🖌️📂 الصور الرمزية والصوت الروائي في نصّ (أسيرة الوجع )
للأديبة التونسية
حياة بربوش الشاعرة
———-
تقديم
في نصّ نابض بالاعتراف والتمرّد-تُطلّ [أسيرة الوجع]كأنها مرثية للحبّ وخطبة للشموخ.. لا تكتب الراوية عن الألم بقدر ما تُنطقه فالكلمات تتحوّل إلى أصوات والمطر إلى موسيقى جنائزية تُشيّع الحلم -بينما تقف الأنثى في مواجهة الخيانة والخذلان لا كضحية بل كصاحبة قدر وقرار
فنصك يقيم على حافة الصرخة بين حبّ يموت وكرامة تنهض -بين ذاكرةٍ مُبلّلة بالدمع وصوت أنثويّ يرفض الانكسار-ومــن هذا التوتّر تنبثق صور رمزية مُحمّلة بالألم والتمرّد تؤسّس لعالم شعريّ تتقاطع فيه( الذات /والأنثى -الجسد /والذاكرة،-الغياب/ والحضور)
—في في قراءتي هذه أحاول تفكيك طبقات النص من خلال تتبّع صوته الداخلي للكشف عن كيف يتحوّل الوجع إلى شموخ والموت إلى انبعاث جديد للأنوثة العاشقة؟… هذا من ناحية ومن أخرى
أقدّم قراءة من مستوى كلّي إلى تفصيلي —
يعني أتناول الفكرة والموضوع /الصور الرمزية/صوت الراوية/البناء الدرامي/والوسائل البلاغية-
————
1) الخط الدرامي
الراوية تتكلم بصيغة أولى مؤلمة/مُنتحبة—>تبدأ بمشهد حزين (مطر على زجاج الغرفة كـ<<موسيقى سمفونية جنائزية>>) تنتقل إلى ذكرى الشخص الحبيب المتوفّى أو المغيب (تكرار—> <<أنت تحت الثرى>>)—ثم يُكشف جرح الخيانة (دفتر بني -أحمر الشفاه-تهديدات الطرف الآخر)، فتندلع ثورة داخلية مزيج من حزن عميق ورغبة في الانتقام/الانتصار لذات «شامخة» النهاية تحمل تناقضا جذابا إقرار بالحب رغم الألم («جلّنار لن أعتزل بعدك الغرام»)
2) الموضوعات والمرتكزات الفكرية
**الحزن والنوح—>المطر واللحن الجنائزي والقطّة المنتحبة كلها علامات حداد.
**الخيانة والعار—>تسجيل الخيانة في دفتر بقعة أحمر الشفاه على القميص «سأكسر شموخك» — كلها تدل على انتهاك لكرامة الراوية
**الشموخ والكرامة الأنثوية—>ترديدة «شموخ أنثى» تحوّل الألم إلى طاقة مقاومة وفخر
**الأمومة والافتقاد—>صورة القطة الأم التي فقدت صغيرها تعكس فقدان القدرة على العطاء أو الحنان أو الشعور بالأمومة
**الانتقام/المصير—>قرار «أزفّك إلى تربة سوداء» لغة انتقامية تُقابَل بعاطفة حاضرة جلية إذ لا تختفي المحبة تماما
3) الصور والرموز البارزة
**رذاذ المطر على بلور الغرفة = موسيقى سمفونية جنائزية
المطر هنا ليس طقس حياة بل جنازة مُستمرّة وصوت معدّل للمزاج الداخلي
**الثرى-أكوام التراب- أسراب الطيور-أفواج النمل
تصوير الموت بطريقة كونية: الطيور/النمل/التراب — كلّها تحيط بالمفقود تُنعش شعور الاغتراب والعجز
**القطّة السوداء المنتحبة
رمز قوي للأمومة المفقودة وللَّهفة غير المشروطة التي لم تكتمل-رابط بين الإنسان والحيوان ليقوّي الشعور بالوحشة
**الدفتر البني-أحمر الشفاه على القميص الأبيض
دلائل مادية لخيانة ملموسة — شاهد يقبض عليه القلب
**الطقوس النارية (أنثى ناريّة احرقت كل طقوس اللذة)
تصوير ذات قادرة على التحوّل إلى عنصر مُدمّر، تضفي على الراوية قدرة على المبادرة بدل أن تظل ضحية
4) صوت الراوية والأسلوب السردي
**الصوت شخصي وحميم جدا، يميل إلى الاعتراف والتباكي لكنه لا يخلو من تحد وعنف لفظي
**التناوب بين الهذيان الشعري (صور مكثفة، تراكيب موسيقية) واللغة اليومية (تفاصيل ملموسة-قميص أبيض، دفتر بني) يقرّب النص من القارئ
