(سعدهدابي ،الكاتب الأمهر)
بقلم
أ. د باسم الاعسم
إن ميزة ( سعد هدابي ) الفارقة ، التحليق في فضاءات المعاصرة ، عقب انتخاب ثيمات موغلـــة في رحم الزمن ، كما في المسرحيات : ( حدث غدا ) و ( العباءة ) و ( كوليرا ) و ( نيران صديقة ) و ( ابصم باسم الله ) و ( رماد )و ( ذات دمار ) بل أن جميع نصوصه قد احتكمت إلى خطابات مسرحية مفترضة ، تحاكي الزمن الحاضر ، والإنسان المعاصر، بلغة الدرامي الشاعــــر . فضلاً عن عناوين المسرحيـــات المحتشـــدة بالدلالات الموحية والاسقاطات الدالة ، وتبدو مهمة توثيق الأحداث من صلب آليات الكاتب الفنية فثمة مصور يوثق بعدستهِ ما حدث
، كما في ( العباءة ) وحكاية ذلك العسكري الذي يؤرخ الحرب التي أفقدته رجولته ، مثلما هو المصور في ( حدث غدا) الذي يصور تلك التماثيل المؤنسنة ، وكذا حال العنصر التقني الممثل بالشاشة في كلا المسرحيتين ، والتي تعادل ثقل الأفعال والمواقف الدرامية ، إلى جانب المفارقات التي تحفل بها النصوص كافة . وتأخــذ الفنتازيا مداهـــا الأرحـــب في تأثيث الشكل البصري ، للمشهــد الدرامــي المترع بسيــــل من الافتراضات المتواشجة مع الأبعاد الزمكانية ، على وفق أسلوب سينمي يترجم ثقافة المؤلف ( سعد هدابي ) وبراعته المعهودة في الإفادة من تقانات البنى المجاورة للخطاب المسرحي ، كالسينما كما في مسرحية ( رماد ) وحيث الخيمة الممزقة ، والوطن المستباح بشخصياته المذبوحة بفعل الحرب والحصارات والهزائم ، يترجمها ( معيوف ) بطل مسرحية ( ذات دمار ) الذي يحرق نفسه احتجاجاً على ما يحدث مثلما هو البوعزيزي . و ( هو ) الشخصية العسكرية التي تتلفع بالعباءة في ( العباءة ) بعد أن داهمتها الشكوك والكوابيس والمخاوف والأشباح بفعل الحرب ،التي دارت في بيته ، بل في رحم زوجته ، الذي أضحى أرضاً يبابا . وتفصح مسرحيات الكاتب ( سعد هدابي ) عن خبرة أستاذ متمرس في إنتاج النصوص الدرامية الطافحة بالصراع النفسي ، والشخصيات المأزومة والأحداث الجليلة ، على قصر النصوص ، وقلة شخوصها ، لكنها مسبوكة بيد صانع ماهر ، يكتب النص للعرض ، وقد يتناص مع الآخر ، لكن بصماته الخاصة تطبع نصوصه دائماً . ويبلغ التكثيف أقصى مداه على صعيد الحوار والأحداث والأفكار والشخصيات ، لأن ( هدابي ) يركز على العقدة الرئيسة للحدث وتنامي وتائر الصراع ، تحقيقاً للدهشة ، عبر المفارقات والتحولات المصاحبة لنمو الشخصية الدرامية ، عقب تواشج الأنساق الصوتية واللفظية والحركية ، المؤسسة لجمالية النصوص التي امتلكت قدرتها على التأثير في نفس وذائقة المتلقي ، وبشـــــكل جلي حينما تقدم تلك المسرحيات على خشبة المسرح، فيضفي عليها الإخراج جمالاً على جمال ، وتغدو ماثلة في ذاكرة المتلقي من فرط سحرها.
إن مهارة الكاتب ( سعد هدابي ) في التمثيل والإخراج ، تمنحه زخماً من الوعي بحيثيات إنتاج النصوص وصياغة الشخوص وإدارة الأحداث وبلورة الأفكار . وإن من فيض أبداع يراع ( سعد هدابي ) ، تلك اللغة الشعرية المكتنزة ، التي من سماتها : القصر والصور والبلاغة والإيحاء ، والمجاز ، أنها واضحة القصد ، أقرب إلى الشعر منها إلى السرد ، وكعادته يشبع ( سعد هدابي ) الحوارات بسيل من العلامات الرمزية ذات الدلالات ( المسرحية ) فضلاً عن النقائض والمفارقات . إن مسرحيات الكاتب ( سعد هدابي ) حركية صالحة للعرض ، وحينما أتيحت لي فرصة مشاهدة بعضها ، أدركت براعة هذا الكاتب الأمهر ، إذ كانت تلك ( النصوص ( العروض ) بمثابة الجدار الرابع الذي أبعدناه بوصفنا متلقين عن تلك النصوص والعروض التي صدعت رؤوسنا من فرط مباشرتها ، وهيمنة النسق اللغوي عليها ، والبكاء المستديم فيها ، والاستسلام لانساق المشابهة مع الواقع ، حتى غدت المطابقة معه مزيتها الواضحة ، في حين أن الكاتب ( سعد هدابي ) يقتنص الموضوعات التي فيها من الخصوصية ما يصحح تعميمها ، كما في مسرحية ( العباءة ) و ( وحدث غدا ) و ( نيران صديقة(
أحسب أن ما يكتبه المبدع (سعد هدابي) من مسرحيات يفصح عن موهبة خلاقة وإمكانية طيبة في الصوغ الأدبي بقصد إنتاج خطاب مسرحي يتوافق وروح العصر من فرط جدته وحداثته في الآن نفسه .
Discussion about this post