ا========= كيف تكتب الخاطــــــــــــــــرة الأدبية ا===========
الخاطرة كفوف مقرحة لكاتب مبدع وقلب قارئ رهيف
ا======= أ. حمد حاجي..
أولا و قبل البدء :
ا======= الخلط بين القصة والخاطرة ====
تعتبر قصة (الحلية) لجي دي موبسان قصة قصيرة جامعة لخصائص ومقومات القصة.. سانطلق منها تحليلا وتأويلا..
إذ اجتمعت آراء النقاد في العالم بأكمله علي أن هذه القصة هي:
النموذج الكامل للقصة القصيرة.. قد نتفق معهم أو نختلف لحد لكن لماذا ؟!!
أولا لانها تبرز لنا تلك الخصائص والمقومات واضحة:
تتوافر فيها:
-الشخوص.. والشخصيات على اختلاف وظائفها..
-وتتوضح الأمكنة فيها صريحة..
-ويتبلور فيها الزمان واضحا مقتطفا مختطفا بحنكة
-وتظهر جلية المسوغات المنطقية للأحداث،
-وتتمظهر النهاية بارزة للقارئ،تلك النهاية المفاجئة..
كما تتوافر فيها عناصر أخرى مثل:
– التوتر السردي بما هو ايعاز لاحداث التشويق،
– وحسن تخير المصادفة المعقولة،
– وانبناء على المشهدية والتصوير الدرامي،
– هذا إضافة لصيرورة التدرج لبلوغ النهاية.
— وأكثر من ذلك يمكن ان تطال هذه الخصائص محاولات التجديد من الكاتب الحديث.. لا مكان للتداعي الحر فيها.
ا==========
ومن هذا المنطلق وعلى أساس التجريب وحداثة القصة
يمكن ان نجزم أنه من السهولة بمكان في القصة القصيرة ان
نرصد مكوناتها العامة من حيث الحدث والشخصيات وأفضيتها المكان والزمان ,واللغة السردية الوصفية الحوارية الموظفة. وكل هذه العناصر في القصة القصيرة نجدها واضحة صريحة.
وندرك ان الايحاء والتكثيف الشديد يجعلان القصة مليئة بالفراغات والتي تعتبر خصيصة كاتب متمكن( كما الحذف والانزياح والاستعارة بالبيان وعلم البلاغة) على حد قول الجرجاني والبلغاء.
اذ هما يستدعيان قارئا يملأ فراغاتها بالتأويل للوصول للحظة الإبداعية المشرقة والفكرة التي تمركزت عليها القصة، وإعادة عمارتها على وجه التأويل.. واكثر يمكن إعادة هندسة إيقاع سياقها..
ا========== ولذلك يمكن ان نقرّ بعد التمحيص أن القصة القصيرة خصائص ومقومات
يمكن أن تتكئ على الأنواع الادبية الاخرى
وتنفتح على كل الاجناس..
لكنها تحافظ على حكايتها مركزا وتأويلا.. وحدة في الشخوص والأفضية.. مبنية على المشهدية والتصوير الدرامي..
ا======== أما الخاطرة =============
الخاطرة : عبارة عن كنش ومفكرة أساسها المشاعر…
انفعالية دافقة بالأحاسيس(اي ان أن الكتابة تسير كيفما يتدفق الشعور)، تعبر عما يخطر ببال الكاتب تداعيا حرا
(أي تسير وفق استقامة خطية تخلو من الالتفافات و التعقيدات والتشابكات)(1)
فتأخذ اللغة السرد أو الوصف او الأفضية (مكان/زمان) أو الحوار الداخلي المونولوج بغية تنميته بالعبارة الباذخة وتعبر عنه للوصول الى ابراز المشاعر والعواطف.. وهي تتداعى حرة منسابة كالنهر الذي يحمل معه أغصان الحكاية وأتربة المكان وأصوات النفس.. لتؤثث نص العاطفة والتعبيرة الحساسة..
و هي من أسهل أنواع الكتابة واصعبها ..
ا=================
أعطي نموذج :
ا=================
كتب_شكسبير_في_أحد_مؤلفاته
ا====================
ا…………………………
لو أن الله يرزقني إبناً……
سأركّز أن يكون البالون أكثر ألعابه…..
