……
من يسابق من ؟
قراءة بقلم المصري / محمد البنا
لنص * وين بدنا نروح ؟ *
للسورية/ منى عز الدين
……………………………
النص
(وين بدنا نروح …؟)
شقت صرختها جلباب المخيم المهترئ و الفضاء وصدري
لمستُ قلبي المرتعش، على تواتر نبضه، ضبطت الروح ستستيقظ رقصة الموت هناك.. …
– لا نملك الوقت، بسرعة إلى السيارة …يومان فقط ونعود
_وجبة ثانية للأولاد فقط..!
_ بسرع…
تناثر الصوت مع الحصى والأتربة، حتت ريح القذائف البيوت.. وإرادَتنا ..
انحشرت خطواتنا في الركام، مجاهدةً لمسابقة الحرائق حتى السيارة، وهناك بدأنا مسابقة أخرى مع الموت الذي يتربص في منحنيات الطرق.
_إلى أين سنذهب ؟!
_لا أعرف
حطت بنا الرحال في بلدة مجاورة آمنة.. تناثرنا في طرقات فرشها الجليد، برد يزوي الوجوه، يسيل الأنوف، يحجر العيون، صقيع يقشف الأبدان، يدق مساميره في الأعضاء، فتنتفض الأحشاء ..
لم أعد أسمع بكاء صغاري، بدوا كالتماثيل، تجمدت الدموع في الآماق، ويبست الأشداق …
سكون كالموت رافق خطواتنا المرتجفة الباحثة عن مأوى …
في بيت كبير كان قد خصصه أصحابه للتصييف اجتمعنا مع عائلاتنا، تغطت أرضه الجرداء بأجسادنا وأقاربنا .. في الظلام نتحسس أية قطعة قماش، أي بساط، أي وسيلة ندفع عنهم بها لحاف البرد …
لا ماء ..لا كهرباء .. لا كلمة حتى يحود بها اللسان لتكسر الوجوم .. لا أدري أهو وجوم الحزن أم الخوف أم الترقب أم كلُّ ما سبق
كل صباح نكسر الجليد في البحيرة، ونكسر ضلعاً في الأمل، تنتفخ الأيدي، تحمر ، تتخدر حتى ننتهي من الغسل ..
مر يومان .. شهران .. سنة .. سنتان …. مر زوجي مهاجرا أيضا ..
مرت الأيام بعده …
مرت على حواف الانتظار
انتظار الفرج .. انتظار لم الشمل .. انتظار مبهم ختمته تأشيرة سفر ..
على باب المطار تأمّلت صورة بيتي الذي لم أودعه وقبلتها قائلة :
سنعود بعد يومين.
دمعة سقطت مع سقوط جهاز التحكم من يدي، أيقظتني من شرودي، لمتابعة حديثها في التلفاز الذي بدأ ب (وين بدنا نروح ؟) وانتهى بتشييع أجساد لم يخلفِ البرد وعده معها كل عام.
في حين خانتنا المنافي والأوطان
………..
منى عز الدين ٣٠ يناير ٢٠٢٢
Mona Ezildeen
…………
القراءة
من يسابق من ؟.. نسابق الموت آملين في لحظة أخرى لحياة؟ أم يسابقنا الموت منصاعًا لأمر الإله؟..من يسابق من ؟؟..الموت أمرٌ مقضي ولا حيلة له فيه، ولا حول لنا في درء قدره، فهو كتاب مؤجل شئنا أم أبينا، ولكن هل نستسلم له وننتظره قابعين في كهوف أنفسنا، نرقب إطلالته من ثقب ضيق؟..كلا وألف كلا…هذا ال ( كلا ) فعلته بطلة اقصوصتنا وآخرون، يفرون من موت إلى موت أملًا في نجاة..توقًا للحظة حياة..يفرون من ويلات حربٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل، إلى برد صقيعي لا يبقي ولا يذر، أنه التشبث بالحياة يا سادة..( وين بدنا نروح ) إلى أين نذهب؟ وأنتم ما أنتم!!..من قرية آمنة مطمئنة حتت ريح قذائفكم بيوتها، أإلى قريةٍ مهجورة قذفتها قنابلكم فهدمت دورها وهجّرت من بقى من ساكنيها حيا؟..لا ماء ولا كهرباء ولا زرع ولا ضرع!!..يالله!!.. نص يلهث..وي كأن حروفه تسابق القذلئف، كأن كلماته تحاول الفكاك من آسر الصقيع ولا جدوى، فتزوى الوجوه وتقشعر الأحشاء…إنها الحرب يا سادة!.. وقودها العزل الآمنين حين كان أمنٌ وكان سلام.
نص بدأ لاهثًا يهرب من موت محقق لأبطاله، فتسابقت حروفه وريح القذائف، وتوقف حيث يجب التوقف ( مشهدية البرد )، ليبث في جلودنا صقيعه القارس، وليدرر من مآقينا دمًا لا دمعا، فقد جفت المآق وتيبست الضلوع، ثم يعاود التحرك ولكنه ليس لهاثا هذه المرة بل حركة ساكنة..اجترار ذكرى…تمر السنوات في لحظة، واللحظة ( سنعود بعد يومين ) تمر سنينا.
نص متدفق يفيض ألمًا وحسرة وتحسر، نص بدأ عتبته بصرخة ( وين بدنا نروح ) فمزقتنا شر ممزق، وحتتنا المشاعر الصامتة كما حتت ريح القنابل البيوت..فإلى أين نفر نحن؟..وممن نفر؟..نصرخ ولا مجيب يا سادة!!..الكل يتسابقون، والسؤال المطروح دائما وأبدا..من يسابق من ؟
محمد البنا ٣١ يناير ٢٠٢٢
Discussion about this post