إشكالية النص الراقي، والمخرج المتبقي
للكاتب والمخرج المسرحي : مسعود حجيرة
الجزائر في 07 فبراير 2022
للمتجول بين ثنايا العروض المسرحية المقدمة للجمهور العربي هنا وهناك، شرقا غربا شمالا أو جنوبا، يتأكد من خلال التحليل المنطقي أن الأعمال المسرحية المقدمة للجمهور في أغلبها نسخ ولصق لثقافة مستوردة، حبا أو غصبا أو تحصيل حاصل لرغبات مكبوتة اعتادت التبعية الفكرية هروبا من واقع مر، فرضته أوامر السلطة المستبدة في نظرهم.
إعادة الإنتاج لعمل مسرحي كتبت أحداثه في بدايات القرن الأول قبل الميلاد، قبله أو بعده لا يهم، فالإشكالية هي الرضوخ التام لأفكار كاتب معين دون سواه، لمدرسة معينة دون غيرها، مهما تطورت آليات ومكانيزمات العمل المسرحي إلا أن ما كتب في عصر الظلام سيبق موجها لأهل للظلام، أما اليوم وبعد عقود من الزمن، تغيرت الحركات التحررية، والتطلعات الفكرية، التوجهات السياسية، وحتى نوعية الأبحاث العلمية، وبات العلم شريكا أساسيا في تنفيذ جل رغبات الإنسان، في جميع المجالات بما في ذلك المسرح، فيكف لمخرج بعد تفكير طويل ونقاشات وحوارات يلجأ إلى إخراج عمل مسرحي يعد هو المخرج السبع والأربعون بعد المئة أو الألف كمخرج لنفس العمل.
ماذا سيبدع هذا المخرج من خلال هذه الحروف التي سمعناها بدل المرة مليون مرة، ورأيناها على الخشبة باستعمال جميع المدارس الإخراجية، كلاسيكية واقعية رمزية تجريبية، وحتى العبثية، وبالطريقة التراجيدية أو الفكاهية، ماذا سيستفيد المتلقي من خلال إعادة تلوين الهيكل وادخاله لرؤيته وقد رآه بكل الألوان ؟.
الكل على اتفاق ووفاق أن أرسطو، شيكسبير، موليير، بريخت أو بريشت، تشيخوف، جوتة، دورينمات، وغيرهم الكثير هم رواد الحركة المسرحية تأليفا وخطا دراميا على الجميع اتباعه الى يومنا هذا، بناءا على الدراسات الأكاديمية التي منهجت وأسست قواعد وأطر الفن الرابع ليكون علما يدرس هنا وهناك، تقديرا لجهود من سبقونا الى هذا العالم الساحر المبهر.
لكن تبق هذه الأسماء لزمانها ومكانها، لتفكيرها وانطباعاتها، لبيئتها ومحيطها، هي مجرد محطة للمرور عليها، للتأمل فيها، للدراسة والتحليل، والمقارنة فيما بعد بينها وبين ما وصل إليه الفكر في عصرنا وعالمنا هذا، لا للتقيد بها والغوص فيها، والخروج عنها انتحار وكسر للمعهود، وكأن عجلة المسرح أبت أن تخرج من هذه الحلقة، هي نقطة أسالت الكثير من الحبر، وأججت صراعا كبيرا بين الكتاب والمخرجين في عصرنا هذا، وكان الكاتب فيما مضى هو المخرج نفسه، أي أن المخرج لم يكن له وجود حينها، وإن تكلمنا بمنطقهم اليوم فالمخرج في زماننا هذا عبارة عن متطفل، مجرد شخص يحاول اقتناص الفرصة ليكون في فريق العمل ؟ هي إهانة للمخرج إن كان مخرجا بما تحمله الكلمة من معان، لكنها الحقيقة في تسلسل الأحداث وترابطها بعضها ببعض، فالصراع صار بين المحترف للمهنة والدخيل عنها، ألا يعتبر المخرج دخيلا عن العمل المسرحي ؟.
الدخيل يبق دخيلا حتى يثبت العكس، والإخراج المسرحي يحتاج إلى مخيلة مبدعة، ذكاء غير محدود، وتفكير لا يتوقف إلا اذا توقف نبض القلب، المخرج هو الركيزة الأساسية لنجاح العمل أو فشله، طبعا رؤيته للعمل من جميع الجوانب، ويبق السؤال المطروح كيفية اختيار النص المسرحي ؟
أجمع المخرجون جميعا عن غياب النص المسرحي العربي، وفي كل البلدان، والكل يلهث وراء النصوص المكتوبة قبل مئات السنين لإعادة انتاجها وابهار المشاهد، يا للإبهار، وكأن اعادة انتاج مسرحية كيلوباترا أو هاملت أو عطيل، أو في انتضار غودو ؟ ستغير من نهايتها أو أحداثها ؟ أو …….
تتغير السينوغرافيا بديكورها، أكسيسواراتها، بإنارتها، تتغير حركات الممثلين على الخشبة، وطريقة إلقائهم للخطاب المنسوب إليهم، حتى وإن كان حرفيا، تتغير الملابس، وبعد ؟ ما الجديد في ذلك ؟ أين يكون الإعجاز الإبداعي للمخرج موجودا ؟ في السينوغرافيا لا تحتسب له ؟ في التأليف والتوزيع الموسيقي ؟ أم في الآداء الساحر للمثل ؟ ما دام النص نفسه، والتقيد بملاحظات الكاتب الأصلي هي نفسها فهنا المخرج صار مجرد منفذ ؟ والإخراج الحقيقي ينسب للكاتب صاحب النص، لنعود الى البداية أين لم يكن للمخرج وجودا.
المخرج الحقيقي يحتاج نصا جديدا لم ينتج من قبل، ليبرهن للجميع مدى تمكنه من آليات الفن الرابع، ليثبت للجميع أن المسرح يتطور، ويختلف من زمان الى زمان، الكثير من الكتاب يرمون آهاتهم وأفكارهم بين الأوراق لترمى إلى القمامة بحجة أن المخرج يحتاج إلى نص عالمي، أي عالمية هذه أيها المخرج المنفذ العالمي ؟
النصوص هنا وهناك متراكمة تحتاج إلى مخرج حقيقي، مبدع وفنان يرى النور بإخراجها يخرج هو للعالمية بإنتاجها، لا العكس، الإشكالية المطروحة هي غياب المخرج الحقيقي، لا غياب النص الراقي، فالمخرج الذي لا يتجرأ باستحداث الرؤيا الإخراجية، لأعمال جديدة لا يمكنه أن يكون مخرجا حقيقيا، بل هو بقايا مخرج، لزمن مر منذ عصور.
Discussion about this post