجي لأحداث الرواية ومخرجاتها، فهي شخصية عصامية ثائرة تحدت الفقر والجهل، تاقت للعلم وقت الاستدمار وفتحت خزائنه بعد الاستقلال، ولا زالت تشيعه بين الخلق درءا للعوز الفكري والثقافي في عصر العولمة وتغول الأقوى، جاء في الرواية:”فقال توفيق: الأسبوع الماضيأذهلنا أستاذي عمي (حمدة بومنصوره)بسرده عن زمن طلبه للعلم، فقد كانت الدراسة في المدرسة الابتدائية القصديرية منذ أكتوبر 1962 غداة الاستقلال إلى غاية جوان 1967 خمس سنوات بالسوارخ، ورخص له باجتياز مسابقة السيزيام المرحوم (حمدي قويز) مدير المدرسة آنذاك)
إن مكانة المتقي القارئ للنص الادبي (رواية قد صدقت الرؤيا) لا يتوقف عند حدود فعل القراءة وتبعاته مما يحدثه فعل التلقي من فاعلية الإبداع، بل يجد نفسه يشارك الروائية في خلق النص دون أن يحدث قطيعة بين البنية والقراءة، بل تندمج قراءته في عملية ذهنية دلالية يكشف من خلالها وجهات النظر المهيمنة على الرواية والقيم المضمرة في السرد المتمثلة في الصبر على طلب العلم والمكابدة في تبليغه، وكذا التحديات الاجتماعية والنفسية لطالبي العلم .
اما عن عنوان الرواية “قد صدقت الرؤيا” لم يكن عفويا بل اختيار مقصود ينبئ عن مغزى عميق يتوارى خلف أقنعة السرد، فالنص مشبع بالتلميح والإيحاء والترميز، وهو ما يوحي به العنوان وتفاصيل الأحداث وتسلسلها، وأوصاف الشخصيات ، فعمي حمده المجاهد في طلب العلم، والمثابر على تحصيله صار مفتشا تربويا ذاع سيطه عبر أرجاء الوطن.
كما أن الروائية رغم حداثتها بالكتابة الروائية إلا أنها أولت الحدث عناية بالغة كونه ـ في مجال السرديات ـ هو الانتقال من حال إلى أخرى، وقوام الحكاية يكمن في تتابع أحداثها، وتعاقبها الزمني، فترتيبها المنطقي السلس يزيد القارئ تشويقا لمتابعة ما يأتي.
من جهة أخرى، فإن مجموعة الأفعال والوقائع وردت مرتبة ترتيبا سببيا فاتبعت الروائية لتقديم الأحداث التي اتسمت بالتطور/ والتحول، والتنامي، وأسلوب التفاعل معها.
أخيرا، إن الرواية حبلى بشحنات من الصدق اللا متناهي تجلى ساطعا في نهاية أحداثها ببلوغ المقصد وتحقيق الحلم الذي راود ساكنة المنطقة “وادي الحون” بأن يأتي العلم إليهم كما يرد لغيرهم في المدن الكبرى، وقد صدقت الرؤيا.






