في مثل هذا اليوم12 نوفمبر1817م..
ميلاد بهاء الله، مؤسس الديانة البهائية.
بهاء الله هو حسين علي النوري (بالفارسية: ميرزا حسين علي نورى) (12 نوفمبر 1817م-29 مايو 1892م)؛ شارع الدين البهائي.
وفقًا لبهاء الله، إن الحياة الروحانية هي حقيقة الإنسان الجوهرية، وهي التي تميز الإنسان عن الحيوان. إن المنبع الحقيقي لسعادة البشر الدائمة يكمن في تطوير الإنسان لحقيقته الجوهرية وتنميتها. ولكن لا يمكن للبشر إدراك هذا الجانب الروحاني بمعزلٍ عن التعاليم الإلهية، لذا، يقدم مؤسسو الأديان المعرفة والممارسات التي تساعد الأفراد على تطوير الجانب الروحاني لطبيعتهم الإنسانية. جاءت تعاليم بهاء الله لتفتح الآفاق إلى رؤية البشر على أنهم كائناتٌ روحانيةٌ في الأساس، وأن هدف الدين هو تآلف القلوب بمحبتهم لبعضهم البعض واتحادهم لازدهار ورفعة تقدم البشرية جمعاء. دعى بهاء الله الإنسان إلى عيش حياةٍ قوامها المبادئ الروحانية، والتي يمكن من خلالها إيجاد الحلول لكل مشكلةٍ اجتماعيةٍ. فالبشرية تمتلك كل ما تحتاجه لحل التحديات التي تواجهها ماديًا، وما لا تزال تفتقر إليه هو وضوح البصيرة الروحانية لما هو ممكنٌ، والنضح الروحاني للعمل بشكلٍ موحدٍ لفعل ما يجب القيام به لتحقيق الوحدة، من خلال تنوعها المذهل. لذا، جاء بهاء الله برؤيةٍ عالميةٍ للجنس البشري قائمة على الوحدة والسلام؛ فنادى بضرورة تكوين نظامٍ عالميٍ فاعلٍ متمحورٍ حول الله الواحد الأحد، وأن يكون متحدًا مسالمًا، يتمكّن فيه كل فردٍ من تنمية طاقاته المادية والروحانية والفكرية والعاطفية إلى أعلى مستوى، يُقدّم فيه الجميع كأفرادٍ وكجماعاتٍ مساهمتهم لخير الجميع.
أعلن بهاء الله بأن الهدف الرئيس لرسالته هو تحقيق وحدة الجنس البشري. لذلك، تكمن ثلاثة أشكالٍ من الوحدة في جوهر رسالته: الإيمان بوحدانية الله وفردانيته وأنه خالق الكون ومبدعه، والإيمان بوحدة الجنس البشري قاطبةً، والإيمان بأن جميع الأديان السماوية ومؤسسيها هم إلهيو المصدر ويعكسون للبشرية دينًا إلهيًا واحدًا في جوهره، ويستمر متجددًا من عصرٍ إلى عصرٍ تبعًا لتطور البشرية ومدى استعدادها وقابليتها.
