“نوفمبر الثائر”….في ذاكرة المحابر والمنابر
إنها الذكرى 71 لاندلاع الثورة الجزائرية المجيدة،
وككلّ سنة يتم الاحتفال بأول نوفمبر تخليدا للذكرى وإحياء للذاكرة الوطنية وتجديد العهد والوفاء لشهدائنا الأبرار،وترسيخ قيم المواطنة وحب الوطن ،ومدّ جسور التواصل بين أجيال الماضي وأجيال المستقبل.
نوفمبر الأغرّ هو أول شرارة أطلقت من جبال الأوراس الأشمّ،وليس هذا فحسب، بل هوأول شرارة أيقظت الضمائر الوطنية،وبثت الوحدة في صفوف الشعب الجزائري والالتفاف نحو هدف أسمى وهونيل الاستقلال،و افتكاك الحرية التي سلبت منذ ما يقارب قرن ونصف،وطرد براثن الاستعمار من الأراضي الجزائرية، نوفمبرهو رمز من رموز الثورة المجيدة
وهو أول شرارة أوقدت لهيب الشعر في قلب الشعراء الجزائريين ومن ذلك شاعر الثورة الفذّ مفدي زكرياالذي أنظم قصيدة عن نوفمبر يقول فيها:
نوفمبر جلّ جلالك فينا ألست الذي بثّ فينا اليقينا؟
سبحنا على لجج من دمانا وللنصر رحنا نسوق السفينا
وثرنا نفجرّ نارا ونورا ونصنع من صلبنا الثائرينا
نوفمبر لم يكن مجرد ذاكرة تاريخية ،بل هو نقطة تحوّل غيّرت مسارثورة ومسيرة شعب وغيّرت نظرة العالم لهذه الثورة ،نوفمبر حمل القضية الجزائرية وجعلها قضيةجوهرية ومصيرية ذات أبعاد إنسانية واجتماعية،وفجرّ الثورة وأذاع صوت الشعب في كل المحافل الدولية،ورسخّ الوطنية وحبّ الانتصار ،والكفاح والنضال من أجل السيادة والحريةوهاهو شاعر الثورة(مفدي زكريا) يقول:
نوفمبر غيّرت مجرى الحياة وكنت -نوفمبر -مطلع فجر
ذكّرتنا في الجزائر بدرا فقمنا نضاهي صحابة بدر!
نوفمبر هو مسيرة كفاح ،ونضال طويل وعسير ، ليس حدثا تاريخيا فحسب بل هو مرجعية تاريخية لكل الشعراء والأدباء،هو قصة إلهام وتحدٍّ بالسّلاح واللّسان والقلم ،هو فعل مقاومة وصمود وتحرر من نير الاستدمار، وشموخ الرّجال والنساء في تحقيق النّصر والوجود.
وقدأنشد الشاعر محمد العيد آل خليفة في حفل إحياء الذكرى العاشرة لاندلاع ثورة التحرير في الفاتح من نوفمبر سنة1964 قصيدة رائعة يقول فيها:
نوفمبر وافاناوهل كنوفمبر درى
دارس الثورات فيما درى شهرا
نوفمبر عملاق الشهور ببأسه
وجبارها تحنى الرؤوس له جبرا
نوفمبر أذكى من فؤادي شعوره
وألهب إحساسي وألهمني الشعرا
نوفمبر جلى عن بلادي ظلامها
نوفمبر في آفاقها أطلع الفجرا
ففاتحه كان أعظم فاتح لنا
كسب التحرير وانتزع النصرا
ويقول شاعر المقاومة الأديب المجاهد صالح خرفي :
بايعت من بين الشهور ” نوفمبر”
ورفعت منه لصوت شعبي منبرا
شهر المواقف والبطولة قف بنا
في مسمع الدنيا وسجّل للورا
فلأنت مطلع فجرنا وزنّاد بركا
ن أثرت كمينه فتفجرا
دوّت بمطلعك الخضيب رصاصة
فاهتزّ البيضاء وانتشب الذّرا
وانداح فجرك عن مصبّ من دم
الأحرار،فانتعش الجديب وأزهرا
وتغنى الشاعر ضياء الدين بورزق بنوفمبر فقال:
دعْ عنك ما فات من شعر الزمان و دَعْ