وأشتريه له باستمرار…..
فلعبة البالون تعلمه الكثير من فنون الحياة……
تعلمه أن يصبح كبيراً ولكن بلا ثقل وغرور..
حتى يستطيع الإرتفاع نحو العلا ..
تعلمه فناء ما بين يديه في لحظة…..
وفقدانه يمكن أن يكون بلا مبرر أو سبب ..
لذلك عليه أن لا يتشبث بالأمور الفانية…..
ولا يهتم بها إلا على قدر معلوم…..
وأهم ما سيتعلمه…..
أن لا يضغط كثيرا على الأشياء التي يحبها…..
وأن لا يلتصق بها لدرجة يؤذيها ويكتم أنفاسها……
لأنه سيتسبب في انفجارها ويفقدها للأبد..
بل الحب يكمن في إعطاء الحرية لمن نحبهم……
وسيعلّمه البالون…..
أن المجاملة والمديح الكاذب وتعظيم الأشخاص للمصلحة..
يشبه النفخ الزائد في البالون…..
ففي النهاية سينفجر في وجهه ..
وسيؤذي نفسه بنفسه…….
وفي النهاية سيدرك…..
أن حياتنا مرتبطة بخيط رفيع……
كالبالونة المربوطة بخيط حريري لامع……
ومع ذلك تراها ترقص في الهواء…….
غير آبهة بقصر مدة حياتها أو ضعف ظروفها وامكانياتها..
نعم سأشتري له البالون باستمرار…
وأحرص أن أنتقي له من مختلف الألوان…
كي يحب ويتقبل الجميع بغض النظر عن أشكالهم وخلفياتهم .
ا==========================
هذا النص عبارة عن عملية نقل للمونولوج الداخلى وسرد تلك المشاعر دون اعتماد تقنيات القص:
من مثل :
(1- الحدث: يكون الحدث فيها مجرد وسيلة لإظهار المشاعر..الحدث فى الخاطرة حدث جاف بارد.. لا يُحكى لذاته بل يستخدم كـــمَسْنَدٍ لبيان مشاعر مصاحبة أو ناتجة
2- الفاعلية والحركة : تبدو الخاطرة كما لو كانت تصويرًا لمشاعر نفسية بحتة..
قد تكون تعبر عن تصورات فلسفية أوقد تعتني بتصوير حادثة ولكن تهتم رأسا بتأثر تلك الحادثة على الجانب الوجداني للكاتب صاحب النص او المتكلم )
3- الزمكان :
الخاطرة تتناول الزمان والمكان المحكى كاطار لتبيان الشعور كما لو كان الزمن الحكائي فيها ومكان القص منحاه هامشى المسار ..يسير وفق مستوى واحد فقط..أنه يتبع أفقيا مسار المشاعر تتالى وتتعاقب في الاتجاه الاوحد المقرر..
من 1 و2 و3 ــــــــــ نستنتج ان الخاطرة كتابة انفعالية(2) عن انفعال يتكئ على ما للبلاغة من قدرة تعبيرية عن المشاعر والأحاسيس..
ا==========
ثانيا قراءة نقدية
ا===================
ما هي الخاطرة وما تعريفها سؤال قد يدور في الذهن كثيراً ،لدى مبدعينا .
ا=================
1- الخاطرة مفهومها :
ا=================
اصطلاحاً من الممكن تعريف الخاطرة على أنها جنس من النثر الأدبي
وكلمات صيغت ببلاغة شديدة . ونميزها بعناصرها وان امتزجت في كتابتها مع المشترك من الاجناس الاخرى كجنس القصة القصيرة والشعر الحر أوالبوح .
ويكثر استخدام المحسنات البديعية البلاغية فيها
كالصور
كالكلمات المائزة القوية
كالعاطفة
كالجدَّة الجادة
فالخاطرة عبارة عن تلك المرآة التي تعكس ما يدور في أروقة الخاطر من مشاعر وتجارب تتحول في باطنها مجموع الأحاسيس إلى كلمات ومفردات فتصير أكثر قربا من الناس وأكثر سلاسة وسيولة مما ييسر ويسهل وصولها للآخرين .