كان بهاء الله من أوائل وأشد المؤيدين للباب؛ وهو شابٌ فارسيٌ أعلن أن الوحي نزل عليه من السماء برسالةٍ جديدةٍ وهي البابية، داعيًا ومبشرًا بقرب مجيء موعود كل الأديان، والذي أسماه بـ “مَنْ يُظهِرُهُ الله”. مع انتشار الدعوة البابية، قام المعارضون من رجال الدين الإسلاميين والسلطات المدنية الإيرانية بحملةٍ شرسةٍ لمعارضة البابية خوفًا من تنامي نفوذها. بعد أن قام المعارضون بإعدام الباب وأغلب الشخصيات البارزة، سُجن بهاء الله باعتباره بابيًا عام 1852م. خلال فترة سجنه، نُزِل عليه الوحي الإلهي لأول مرةٍ وأعلن سرًا لأتباعه بأنه موعود كل الأديان. ومن ثم، قام شاه إيران بنفيه إلى العراق؛ وعلى مدى أربعين عامًا، نُفي وسُجن بهاء الله عدة مراتٍ من قِبل السلطان العثماني، مما أدى أخيرًا إلى سجنه في مدينة عكاء. وفي عام 1863م، وقبل نفيه من العراق، أعلن بهاء الله دعوته العلنية بأنه موعود كل الأزمان وهو الذي بشّر به الباب بـ “مَنْ يُظهِرُهُ الله”. قام بهاء الله بتدوين تعاليمه وأحكام الدين البهائي في صحفٍ، وكتبٍ، ورسائل، وسورٍ، وألواحٍ عديدةٍ تُعدّ بالآلاف. توفي بهاء الله عام 1892م ودفن بالقرب من مدينة عكاء التي أصبحت بعد ذلك وجهة الحج لأتباعه، وتُعرف اليوم بـ الروضة المباركة. انتشر الدين البهائي أثناء حياة بهاء الله إلى كلٍ من مصر وسوريا والأناضول القوقاز وآسيا الوسطى والهند. واليوم، يقيم البهائيون – نسبةً إلى بهاء الله ودينه – في كل مكانٍ في العالم، وعددهم بالملايين.
يعتبر البهائيون بهاء الله مظهرًا إلهيًا من مظاهر أمر الله مثله مثل بوذا، وعيسى، ومحمد، وغيرهم الذين خصهم الله وأنزل عليهم الوحي ليكونوا همزة الوصل بينه والبشر. من منظور تعاليم بهاء الله، فإن الله قد أرسل منذ فجر التاريخ سلسلةً من هؤلاء المربيين الإلهيين في كل الأزمنة وكافة بقاع الأرض لتربية الجنس البشري تربيةً تحقق نموًا روحيًا وأخلاقيًا واجتماعيًا وفكريًا أسمى. يعتقد البهائيون أن بهاء الله هو آخر مظاهر الوحي الإلهي لهذا الزمن، وليس الأخير، وأنه من خلال تعاليمه يمكن للإنسان أن يصل إلى مستوىً أعلىً من الوحدة والنضج الجماعي وتحقيق السلام العالمي. تقوم تعاليم بهاء الله المكتوبة على إرساء وتعزيز مبادئ إنسانيةٍ نحو وحدانية الله، دين الله واحد، وحدة الجنس البشري، التعليم الإجباري، نبذ التعصبات، المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة، التوافق بين العلم والدين، ابتكار وسائل لخلق عالمٍ موحدٍ يعمّ فيه سلامٌ مستدامٌ. بسبب تعاليمه، واجه بهاء الله التعذيب والنفي والسجن دامت أربعة عقودٍ، لكنه ترك مجموعةً كبيرةً من الصحف والألواح والكتب التي تشرح تعاليم دينه. تمت ترجمة أعمال بهاء الله الكتابية إلى أكثر من 800 لغةٍ في العالم ونُشرت حتى اليوم في أكثر من 200 دولةٍ.
في عام 1877م سُمح لبهاءالله بمغادرة عكا، رغم أنه كان لا يزال سجينًا. ومع تعرّف السكان العرب على حقيقة رسالة بهاء الله، بذلوا أقصى درجات الاحترام والوقار تجاهه. وبعد قضاء أربعين عامًا في السجون، عاش لأول مرةٍ لمدة عامين تقريبًا في قصرٍ في شمال عكا يُدعى «قصر المزرعة»، ثم عاش في «قصر البهجة» من عام 1879م حتى وفاته عام 1892م. في آخر تسعة عشر عامًا من حياته، كتب بهاءالله أعمالًا مهمةً، بما في ذلك لوح الإشراقات، ولوح التجلیات، ولوح الطرازات، والتي شرح فيها المبادئ الأخلاقية والروحية للنظام العالمي، بما في ذلك سيادة القانون والطاعة للحكومة، وفصل الدين عن السياسة، واختيار مبدأ مشتركٍ للغةٍ وخطٍ عالميٍ، وتحريم الجهاد، وضرورة تعليم وتربية الأطفال، وتعزيز وحدة الجنس البشري، وتحقيق السلام العالمي.
