دكتورة حنان الديب تكتب:
(ليلة القتلة) … التعبير ببساطة عن عواطف مركبة و صعبة.
مسرح الطليعة بجمهورية مصر العربية .. القاعة كامل العدد .. الممثلون على المسرح كل فى مكانة متوحد مع الشخصية التى يؤديها بمنتهى الصدق. الجمهور فى حالة من الانتباة و التركيز الشديد، فلقد أخذهم مخرج العرض المبدع صبحى يوسف و الممثلين و جميع عناصر الاخراج المسرحى بانسيابية شديدة الى رحلة من المتعة و الفكر لمدة ساعة تقريبا. رحلة الى عالم آخر، عالم ساحر بعيد كل البعد عن اطار الواقعية المألوفة لديهم ليجدوا أنفسهم فى حالة من الانبهار و التوحد الشديد مع كل ما يجرى على المسرح على الرغم من عبثية و تجريب التكنيك المسرحى القائم علية العرض.
لعبة أدوار، رفض تام للواقع الأليم بكل تفاصيلة ، شحنات كبيرة من الغضب، سخط، انتقاد لازع، اسقاط، حرب نفسية، تمرد، انقلاب على الأوضاع، معاناة، كم من التطهير و تفريغ الأحاسيس و المشاعر المكبوتة من خلال تكنيك “التمثيل في التمثيل” او ما نسمية بالفرنسية ” Le théâtre dans le théâtre”
مسرحة الأحداث هو ذلك التكنيك الذى يعطى للممثل مساحة كبيرة للابداع و لاثبات و اظهار قدراتة الفنية العالية من خلال التنوع و التلون فى تشخيص شخصيات الرواية بكل تفاصيلها و تجسدها شكلا و مضمونا بعواطفها و انفعالتها المركبة الصعبة.
(ليلة القتلة) هى رفض لجميع أنواع القيود المفروضة على الانسان و كبت حرياتة و هى أيضا رفض تام للنمطية الحياتية و التسلط بكل أنواعة: ” الصالون مش هو الصالون .. الصالون هو أوضة النوم.”
الرفض لكل ما هو نمطى و ستاتيك ينعكس أيضا على المستوى السينوغرافى: خشبة المسرح الافتراضية أو القاعة التى نعيش فيها هذة الأجواء الكاسرة للواقعية النمطية تتلون هى أيضا و تتشكل بتلون الأحداث بداية من لحظات الذروة و مرورا بلحظات التعاطف و الشفقة و الانكسار و قلة الحيلة. فهى تارة المنزل المغضوب علية و الأشبة بالسجن الخانق الكابت للحريات و تارة هى حلبة المصارعة التى تتقاتل فيها الشخصيات- أفراد الأسرة- و تتصارع كنوع من التنفيس يقابلة فلاش باك لشريط الذكريات المؤلمة و تارة هى لعبة شطرنج للمتنافسين على السيطرة و السلطة و تارة هى المحكمة فالجميع هنا مذنب و مخطىء و يجب أن يحاكم و يعاقب بأشد العقاب على الرغم من أنهم هم الضحايا الحقيقيون.
الديكور يبتعد كل البعد عن الازدحام الزخرفى النمطى و عن الطبيعية المفرطة و هذا هو التحدى الكبير . فبقليل من الأدوات و الموتيفات و الاكسسوارات و الملابس البسيطة -المكملة للصورة الرمزية – و التى تعين الممثلين على تجسيد الشخصيات، استطاع المخرج صبحى يوسف بمعاونة سماح نبيل مصممة الديكور و الملابس أن يقدم صورة اخراجية جديدة تبدو فى ظاهرها بسيطة جدا و لكنها فى الحقيقة عميقة جدا الى أبعد الحدود.
الاضاءة من جانبها كانت تلعب دور مهم جدا فى التعبير عن سيكولوجية الشخصيات و دوافعها النفسية. اضاءة ابراهيم الفرن تم توظيفها باحترافية شديدة. اضاءة لها دلالات فى غاية الأهمية لذلك جاءت موحية و معبرة للحالة النفسية و الأجواء القاتمة التى تعيشها الشخصيات.
اما فيما يخص الأشعار و الموسيقى التصويرية و الألحان فلقد جاءوا ليكملوا هذة الصورة الاخراجية المبدعة بكل اقتدار. الأشعار للفنان القدير عوض بدوى و الموسيقى و الألحان للفنان المبدع محمد حمدى رؤؤف. ثنائى أرى أنهم قد وفقوا فى اختيار الكلمات و الألحان التى عبرت بجدارة عن حال الشخصيات . على مدار الرحلة قدم لنا هذا الثنائى باقة من أجمل و أروع الألحان و الكلمات و فى الختام قدموا لنا رسالة غنائية موسيقية هامة ألا و هى: ممنوع الاستسلام. كلمات و ألحان جاءت مليئة بالتفائل و الأمل و حب الحياة و الحث على تغيير الأوضاع السلبية و التكاتف للوصول الى عالم أفضل.
رائعة (ليلة القتلة) بطولة مجموعة من أجمل و أروع الفنانين المتميزين: الفنان القدير اميل شوقى – الفنانة نشوى اسماعيل- الفنان ياسر مجاهد- الفنانة لمياء جعفر- الفنانة شيماء يسرى و الفنانة مروج. هؤلاء الأبطال أبدعوا جميعا على خشبة مسرح الطليعة بأداءهم المتميز الصادق السلس السهل الممتنع البعيد كل البعد عن الأوفر أكتنج الذى يقع فية بعض الفنانين عندما يقدموا هذا النوع من العروض التجريبية. ابطال العرض كان لهم حضور قوى و كاريزما خاصة تميز كل فنان منهم على حدى. الانتقال من عباءة شخصية الى عباءة شخصية أخرى و من حالة نفسية الى حالة نفسية أخرى .. مجموعة من التركيبات النفسية المختلفة و التى استطاع الممثلون أن يلعبوها بمنتهى الحرفية و الاقتدار.
المخرج المسرحى المبدع صبحى يوسف هو واحد من أهم المخرجين المتمكنين الذين يجب أن نقف عندهم كثيرا و ننتبة لهم لما يقدمة من فن راقى و هادف على خشبة المسرح المصرى .
(ليلة القتلة) تأليف خوزية تريانا – اعداد و اخراج صبحى يوسف – مخرج منفذ: وليد الزرقانى. هذا الابداع تحت قيادة الادارى الناجح الواعى بدور المسرح التنويرى و التثقيفى مدير مسرح الطليعة الفنان عادل حسان الذى يحرص دائما على تقديم كل ما يليق بحجم و مكانة مسرح الطليعة العظيم.
د/حنان الديب
مدرس المسرح- بكلية الآداب- قسم اللغة الفرنسية- جامعة حلوان
Discussion about this post