الخاطرة عادة تحمل فكرة مركزة فمن الأفضل عدم الإطالة في المقدمة و التركيز في الموضوع الأساسي ، عدم تشتيت ذهن القارئ و عدم المبالغة في الخاطرة لحد الكذب أو الإدعاء ..
و عدم استخدام المفردات الغريبة او المهجورة كما تتطلب السلاسة والبساطة في التوصيف وعدم التعقيد اما أصنافها :
ا============
2- أنواع الخاطرة
ا============
عديدة ومنها :
خاطرة رومنسية
خاطرة جادة
خاطرة وطنية
أخرى خيالية
هناك خاطرة ساخرة
أخرى عن اليومي والمعاش بين الناس
وممكن ان تتعدد الاغراض فنجد :
– خاطرة دينية
– خاطرة وصفية تصف حالة الشخص أثناء الكتابة …
ا=============
3- أشكال الخاطرة الفنية
ا=============
فنذكر على سبيل المثال :
– خاطرة قصيرة
– خاطرة متوسطة
– خاطرة طويلة
مثال على ذلك من كتابات مصطفى الرافعي ( وحي القلم )
خلاصة القول أن الخاطرة جنس ادبي لو جاز لنا من القول النثري او قطعة نثرية يستقيها كاتبها من موارد ومصادر متنوعة ليؤلف بينها ، ويضم أفكارًا ومعاني متنوعة تضمُّ الى بعضها البعض انضمام تعاضد حتى تصير كيانًا جديدًا، يستمد قوته من ذلك الصدق، وعدم التكلف والانتباه لما نكتب .
أما الحديث عن حجمها وعدد سطورها فاختلاف في تحديده غير أنه يمكن القول أنَّ:
ا==================
– الخاطرة أقل حجمًا من المقال، إذ لا تتجاوز عادة عمودًا واحدًا، أو نصف عمود في الصحف اليومية، أو الجرائد أو المجلات الأسبوعية ..
ولا يفوتنا ان نقول مرة أخرى أنها أحد انواع النثر :
انها ” كل ما يجول فى خاطر الذات الانسانية ويمكن التعبير عنه بصياغة ادبية تحمل عمقا للمعنى وسموا للفكره وروحا للمغنى وتجسيدا للحدث وصدقا فى الاحساس وتأثيرا فى الناس
وعمادها تلك الفكرة المركزة التي يترجمها الكاتب باسلوب شيِّق يعتمد فيه الايحاء
والدلالة الادبية الراقية ….
ويعتمد كاتبها فيما يعتمد على الايجاز واستخدام اقل عدد ممكن من الكلمات والمفردات وتكون مخزَّنة بتعابير موجزة وقريبة من تصورات الكاتب”.
وهي وان دلت قتدلُّ على صدق الانتماء النفسي لدواخل مكنون الذات البشرية وتتلاحق موحية لتلك الوجدانية من ناحية أولى وللتاريخية المشتركة والمصيرية في آن واحد
إنها تجيئ دفعة واحدة …
– لا تتحكم في دقتها وقوتها إلا الخبرة الادبية والتجربة الفنية والبلاغية
– تصوِّر ما يدور في داخل الذات من انطباعات متعددة ومتباينة..
– كون لها خاصية الوصول لذائقة القارئ والمتلقي..
– سرعة النبض الراكض في وجدانه
– متعة المتلقي بسحرها الخيالي..
– تتوافق مع تصنيفات طباع ثقافة المتلقي وذوقه المصفوف على قارعة التأمل
– تحسس بواطن الحسن والجمال والأناقة اللغوية….
**ولو جمعنا موجزا لما ورد فى هذه التعاريف بامكاننا ان نضع تعريفا جامعا نتفهم من
ا==============
3 – ملامح الخاطرة
ا==============
يمكن ان نجمل الملامح الاساسية للخاطرة ..
او لنقل مقومات الخاطرة :
ا………………………………
وفيما يلى تبيانا لهذه العناصر والمقومات …
أ-الاحساس
ب – المناسبة
ج- الاسلوب
د- المفردات
هــ – الصور الجمالية
و – الجرس الموسيقى ..