جواز سفر بهاء الله عام-1853
توفي بهاء الله بحمىً خفيفة في «قصر البهجة» في 29 مايو 1892م عن عمرٍ يناهز 75 عامًا، ودُفن في باحة قصر البهجة. يُعتبر مكان دفن بهاء الله والمعروفة بـ «الروضة المباركة» من أقدس الأماكن للبهائيين في العالم، ويعتبر كذلك قبلة البهائيين في صلاتهم. انتشر الدين البهائي أثناء حياة بهاء الله إلى كلٍ من مصر وسوريا والأناضول القوقاز وآسيا الوسطى والهند. واليوم، يقيم البهائيون – نسبةً إلى بهاء الله ودينه – في كل مكانٍ في العالم، وعددهم بالملايين.
الإعلان العالمي
بعد إعلان بهاءالله عن الدين الجديد ونفيه إلى أدرنه بدأ بإعلان رسالته على نطاق عالمي. فمن سبتمبر 1867، بدأ في إرسال رسائل إلى رؤساء الدول وملوك ذلك الوقت وشخصيات سياسية ودينية مهمة. في هذه الرسائل، يتحدث بهاء الله عن بداية عصر جديد مُعلناً بكل جلاء عن مقامه. لقد حذر أولاً من أن النظام العالمي الحالي سيشهد العديد من الاضطرابات السياسية والاجتماعية. وفي رسائله، دعا بهاء الله الحكام المهيمنين على أمم أوروبا على وجه الخصوص لجعل السعي وراء وحدة العالم هدفهم الأساسي، ودعاهم إلى إنشاء مجلس عالمي لإنهاء الحروب، مؤكداً على أن السلام الدائم لا يمكن تحقيقه إلا من خلال العمل الجماعي. ووفقًا لرسائله، فقد سخر الله من أجل ذلك قوى استثنائية لا يمكن لأحد ايقافها، وفوض السلطة والمسؤولية لرؤساء الدول لتوحيد العالم وتحقيق العدالة الاجتماعية والسلام العالمي؛ وأشار أن الحكومات التي ستقاوم تحقيق هذا السلام ستُغرق نفسها والأمم الأخرى في هاوية الاندثار.
بعد نفيه وسجنه في عكا، استأنف بهاء الله إرسال الرسائل إلى رؤساء الدول، والتي تأخرت لبعض الوقت بسبب نفيه من أدرنة. خلال هذه الفترة كتب رسائل إلى لويس نابليون إمبراطور فرنسا، فيكتوريا ملكة إنجلترا، الإسكندر الثاني، قيصر روسيا، ناصر الدين شاه قاجار ملك بلاد فارس، والسلطان عبد العزيز الخليفة العثماني. بعض القادة الآخرين مثل الإمبراطور الألماني فيلهلم الأول، وفرانسوا جوزيف ملك النمسا والمجر، والرؤساء الأمريكيين، تم مخاطبتهم لاحقًا في الكتاب الأقدس. دعا بهاء الله في هذه الرسائل قادة الدول إلى العمل معًا لإنشاء محكمة عدل دولية لتحقيق السلام وحل الخلافات بين الأمم. ويقول بهاء الله إن هذا المجلس العالمي يجب أن يدعمه جيش عالمي مكون من دول أعضاء للقيام بالتسوية السلمية للنزاعات الدولية.
