على طاولتي
بقلم نسرين حسن
تهبًّ الرياحُ باردةً..تقلّبُ بأصابعها صفحات كتاب علة طاولتي…وجدتهُ صدفةً بصندوقٍ قديم…كان متعبا كقافيةٍ تسيرُ بالضباب..قلتُ:جميلٌ أيها الكتاب…كم عمرك؟ أجاب:أكثر من مائةِ عام…أنا سرُّ خلود الانسان…كانت رائحته تتصاعد بالرومنسية العطرة لحدِّ الإختناق والدهشة وهذا ماأسميه بالأدب…الذي لايترك دهشةً وروعةً بالنفس الانسانية هو أدبٌ ميتٌ
كان عطرُ الكتاب الرومنسي يحرقُ آخرَ سطرٍ بقلبي..سألته:وكيف للأدب الميت على عربته الصّفراء التي تجرّها المفردات أن يوقظَ الحسّ والحرارة عند القارئ؟؟…الأدب الرّاقي سيخلق جيلا راقيا وجيداً
نظر الكتاب وقالَ :ماهذا الذي تحملينه؟..قلت:موبايل..وفتحت الفيسبوك ..بالصدفة ظهرت صورة لفنانة تستعرضُ جسدها ببضعة سنتيمترات من الدانتيل..وكأن جسدها ينخرُّ ويجهزُ نظريةً للبيعِ…قال الكتاب وخدوده محمرّة خجلا..من هذه نسرين؟؟ ظننتك تبنينَ جسورا فنيّةً بأزهار اللّوز…ضحكتُ وقلتُ: كأنثى أحب الموضة…وكشاعرة أحبُّ الفراشات الضائعة..وهذه الفنانة تضع أكبر أديب ومفكر بجيبها الصّغير…
ترتدي الأقنعة..تتصنع البراءة..فتحرسها كل الملائكة…مارأيك بها؟
قال لي:إنها أقل هامشية من أدبٍ ميتٍ
اسمعي ..على الأدب اكتشاف واقع جديد لتغدو الحياة أكثر جمالا…كما يجب على الأطباء اكتشاف سيليكونا جديدا لتغدو النساء الناقصات البائسات أكثر جمالا…
قلت :كأنك تربط الأدب بالواقع الحالي المقنّع بعمليات التجميل!
قال: نعم هذا الواقع هشٌ وضعيفٌ يتفرج على حمى الألوان بالأقلام…الأدب فاشل مالم يكتشف واقعا جميلا…كان الكتاب يتحدّث وأنا بدأت أشعر بأنني بحر من الحبر،ولستُ بحاجةٍ لواقعٍ مشوهٍ بلسعات الدّبابير…هذا الواقع الذي نعيشه مؤلم ويحتاج لروحٍ جديدة وأفكار مضيئة…يحتاج لأشجار تعانق النّار
سألني الكتاب: ماهو الأدب؟ هل هو العقل؟القلب؟ الروح؟
هل هو ماكتبه العظماء ونشرته الصحف وتعودت الناس على قراءته ومتابعته؟؟
دخلَ الغموضُ رأسي،وقفزتُ عن الكرسي قفزةً سورياليّة..وأشرتُ إلى المكتبة…انظر هذا الأدب…تؤلفهُ وتبدعهُ العقول..نضعهُ على الرّفوف..ننظفهُ باستمرار من الغبار..أصابت الدهشة الكتاب،وكنت محاصرة بين المصطلحات الأدبية وعليّ الهروب للحقول المزوعة بالبطاطا .سيكون شكل الأدب كالبطاطا وليس إشكاليّة لغوية وبلاغة…قال الكتاب: الأدب يحتاجُ روحا فلسفية ونقديّةوخيالاً خصباً وكما قال أراغون(الخيال يجدد حيوية الصورة)
لا أنكر ضحالة التفكير بالوسط الأدبي ،وأيضا التفكير النقدي يجب أن يكون جميلاً ويضاف لسلسلة الخرافات الجميلة..وعلى عقولنا أن تمتد بنفوذها للجميع
لقد أدمنا العادة والتكرار في الأداء الأدبي..والكل يحضّ على الذاكرة الحفظية…..كان الكتاب ينطفأ وكأنه بحاجة لإعادة تشغيل…ورأسي سأعيد لهُ نظام التشغيل…
نسرين حسن
Discussion about this post