ا========
أ-الاحساس :
يجب أن تكون الكلمات موافقة لما يحس به الكاتب حتى تكون قريبة من المتلقي فماينتقيه الكاتب و يخرج من القلب حتما سيذهب للقلب مباشرة… ويحافظ الكاتب على التجربة الشعرية على نوع من الالهام الشعري الفريد يزوق به المعاني حتى تصير لا تكون الخاطرة الا مستوحاة من ذلك الالهام النفسى او العاطفى …
ويظل الحس المرهف هو الوقود الحقيقى لقدرتنا عن التعبير
ب – المناسبة
يجب ان تكون هناك قضية للخاطرة ومغزى،فقد تكون شكوى ، مناجاة ،نوعا من عتب،او تنميقا من وجدانيات متراصفة الخ ..
لكن الذي يميزها هو ذلك التركيز فى تحديد المناسبة كاحد العوامل الرئيسيه لانجاحها..
ج – الأسلوب :الاهمية تبرز في قدرة الكاتب فَالأسلوب هو ما يميز كاتباً عن غيره فالمجال أمامه متسع كاتساع الأفق او أشدَّ … بحيث يجب أن يكون الأسلوب واضحاً بيِّنا بعقلية الكاتب المرمزة أحيانا الموحية أحيانا أخرى حتى لا يسلب يسلب الإثارة والدهشة والتفاعل معها أمَّا الوضوح فيكون في اختيار الكلمات والمفردات المؤدية للغرض والمحددة للهدف بحيث تكون دقيقة راقية ..
د – المفردات: يجب أن تكون غير عادية ومألوفة .. ولا يؤدي ذلك الى الغريب والشاذ والصعب والمستعصي .فكثير من النقاد يرون أن هذا يقود الخاطرة الى المزالق ويفقدها سحرها وبريقها ويبعدهاعن مسار خدمة المعنى الذي يراد إيصاله بشكل أكبر فَتجدها تحدث شعورا له قيمته الفعليه وذلك لانتقاء اللفظ الذي يقيس شعوره ويعبر عنه
ولنأخذ مثالا كى يتضح المقصود
حينما اقول “صُدِمت….. نفس المعنى لو قلت … صُعِقت.)
نتبين ذلك الفرق فى حجم الشعور الذى تحمله كلا من المفردتين والكلمتين من سحر الدلالة
هــ – الصور الجماليه : :..
ان توظيف الخيال داخل النص وفيما يكتب الكاتب او تنتجه القريحة من التشبيهات الجميله البديعة أوالصور البلاغية يعطى ابداعا خاصا للخاطره و يضفى الرونق عليها والاستصاغة حتى تحوز الاعجاب والاطراء .. خاصة ابتداع الصور الجماليةالرائقة .
.كأن اصف صوت الحبيب مثلا باللحن .. او التغريد او ما شابه ….
فروعة فن الخواطر تكمن فى صوغ تلك الصور الجديدة المعبرة الباذخة..
لذلك على كاتب الخاطرة تنويع صوره وتصويراته كى لا يجد نفسه مكررا فى نصوصه الابداعيه وهذا يتأتى بمزيد من الاطلاع ومزيد من جموح الخيال ….
و – الجرس الموسيقي :يجب أن تكون كلمات النص ومفرداته تحمل جرساً موسيقياً عند قرأته ، حتى يكون مميزا عن قراءة الرساله او المحفوظة او المقالة او الكلمات العادية كأن استخدم السجع والطباق والجناس .. وغيرها مما يعطى للقارىء احساس النغم والقافية (3)
ا========
خاتمة
ا========
الخاطرة نص يضم بين دفاته أفكارًا ومعانٍ متنوعة تستند الى بعضها البعض انضمام تعاضد كالبنيان المرصوص حتى تصير كيانًا جديدًا، يستمد قوته من ذلك الصدق في اللغة والتعبير الحصيف.. والاحساس المرهف.. لتقديم عاطفة جياشة.. وكفى.
ا==========
(1)و(2).. تعليق الاستاذ أحمد الطنطاوي (الخاطرة والقصة القصيرة جدا)
(3)..أ. حمد حاجي ..كيف نكتب الخاطرة الادبية
Discussion about this post