**ثنائية (حب — كراهية )حاضرة—الراوية تحب بشدة لكنها تُهدّد وتخطط
5) البنية والإيقاع
**النص يُشبه القصيدة النثرية فهو خالٍ من القافية المنتظمة لكن هناك إيقاعات داخلية (تكرار كلمات-جمل متوازية).
**استخدام التكرار (مثل «شموخ أنثى») يعمل كرافعة درامِيّة تـركّز الفكرة
**الجمل تتصاعد من تصوير هادئ (مطر، نحيب) إلى جمل أشدّ عنفا («أزفّك الى تربة سوداء») — قوس عاطفي واضح
6) الوسائل البلاغية والصوتية
**استعارة مركبة: «موسيقى سمفونيّة جنائزيّة» — مزج صوتي بصري قويّ.
**تشخيص/تأنيث الأشياء: المطر كـموسيقى، التراب كغِطاء، القطة كذات تتألّم — تضفي إنسانية على العالم.
**مفارقة/تناقض: شموخ أنثى يُقترن برغبة في العهر («ابت ان تكون عاهرة كلّ مساء») — تناقض مقصود ليُبرِز الصراع الداخلي.
**لغة حادّة وصور قاتمة: «تنهش لحمك النسور والصقور» — تصوير دموي يخدم العنف الرمزي.
**تكرار الصوتيات والبلاغة الداخلية: وقع «ش» و«ن» يتكرر مما يعطي تموجا صوتيا
7) لحظات قوية تستحق الوقوف عندها
** «رذاذ المطر على بلور غرفتي وكأنّه موسيقى سمفونيّة جنائزيّة» — افتتاحية ممتازة تصوّر الجو الحزين.
** «صوت قطّة سوداء تنتحب تكابد آلام الثّكل» — صورة مؤثرة جدا يمكن توسيعها لتصل إلى قمة حسّية في النص.
** «سأكسر شموخك بأنثى أخرى أيّتها الغبيّة» — جملة تختصر العنف النفسي والتهديد، وتُسقط على النص بعدا اجتماعيّا للعار والتحقير.
** القرار الانتقامي «قرّرت أن أزفّك إلى تربة سوداء» مقابل الختام «جلّنار لن أعتزل بعدك الغرام» — ثنائية متناقضة لكنها إنسانية للغاية.
قراءة نفسية/رمزية
** رغبة في الانتقام نابعة من جرح الهوية والكرامة.
**القِصّة قد لا تكون عن موت خارجي فقط بل أيضا موت العلاقة/الحياة المشتركة—>«أنت تحت الثرى» ربما يرمز لعلاقة ماتت
**القِيمّة الاجتماعية للأنوثة مصونة في النص ومحفوظة—>الشموخ والكرامة أهم من الاستسلام للعار.
نصّك مشحون بالعاطفة المكثفة، ويعمل كاعتراف مرهف ومتفجر…
⸻
النص
أسيرة الوجع
كان رذاذ المطر على بلور غرفتي وكأنّه موسيقى سمفونيّة جنائزيّة ، تعالت الأصوات وفجأة خفتت لم يبق إلاّ صوتك ونحيبي…
صوتك يرددّ اسمي على شفتيْن بلّلهما دمعي المنهل…ونجيب يملأ كفيْه بتراب رمسك…
من فرط شوقي إلى غمرة منك، احتضنت شاهدا كان يذكرني أنّك تحت الثّرى،أسراب طيور تحوّطك..أفواج نمل تأسرك…أكوام تراب ثقيل تغطّيك،تدثّرك،تأخذك منّي …
صوت قطّة سوداء تنتحب تكابد آلام الثّكل على صغير لم يحتلم ثديها…
لست أدري اابكيها ام أبكيني؟
عصف بي ألم كسر ما تبقّى منّي من كبرياء وشموخ..شموخ أنثى ابتْ ان تكون عاهرة كلّ مساء، شموخ أنثى لا تقبل أن تلمسك أنثى غيرها،شموخ أنثى أحبّتك بصمت الرّهبان ،أنثى ناريّة احرقت كلّ طقوس اللّذة وتركتك بين المغاور تنهش لحمك النّسور والصّقور….
تداعت الصّور والذّكريات، تناثرت هنا وهناك القبلات، وتكدّر صفو الحروف والكلمات، ماتت تلك المشاعر ذات غربة بين لحظتيْن،
تلك القطّة المنتحبة تبحث عن قطّ يشعرها بالأمومة قبل فوات الآوان، وأنا ابحث لي عن أعذار تجعلني أسامحك ، أصفح ،أنسى،
أتناسى ما قرأته ذات فضول في دفترك البنيّ،اعترافاتك،اعترافات خيانة أحمر شفاهها على قميصك الأبيض ليلة زفافنا،اعترافات اختزلتها في كلمات كالسّيف البتّار ” سأكسر شموخك بأنثى أخرى أيّتها الغبيّة”….
انتهت مراسم الزّفاف ،كنت أرمق خيانتك وخيانتها،وفي لحظة ثورة بركانيّة قرّرت أن أظلّ عذراء،قرّرت أن أطعن عاهرتك السّمراء،قرّرت أن أزفّك إلى تربة سوداء،
ليلتها لم يبق إلاّ لحن أدندنه بيني وبين أنثاي”جبّار كنت في قسوتك” وانا جلّنار لن أعتزل بعدك الغرام….
حياة بربوش الشاعرة
ملاحظة
المعذرة من السادة النقاد
أنا لست ناقدة ولكن أتناول ما أقرأ ويروقني بروح الشاعرة
فائزه بنمسعود
22/10/2025
⸻






