“رؤية”..؛؛
“.. فجر اليوم، زارني أبي في منامي.. كان حُلمًا واضحًا ملوَّنًا، وغريبًا للغاية. هو نادرًا ما يزورني.. نادرًا جدًّا، وكان الأمر أقرب إلى رؤية. كان يجلس في قاعة واسعة، جدرانها بيضاء مريحة، وجاءت جلستُه على أريكةٍ عريضة، طولاً وعرضًا، وكان مادًّا ساقَيْه أمامه، ومتدثرًا بغطاء من قماش أبيض ناصع، مُوشَى بخيوطٍ من الفضة القَصَب، ويرتدي سُتَرة عادية الشكل مثل تلك التي كان يرتديها في حياة عَيِنه، ولكنها كانت من نفس نوع قماش الغطاء الذي كان يتدثَّر به، ولكن مِن دون خيوط الفضة والقصب..
كانت الإضاءة ساطعة.. ساطعة للغاية، لكنها كانت بيضاء نظيفة، وكنت قادرًا على رؤيته.. كان يخاطب آخرين من حوله يروحون ويجيئيون، ولكني لم أستطِع تمييزهم.. كانوا بنفس ألوان الضوء الساطعة، مما منعني من رؤيتهم بدقة.. ثم خاطبني..
لا أدري لماذا خاطبني بصوتي، وليس بصوته هو، وكان ينصحني.. كان واضحًا مباشِرًا في حديثه، وبسيطًا كعادته.. لا إكراه هنالك.. أنت في النهاية مِلْك إرادتك، ومصيرك محصور في خياراتِك، وقد خلقكَ ربُّك حُرًّا؛ فلا داعي – إذًا – لأيِّ إجبار.. هذا ما أكَّد لي أنَّه أبي، لأنَّه هكذا كان يؤمن دائمًا في حياته..
في البداية ظل يلوم عليَّ ما لم أذكره بعد أنْ استيقظت من الحُلم، وكان يتكلَّم بصوته هو، ولكن بلكنةٍ غير شاميَّة كما كان في الدنيا، ثم عندما بدأ في توجيه النُّصح إليَّ، بدأ يتحول إلى صوتي ولكنتي، وبدأ وجهه يأخذ شكل وجهي، ولكنَّه وجهي عندما كنتُ بعدُ طفلاً..
عندما استيقظتُ، كان ضوء الفجر قد بدأ يتسلل إلى الوجود، وكانت لا تزال أصوات دُعاةِ اللهِ تتردد من حولي، ولكن من بعيد، وهم يُصَلُّون فريضتهم..
لم يقعِدَني شيءٌ من قبل عن صلاة الفجر، ولكني ظللت أفكِّر في هذا الذي رأيته طيلة وقت الصلاة، وطيلة اليوم.. تُرى ما مقصوده ممَّا قال وفعل، ونسيته بعد يقظتي؟!.. لماذا لم أنسَ سوى هذا؟!.. وماذا كان يريد منِّي أنْ أفعَلَ؟!.. ولماذا هذه الرؤية الخفيفة على النفس أصلاً؟!.. لماذا الآن؛ وهو الذي لم أرَه في حياتي أو منامي منذ سنواتٍ وعقودٍ طويلةٍ؟!..
كلها أسئلة قد لا أعرفَ إجاباتها حتى ألقاه ذات يومٍ عند اللهِ تعالى، ولكنْ كلَّ ما أنا يقينيٌّ منه، هو أنَّه الآن بخير.. وأفضل منَّا جميعًا!”..
Discussion about this post