تتضمن الرسائل أيضًا إرشادات وآليات لخلق مفهوم الشعور بالانتماء إلى شعوب العالم نحو مجتمع مشترك. تتمثل إحدى هذه الآليات في اختيار أو إنشاء لغة (وخط كتابة) عالمية بحيث يمكن للأشخاص في مختلف البلدان التواصل مع أشخاص من أعراق وأمم أخرى، مع الحفاظ على هويتهم الثقافية. ومثال آخر من هذه الإرشادات هو نظام تعليم إلزامي إجباري وشامل من شأنه القضاء على الأمية، أو نظام دولي متساوٍ من الأوزان والمعايير وهو الذي سيخلق حوكمة عالمية في الاقتصاد. في عالم يسوده الأمن الجماعي، سيتم تخفيض الإنفاق العسكري والتسليح للدول بشكل كبير وسيتم إنفاق عائدات الضرائب على الرعاية الاجتماعية. كما دعت الرسائل رؤساء الدول إلى الالتزام بالمبادئ الأساسية للديمقراطية في شؤونهم الداخلية.
كتب بهاء الله أيضًا رسائل مؤثرة إلى القادة الدينيين، بما في ذلك البابا بيوس التاسع، يحثهم فيها على التمعن في رسالته وتحري حقيقة دعوته، ونبذ الأفكار الدوغمائية والتعصب الديني، والقضاء على الطقوس غير الضرورية. كما حذرت الرسائل القادة الدينيين من أن الزعماء الدينيين كانوا في الأساس أول من ينكر ويضطهد الأنبياء والمرسلين. في رسالة وجهها إلى البابا التاسع، نصحه بهاء الله بالتنازل عن هيمنته على الدول الكنسية للحكومات الوطنية، والالتقاء بقادة غير الكاثوليك من قصر الفاتيكان المنعزل، ودعوة رؤساء الدول إلى السلام والعدل والتخلص من الطقوس الزائدة التي تجمعت حوله. كما نصح القساوسة الكاثوليك بالتحرر من عزلة الكنائس والجماعات، والزواج والانخراط في خدمة المجتمع وما يفيدهم ويعود بالنفع على عموم الناس.
كما كتب بهاء الله رسائل إلى بعض رجال الدين الإيرانيين البارزين. في هذه الرسائل، ألقى عليهم باللائمة في تهاوي الإسلام وأدانهم بشدة لقمعهم وقتلهم للبهائيين. في رسالة إلى ناصر الدين شاه، طلب إعطائه الفرصة لإثبات حقيقة دعوته في حضور الشاه ورجال الدين. تنص هذه الرسالة على أن العلماء أهملوا الأمور وبدلا من السعي في تقدم الأمة وازدهارها، انكب اهتمامهم على التشهير بالبابيين وقتلهم ونهب ممتلكاتهم. في الرسالة نفسها دعا بهاء الله إلى العدالة والتسامح الديني وذكّر الملك أن عليه أن يطمح إلى ايجاد التعايش بين جميع الأديان في مملكته وتنعم بالعدالة. كما أكد للشاه أنه وفقًا لتعاليمه، يمتنع البهائيون عن أي شكل من أشكال العنف أو الفساد. أعطى الشاه الرسالة إلى الملا علي كَني ورجال دين آخرين في طهران للرد. ترك رجال الدين الرسالة دون إجابة. أرسل الملا علي كَني رسالة إلى رئيس الوزراء آنذاك، مستوفي الممالك، مفادها أنه لا يوجد لديه رد على الرسالة، وأن إجابته وأن إجابته مماثلة لما فعله الشاة بحامل الرسالة (تم قتل حامل الرسالة بعد تعذيبه لمدة ثلاثة أيام). وإذا كان لدى الشاه أي شكوك حول الإسلام، يجب على الملا علي كَني اتخاذ الإجراءات اللازمة لإزالة شكوكه. ثم طلب كَني من الملك أن يطلب من السلطان العثماني أن يكون صارمًا للغاية مع بهاء الله وأن يغلق جميع سبل الاتصال به.
