مخاض برحم الدماء ..
ا======== نص : الهام عيسى =======
يولد الليل، مع حلول المساء ويسدل وشاحه الأسود خلف ستائره العمياء..
تفوح منه رائحة الدم من كل حدب وصوب٠٠ فيما يداها الناعمتان بالحناء تقعان على انفها لتُشكّلَ سدا يمنع استنشاق نتن الروائح ٠٠ لم تكفّا عن الارتجاف.. ولم تُبدِ غير خوف ممزوج برهبة خائبة..
هذه المرة، لم يكن الجو البارد وهطول الثلج يمنعها أن تسرح بأشجانها.. هاهي تسرع الخطى عاثرة، كانت تدور.. تدور حول نفسها كالرقاص ٠٠٠٠
وما فتئت تغمس أصابعها في علبة التعقيم التي كانت تشتعل لهيبا لم تسطع أن تطفئ حراراته كما كل مرة.. بل استعرت اكثر فأكثر٠٠ أخرجت المشرط بسرعة محاولة ان تقطع حبل مخاوفها من ذاك المصل الذي تغلغل بجسده النحيل٠٠
كما تتعالى أصوات صليل السيوف بكل مكان٠٠ كما نعيق الغربان يخنق زوايا المكان يضجُّ المشفى بالصمت القاتل٠٠ ها قد اغتيل القمر وأخذ غدرا ٠٠٠!
من زاوية صامتة، ترقب تلك الابواب لما سمعتها تصطك تصفيقا شاحبا محمرا تحت وقع أفواه بنادقهم وأحذيتهم ٠٠ركلات متتاليةٌ تتوالى يقبض كل كائن على قلبه وفكره ومصيره المجهول ٠٠
لم تكد تأخذ نفسا، حتى عادت مسرعة الخطى، لقد انتهى الوقت المخصص للعلاج.. راحت تلملم روحها، تقبض على يدي المريض لتهدئ من روعه.. يا لهول المشهد ٠٠!
نظرت الى ساعتها كان الزمن توقف عقربه عن الدوران ٠٠ رفعت رأسها نحو السماء.. أرهبتها،خيفة، غيوم متعرجة ملبدة قد امتزجت بلون الدم القاني٠٠
كيف لتلك القطرات الدامية أن تسيل من هنا وهناك ، أن تنهمر على الأدراج ٠٠٠ بل كيف تتكدس الأشلاء والجثث في باحة المشفى؟
هناك بالبعيد، شريط أسود من الذكريات يمر خلف تعرجات الطريق المؤدية الى المكان ٠٠٠ ترتعد اوصالها وتتقطع من شدة الخوف. الذئاب تلعق بقايا الدماء٠٠ يعلو صوت قائد القطيع ملوحا للحارس أن يحطم زجاج الغرفة٠٠
كما شبح في كابوس، شدّها من شعرها، فصل رأسها عن جسدها٠٠٠ وبقي يسحل قطع الزجاج قبضاتٍ.. قبضاتٍ.. ويحشو جوفها بشظاياه..
وما كادت تدرك تلك الكتل الكريستالية منها رحم الحياة، حتى توزعت بين اعضائها التناسيلة.. لتشهد ولادةَ الحرية الملطخة بدماء الأبرياء..!
Discussion about this post