أعلنت السلطات الفرنسية عن جولة جديدة في سياق حملة واسعة النطاق، ضمن ما أسمته إجراءات “مكافحة النزعات الانفصالية والتطرف”، قامت خلالها بتفتيش وإغلاق مساجد ووضع دور عبادة إسلامية تحت المراقبة وحلّ مجموعة يمينة متطرفة.
وقال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، إن السلطات قد قامت بإغلاق 17 مسجدا بشكل مؤقت، مشيرا إلى أن عمليات تفتيش مرتقبة ستشمل 89 مسجداً يشتبه في كونها “انفصالية”، من بين 2500 مسجد في عموم فرنسا.
وقال الوزير خلال استجواب برلماني في مجلس الشيوخ، إن قرارات اغلاق بعض دور العبادة كان استنادا لقانون “انتهاك قواعد الأمن التي يجب اتباعها في الأماكن المتاحة للعامة”، حيث تم إغلاق 14 مسجداً بسبب عدم الامتثال لمعايير السلامة والبقية لأسباب تتعلق بالخطاب المتطرف، من بينها 10 مساجد في منطقة الحوض الباريسي.
وتدرس اللجنة القانونية في مجلس الشيوخ الفرنسي مشروع القانون ضد “الانفصالية”، والذي اعتمدته الجمعية الوطنية في القراءة الأولى في فبراير الماضي.
وتشمل الإجراءات، مشروع قانون واسع النطاق يسعى إلى منع التطرف، من قبيل قيود على التعليم في المنزل، وفرض عقوبات أشد على من يرهب المسؤولين الحكوميين لأسباب دينية. ويجرم مشروع القانون، مشاركة المعلومات الشخصية للأفراد بطريقة تسمح للآخرين الذين يريدون إيذاءهم بتحديد مكانهم.
وتنص المادة 44 من هذا القانون على “إغلاق دور العبادة لمدة شهرين في حال صدر عنها خطب أو أنشطة تحرض على الكراهية أو العنف أو تهدف إلى تشجيعها”.
وحذر الوزير دارمانان من أنه “عندما يتم إقرار القانون رسميا، سأقوم من خلال أجهزة وزارة الداخلية بتنظيم السيطرة على 89 دار عبادة انفصالي في الأسابيع التالية”.
وكان القضاء الإداري الفرنسي قد أقر، في 27 أكتوبر الماضي، قرارا حكوميا بإغلاق مسجد ضاحية “بانتان” الباريسية لمدة 6 أشهر، لأنه أعاد نشر فيديو على صفحته على وسائل التواصل الاجتماعي، فيه تحريض على قتل المدرس صامويل باتي، على يد شاب شيشاني متطرف يبلغ من العمر 18 عاما، في 16 أكتوبر الماضي بمدينة كونفلان سانت أونورين، شمال باريس.
سياسات جذرية
ومنذ مقتل المدرس صامويل باتي في أكتوبر الماضي لم تتوقف الإجراءات الفرنسية لمناهضة ما تسميه بـ”التطرف والانفصالية”، مما يوحي بأن الحملة الفرنسية ضد الجماعات المتطرفة لن تتوقف عند بعض الإجراءات الإدارية.
وفي هذا السياق يقول الباحث في الجماعات الإسلامية في فرنسا، هادي يحمد: “يبدو أن توجه إدارة إيمانويل ماكرون أكثر جذرية في مواجهة الجماعات الإسلامية، خلافاً للتجارب التاريخية السابقة للإدارات الفرنسية”.
وأضاف: “طوال العشريات الأخيرة وقعت العديد من الإجراءات من أجل تحجيم ومحاصرة ظاهرة الإسلام السياسي التي تنخر المجتمع المهاجر من أصول مسلمة في فرنسا، غير أن هذه الإجراءات بقيت في غالبها ظرفية أو أمنية فحسب على غرار حملة شارل باسكوا على الجمعيات الجزائرية الاسلامية المرتبطة بالجماعة الاسلامية المسلحة التي انتشرت في فرنسا في التسعينات مع صعود الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر أو بعض القوانين المحدودة كقانون ستازي الذي يمنع الزي الطائفي الإسلامي والرموز الدينية في المعاهد الفرنسية”.
ويتابع يحمد في حديث مع سكاي نيوز عربية: “كل الاجراءات السابقة بقيت في غالبها ظرفية ومحدودة أو ذات طابع أمني وهو ما يدفعنا اليوم إلى طرح سؤال جدوى الإجراءات الفرنسية الأخيرة، خاصة مشروع قانون محاصرة ما يسمى “بالانفصالية الإسلامية”، والتي هي تعبير يقصد منه كل المشروع المجتمعي الانعزالي الذي عملت جمعيات الإسلام السياسي تركيزه في فرنسا.
وأضاف: “كان من الواضح أن العمليات الإرهابية الأخيرة زادت من الحاجة إلى الحسم في هذا الملف بالنسبة للنخب الفرنسية والرأي العام الفرنسي، وقدمت المبررات الكافية لعرضه على البرلمان بالنسبة للسلطة السياسية، غير أن ما تمّ من خلط عقب هذه الأحداث من قبل أنصار الإسلام السياسي وآلته الإعلامية حول قضية “ما اعتبروه مساسا بالمقدسات” أظهر شيئا مهما أن المعركة مع الإسلام السياسي ليست بالسهلة ولا الهينة”.
ويرى يحمد أن كل هذه الإجراءات “تمس فقط الجانب الأمني والإجرائي ولا تمسّ جوهر مضمون المشروع الفكري والثقافي للإسلام السياسي المنتشر في المساجد الفرنسية وهذا جوهر عملية الانعزال أو الانفصال الذي من الصعب مواجهتها بمجرد إجراءات أمنية أو قضائية”.
الانفصالية اليمينة
وفي سياق متصل، أعلن وزير الداخلية الفرنسي حل مجموعة “جيل الهوية” اليمينية المتطرفة بتهمة “التحريض على التمييز والكراهية والعنف”.
ونشر الوزير في تغريدة نص مرسوم الحل، والذي أشار إلى أنه “يجب النظر إلى هذه المجموعة وبعض ناشطيها على أنهم يحرضون على التمييز أو العنف حيال الأفراد بسبب أصولهم أو عرقهم أو ديانتهم”، و”وفقا لتركيبتها وتنظيمها العسكري يمكن اعتبارها ميليشيا خاصة، وذات روابط مع جماعات من اليمين المتطرف تتلقى منها المجموعة دعما لوجيستيا ومدافعة عن أيديولوجية تدعو إلى التمييز والعنف والكراهية باسم نظريات عنصرية أو تؤمن بالتفوق”.
وكانت الحكومة الفرنسية قد بدأت في إجراءات حل المجموعة اليمنية منذ منتصف فبراير الماضي، وأمهلت المجموعة عشرة أيام للطعن في التهم الموجهة إليها.
وقامت السلطات الفرنسية خلال العام 2019 بحل العديد من الحركات اليمينية المتطرفة المعادية للمهاجرين والأجانب، من بينها حركة “المعقل الاجتماعي” ومجموعة “دم وشرف” ومجموعة “كومبا 18”.
Discussion about this post