وقد لاقت هذه الرسائل الاهتمام فيما بعد بسبب النبوءات الهامة الواردة فيها. فلويس نابليون أقوى حكام أوروبا في ذلك الوقت، تم بأنه سيطاح به وسيخسر أراضيه بسبب إساءة استخدام السلطة والنفاق والرياء، وبعد عامين هُزم في معركة سيدان، وأُسقِطت مملكته ونُفِي من وطنه، وتحولت الحكومة الفرنسية إلى جمهورية. بعد ذلك، تلقى الإمبراطور الألماني فيلهلم الأول الذي هزم نابليون، تحذيرًا مماثلاً. كما تم توجيه تحذيرات لقيصر روسيا وشاه إيران وفرانسوا جوزيف. وجه بهاءالله أوضح وأقوى إنذارات إلى المسؤولين العثمانيين حين كان معتقلا في سجون الدولة العثمانية، وأرسل رسائل بين عامي 1868 و 1869 إلى عالي باشا (المستشار) وفؤاد باشا (وزير الدولة). وتنبأ في هاتين الرسالتين بزوال كل منهما؛ فكانت الإطاحة بالسلطان عبد العزيز نفسه، وخسارته الأراضي الأوروبية بسبب إساءة استخدام السلطة المدنية وسوء الإدارة والقمع والمعاناة التي لحقت به وأتباعه. وقد توفي الوزيران بعد ذلك بوقت قصير في عامي 1869 و 1871 بينما كانا لا يزالان في الخمسين من عمرهما. كما أُطيح بالسلطان عبد العزيز وانتحر أو قُتل عام 1876، وفي النهاية أدت الحرب العثمانية المأساوية مع روسيا بين عامي 1877 و 1878 إلى خسارة بعض الأراضي الأوروبية العثمانية. كما أشار بهاء الله في الكتاب الأقدس إلى استبداد وعدم كفاءة الإمبراطورية العثمانية وسقوطها في المستقبل.
آثار بهاء الله الكتابية
كتب بهاء الله العديد من الكتب والرسائل والألواح والأدعية طيلة حياته. تم التعرف على حوالي 15,000 أثرٍ مكتوبٍ عن بهاء الله. ومن بين أعماله العظيمة والمهمة كتاب الإيقان، والكتاب الأقدس، والكلمات المكنونة، والوديان السبعة، والوديان الأربعة، وجواهر الأسرار، وألواح الملوك والسلاطين. في آخر تسعة عشر عامًا من حياته، كتب بهاء الله أعمالًا مهمةً، بما في ذلك لوح الإشراقات، ولوح البشارات، ولوح التجلیات، ولوح الطرازات، والتي شرح فيها المبادئ الأخلاقية والروحية للنظام العالمي، بما في ذلك سيادة القانون والطاعة للحكومة، وفصل الدين عن السياسة. واستمر في كتاباته التي تعتبر المصدر الأول للتشريع والروحانيات والنظام الإداري البهائي، وقام بتدوين تعاليمه وأحكام الدين البهائي في صحفٍ، وكتبٍ، ورسائل، وسورٍ، وألواحٍ عديدةٍ تُعدّ بالآلاف. تمت ترجمة أعماله إلى أكثر من 800 لغةٍ في العالم ونُشرت حتى اليوم في أكثر من 200 دولةٍ.