كل المعلّقات وكلّ وشاح يخضع
ودع إلياذة الحب المقدّس في الخفا
فسِرُّ الإله في نوفمبر مودع
ويقول أيضا:
والشمس لاشرق ولاغرب لها
فقد كان في كل غمد لها مربع
نوفمبر ثارعلى الوجود بهيبة
منها كل ربع في الأكوان يرّوع
سفاح أرواح العدى في كل موطن
هو الصبح في كل ليل يطلع
نوفمبر قرآن الحروب رسولها
والوحي منه لكل نصر يرفع
لم تكن الثورة ثورة الشعب الجزائري فحسب بل كانت ثورة عربية إقليميةو كان نوفمبر هو صوت الثورة وقلبها النابض،نوفمبر حدثٌ اقترن بالثورة والمقاومة والدم وصوت الرصاص كما اقترن بالكلمة التي كانت تناضل وتقاتل إلى جانب البندقية ، هولحظة حاسمة في فكر الشعراء يجري في عروقهم تاريخ شعب ثائر فراحوا يتغنون بأمجاد الثورة وبطولات نوفمبر، في شتى أنحاء الوطن العربي ،واعتبروا ثورة الجزائر هي ثورة كل الشعوب التواقة للحرية وأن الجزائر جزء من الأمة العربية وأن النصر هو نصر للعرب جميعا ،يجمعهم تاريخ واحد ودين واحد ولغة واحدة ومصير واحد
وفي ذلك يقول الشاعر محمد الصالح باوية:
أوقفي التاريخ أنا نبع تاريخ جديد
يزرع الكون سلاما وابتساما وبطولات شهيد
من ضلوعي من دمي عبر الجزائر
من خطى طفل جرئ يحمل المدفع في أرض الجزائر
ويقول أيضا :
أوقفي التاريخ أنا حدث ثرّ،وكون لايحسد
يغرق التاريخ والكون يجرح يستجد
فبلادي ثورة بكرٌ…بأرضي بسمائي بكياني تستبد
يا أنا يا ثورتي…يا أغاني طفلتي …
نوفمبر ،هزّ نفوس الشعراء وأحسّوا بوقعه فَسرَت في قصائدهم روح جديدة مشحونة بقوة الثورة وحب الانتصار وجرت حمية دمائهم الثائرة كما يجري الحبر على الورق، فشقّت عباب البحار وبلغت عنان السّماء مدويّة كدويّ المدافع على أرض الأبطال،وأصبح نوفمبر الثورة والمآثر، وصوت الشعب الثائر، نوفمبر مصدح الحناجر، يعلو في المحابر والمنابر بقصائد شعر شغلت الدّنا ورسخّت ذكراه حدّ الفناء ،ليصبح محطة التقاءعهد قديم بماضيه ومآسيه،وعهد جديد بمستقبله وأمانيه.
سيبقى أول نوفمبر تاريخ غير قابل للنسيان ومازال -نوفمبر -يكبر في أعين الشعراء والأدباء يؤجج في نفوسهم العزيمة عاقدين العزم على الوفاء لنوفمبر وسائرين على خطى أبطال الثورة قاطعين عهدا على صون أمانة الشهداء والذود عنها وإعلاء صوت الحق في وجه كل من تُسوّل له نفسه المساس بحبّة رمل من ترابها، وتبقى الجزائر عروس الدّنا و مطلع المعجزات وحجّة الله في الكائنات، جزائر العزّة والكرامة.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار .
بقلم الأستاذة :وردة / ع
المراجع المعتمدة:
مفدي زكريا ،إلياذة الجزائر ،وزارة التربية الوطنية المعهد التربوي الوطني ،الجزائر
صالح خرفي،أطلس المعجزات،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع،الجزائر ،1968
محمد الصالح باوية،من ديوان ” أغنيات نضالية”
موقع المكتبة الشاملة https :// shamela.ws






