منصة الحياء
دعاء زكريا
جلست وهى تهتز من داخلها تتحسس مقعدها وكأنها سوف تجلس على كتلة من اللهيب المشتعل نعم هو الخوف من المواجهة تملك كل جزء من كيانها فالقلب ينتفض كطائر سقط فى بئر ماء تجمدت جدرانه ودقات نبضاته تكاد من سرعتها أن تتوقف حتى خشيت أن يسمع الحضور صوتها كدقات المسرح التى تسبق بدء العرض ، ينهمر العرق البارد كالسيل الجارف على جبينها حتى ابتلت رموش عينيها فلم يكتفى بذلك ليحفر طريق له حتى مقلتاها التى غرقت من قبل فى طوفان من العيون المحدقة فيها على مرمى البصر تحت المنصة التى اعتلتها للمرة الأولى بعد ألحاح من أصدقائها لمناقشة روايتها الوحيدة ، وهى التى كانت تهرب دائما من الناس حتى فى المناقشات العادية التى تطرح على ساحة أى تجمعات أسرية أو فى المناسبات الإجتماعية للجيران والمعارف كما أن أصدقائها لا يتجاوزو عدد أصابع اليد الواحدة حتى أطلقوا عليها فى المنطقة التى تقطن بها لقب “بروية” ، تسير ورأسها لأسفل تمد الخطى حتى لا تلتقى عينها بأحد تعرفه فتضطر للوقوف ثم السلام والذى يعقبه جرجرة فى الكلام وهذا ما تكرهه فهى لا تريد أن تعرف شئ عن أحد أو يعرفون عنها شئ ،
ها هى الآن مكبلة بخيوط من الأضواء المسلطة عليها تسمع أصوات متداخلة لا تستطيع تمييز صوت تعرفه ليزيد ذلك من إحساسها بالخوف والغربة فما أصعب على الإنسان من أن يتعرض لمأزق أو يسجن فى موضع ويلتفت حوله فلا يجد من يسانده أو قلب يطمئنه ،
لتأتى هذه اللحظات القاتلة المسكونة بخيالات لما قد يحدث بتصورات لمسار شريط العرض أمام عينيها وما قد يطعن سلامها النفسى بكلمات حادة ، فجأة تسمرت عيناها على مجموعة من النقاد يتأهبون بسن ألسنتهم وتجهيز أوراقهم المحشوة بمختلف مفردات وأدوات الذبح والتشفية على مرأى ومسمع من جميع الحاضرين فى حفلة صاخبة على شرف تناول كلماتها المسكينة دون حول لها ولا قوة ،
اقترب مقدم الحفل جلس إلى جوارها ازدادت أصوات دقات قلبها صراخا لتحاول بكل ما لديها من قوة أن تسكتها فى نفس الوقت تحاول إستجماع جزء ولو يسير من عزمها وما تبقى لديها من إرادة لصد الهجوم المفترض عليها وهى منزوعة السلاح بدافع الحياء
ولسان حالها يقول ارجوكم لا تقذفونى بسهامكم وأنا عارية من رداء التخفى على منصة مقصلة الأحلام فكلمة منكم قد تطيح بكل ما حلمت به لتقتل أمنياتي البريئة التى غزلتها بداخلى منذ زمن طويل أرجوكم أى هجوم شرس قد يغتال اللبنة الأولى التى بدأت بها صرحآ كم تمنيت أن يصل إلى عنان السماء لا تجعلونى أندم على تحدى إنعزالى وقرارى بالخروج من شرنقتى التى كنت أدفن فيها كل ضعفى وعيوبى والآن أنا بينكم على المنصة ضعيفة هشة لا أمتلك حتى قلمى الذى حاربت به أعدائى سنين لأدافع به عن نفسى ولا أمتلك حسن المنطق الذى أستطيع من خلاله إقناعكم بوجهة نظرى لأرتباكى وتشتت حروفى وأرتعاش حجتى حتى كلماتى المسجاة أمامكم على طاولة التشريح والتى أنشأتها من صمتى طوال عمرى لتكون درعى فى أوقاتى الصعبة لن تحمينى الأن لأنها بين أياديكم تنتظر الحكم عليها إما بالأعدام أو الإطراء فلا حيلة لها وهى منزوعة الإختيار ،
بعد تباحثها مع نفسها قررت نعم اليوم لابد أن أتكلم وحدى مجبرة على ان أفتح فمى وأتناول حياتى وأجردها من غموضها وأشرح المواقف التى دفعتنى لأكتب تلك النصوص التى أخرجتنى من الظل الدافئ إلى أنوار السماء وسقيع خشبة هذا المسرح لتكون تلك المنصة فصل جديد فى حياتى وبداية لعوالم أخرى لم أعرف شئ عنها وأنا فى بياتى الشتوى الذى حصد نصف عمرى فى كهف الخجل والحياء .
Discussion about this post