أكدت كتابات بهاء الله مرارًا أن رسالته موجهةٌ إلى جميع البشر، وأن الغرض من تعاليمه هو إعادة بناء العالم والنهوض بالإنسانية جمعاء، وستفتح رسالته عهدًا جديدًا في تاريخ البشرية لتعيش في تناغمٍ وانسجامٍ وتعايشٍ. نادى بهاء الله صراحةً بمبدأ وحدة الجنس البشري، وحثّ رؤساء الدول على العمل معًا لحل النزاعات القائمة وتحقيق السلام، والحفاظ عليه من خلال خلق الأمن الجماعي. كما دعا إلى اعتماد لغةٍ وكتابةٍ دوليةٍ من أجل تحقيق مجتمعٍ عالميٍ موحدٍ، وتعزيز نظام التعليم العام والإلزامي، وإنشاء عملةٍ وقياسٍ واحدٍ. أكّد بهاء الله في تعالميه على نبذ التعصبات الدينية والعرقية وتجنب القومية المتطرفة. ذكر بهاء الله في كتاباته أن الرجل والمرأة متساويان عند الله ولا تفوّق لأحدهما على الآخر. دعى في تعاليمه بقوةٍ إلى تحرير المرأة، وحظر العديد من الممارسات التمييزية ضد المرأة؛ مثل الزواج المؤقت، أو الزواج القسري، وزواج الفتيات تحت سن الخامسة عشر، والطلقات الثلاث، كما أن تركيزه على تعليم الفتيات هو مثالٌ آخرٌ على دعمه لتحسين وضع المرأة.
نبذ كل أنواع التعصبات
الدين البهائي يشجّع القبول والانفتاح الثقافي والديني. يعتقد البهائيون بأن قبول مبدأ وحدة الجنس البشري يتطلب القضاء على جميع أنواع التحيزات والتعصبات بما في ذلك العنصرية والطبقية والعرقية والدينية والجنسية وغيرها من التحيزات. تشير المصادر البهائية إلى أن التحيز يؤدي إلى تشكيل صورةٍ خاطئةٍ عن الآخرين ولا تسمح للأفراد برؤية جميع البشر على أنهم متساوون ونبلاء.
تنشأ التعصبات أساسًا في العقل البشريّ. عادةً ما يحدث التحيّز عندما يشعر الشخص بإحساسٍ قويٍ بالانتماء إلى مجموعةٍ وتفوقها على الآخرين، ويطوّر صورةً سلبيةً عن الآخرين، بغض النظر عن خصائصهم الفردية التي تميزهم. يعتقد البهائيون أنه من أجل مكافحة مختلف أشكال التعصبات، يجب تنمية أنماط من التفكير واللغة والعمل التي تعزز وحدة الجنس البشري. وتؤكد الكتابات البهائية على الوحدة البيولوجية والروحية للبشرية. كتب بهاء الله:
«كلّكم أثمار شجرة واحدة وأوراق غصن واحد. فلتسلكوا معًا بكمال المحبة والاتّحاد والمودة والاتّفاق».
تنص الكتابات البهائية على أنه بما أن الجنس البشري هو وحدة عضوية موحدة، فجميع الناس لديهم نفس القدرات الأساسية، وأن الاختلافات الظاهرية، مثل لون الجلد، تعتبر سطحيةً، ولا تجعل مجموعةً عرقيةً متفوقةً على أخرى، بينما تثري تنوع الجنس البشري.
تطابق العلم والدين
الانسجام بين العلم والدين هو أحد المبادئ الأساسية للبهائيين. إن الكتابات البهائية لا ترى أن العلم والدين متناقضان، ولكنها تؤكد الانسجام الأساسي بين الأثنين. توضح كتابات بهاء الله أن الحقيقة واحدة، وأن العلم والدين وسيلتان لمعرفة الحقيقة وفهمها. في وجهة نظر البهائيين، يجب الرجوع إلى كلٍ من العلم والدين لفهم الحقائق. فالدين والعلم هما مصدران للمعرفة ويلعبان دورًا مكملًا، ويساعدان معًا على تحقيق تقدم الحضارة.
لقد أكد عبد البهاء أن العلم بدون الدين يؤدي إلى المادية البحتة، والدين بدون العلم يؤدي إلى الخرافات؛ كما أكد أن قوى التفكير والتحليل مطلوبة لفهم حقائق الدين. وأدان عبد البهاء الحضارات القائمة فقط على المعتقدات المادية وقال بأنها ستؤدي إلى مشاكل أخلاقية وتنهار في النهاية.
التعليم العام الإلزامي
هناك تركيزٌ قويٌ على أهمية التعليم في الكتابات البهائية، ويعتبر التعليم أحد العوامل الرئيسية في التطور الروحي والمادي للفرد والمجتمع. تنص كتابات بهاء الله على أنه من خلال التعليم يتم تنمية قدرات الأفراد وصقل مواهبهم. ويعتبر تعليم الأطفال من أحد الواجبات الرئيسية للوالدين في الدين البهائي فهو إلزاميٌ ولا يمكن التهاون فيه، مع التركيز بشكلٍ خاصٍ على تعليم البنات لأنهم كأمهات سيربون الجيل الواعد في المستقبل.
وتؤكد تعاليم بهاء الله على ضرورة التربية الروحية والأخلاقية إلى جانب التعليم الإنساني أي اكتساب المعرفة وتعلم الفنون والحرف. فقد كتب بهاء الله أن القدرات الروحية لكل فرد لا يمكن أن تتحقق بدون التعليم الروحي، وبالتالي يحتاج الأطفال إلى التعليم الروحي الديني منذ مرحلة مبكرة. والغرض من التعليم هو تمكين الأفراد لخدمة المجتمع. وبتشجيع وتوجيه من عبد البهاء نشط البهائيون في إنشاء مدارس جديدة للفتيات والفتيان في إيران في أواخر القرن التاسع عشر، واستقبلوا فيها جميع الناس بغض النظر عن الدين أو الجنس، وكان تعليم الطلاب العلوم والفنون الحديثة إلى جانب المبادئ الأخلاقية موضع اهتمام هذه المدارس.
القضاء على الفقر المدقع والثراء المفرط
تؤكد كتابات بهاء الله على الترابط بين الأفراد كجزءٍ من مجتمعٍ واحدٍ، وتنظر التعاليم البهائية في ضرورة القضاء على الفقر المدقع والثروة الهائلة لتحقيق توازن في الأسرة البشرية وبناء مجتمعٍ عالميٍ قائمٍ على أسس المحبة والسلام والعدالة. ولكن لم يتم تعزيز توحيد الثروة وتحقيق المساواة الاقتصادية الكاملة بين الناس كما أكد عليها الشيوعية، فباعتقاد البهائيين هذا التوحيد مستحيلٌ ويضر بالمجتمع الإنساني. أشار عبد البهاء إلى أن الفقر والثراء الفادح غير مسموحان به في مجتمعٍ رحيمٍ، لأن الفقر يضعف معنويات الناس والثراء المفرط يثقل كاهل الناس، والثروة في حد ذاتها ليست شرًا، ويمكن استخدامها في الخير ورخاء الآخرين. ذكر بهاء الله في «الكلمات المكنونة» أنه يجب على الأغنياء رعاية الفقراء، فالفقراء أمانةٌ إلهيةٌ.
صرح بهاء الله وعبدالبهاء بأنه للقضاء على الفقر المدقع والثراء المفرط هناك حاجة إلى تمهيد أنظمة اقتصادية مناسبة وكذلك تعزيز الشعور بالمسؤولية والاهتمام الاجتماعي لدى الأفراد. يعتقد البهائيون بأنه يجب إنفاق الموارد المادية للمجتمع البشري على المدى الطويل من أجل رفاهية عامة الناس، وليس المصالح قصيرة الأجل والتي تقتصر على أقلية معينة، ويجب استبدال ثقافة المنافسة والاستهلاك والجشع بالمشاركة والتعاون والخدمة. تؤكد التعاليم البهائية على العمل بروح الخدمة، وعدم التأثر بالماديات، والالتزام بالصفات الأخلاقية كالصدق والنزاهة والجدارة بالثقة في ممارسة الأنشطة الاقتصادية. ومن الأحكام التي تساعد على تحقيق التوازن بين الأولويات المادية والأساسية هو حكم حقوق الله، حيث يتبرع الفرد البهائي بتسعة عشر بالمائة من دخله سنويًا لإنفاقها على الصالح العام بعد وضع المصاريف الأساسية جانبًا.
وجود لغة عالمية مشتركة
ترى التعاليم البهائية ضرورة تطوير لغة التواصل بين الشعوب في جميع أنحاء العالم كجزءٍ حيويٍ للوصول لوحدة العالم وتحقيق السلام. صرّح بهاء الله أن الافتقار إلى لغةٍ مشتركةٍ هو عائقٌ رئيسيٌ أمام الوحدة العالمية لأن نقص التواصل بين الشعوب من مختلف اللغات يقوّض الجهود المبذولة لتحقيق السلام العالمي ويسبب سوء الفهم؛ وقد حثّ على أن تختار البشرية لغةً مساعدةً يتم تدريسها في المدارس بالإضافة إلى اللغة الأم، حتى يتمكن الناس من فهم بعضهم البعض. وصرّح أيضًا بأنه إلى أن يتم اعتماد لغة مساعدة عالميًا، فإن الوحدة الكاملة بين مختلف أجزاء العالم ستظل غير محققة.
شدّد بهاء الله على أنه يجب ألا تقمع اللغة المساعدة اللغات الأصيلة الموجودة في الثقافات المختلفة في العالم، وأن مفهوم الوحدة في التنوع يجب تطبيقه على اللغات أيضًا. تنص التعاليم البهائية على أن عدم التجانس الثقافي يتوافق مع الوحدة، وأنه في الوقت الحاضر في تاريخ البشرية يجب احتضان التنوع الثقافي لأن الإنسانية تثريها الثقافات المختلفة المتأصلة في جميع أنحاء العالم. تنص التعاليم البهائية أيضًا على أن وجود لغة مساعدة دولية سيزيل الضغط من تعظيم لغات الأغلبية وبالتالي الحفاظ على لغات الأقليات، وبذلك سيحتفظ كل شخصٍ بلغته الأم، وبالتالي تبقى ثقافات الأقليات على قيد الحياة.
تأسيس السلام العالمي
يقول المبدأ الأساسي في تعاليم بهاء الله بأن عالم الإنسان واحدٌ، وأن عصر السلام والوحدة الذي وعدت به الأديان السماوية أصبح الآن في المتناول. لذا، كثيرٌ من تعاليم بهاء الله تحث أهل العالم على ضرورة العروج في وعيهم وضمائرهم وتفكيرهم إلى معايير أرقى ونهج أسمى في السلوك الإنساني. تشجّع التعاليم البهائية التحول الفردي والاجتماعي على أساس دراسة وتطبيق المبادئ الأخلاقية والقيم الروحية. وفي ذلك يعمل البهائيون على التعرف على المبادئ الأساسية لمجتمعٍ سلميٍ متناغمٍ، وإيجاد طرقٍ عمليةٍ لتطبيق هذه المبادئ ومشاركتها مع الآخرين.
إن تحقيق السلام العالمي هو أحد أهداف البهائيين الأساسية، وفيه دعوةٌ للبشرية لقبول مبدأ وحدة الجنس البشري وفضّ النزاعات والحروب عالميًا، من خلال العمل المشترك القائم على قبول مبدأ الوحدة في التنوع، ومساواة البشر، والعدالة، والمساواة بين الجنسين، على المستويين المحلي والدولي. إن المبادئ الأخرى التي يربطها البهائيون بتحقيق السلام العالمي تشمل العدالة الاقتصادية، والقضاء على الفقر المدقع والثراء المفرط، والقضاء على جميع أشكال التحيزات والتعصبات، والتعليم العام الإلزامي، وكذلك التوافق بين العلم والدين، واختيار لغة عالمية واحدة يتعلمها الجميع بالإضافة إلى لغتهم الأم لتسهيل التواصل الدولي.!!!!






