لحظات منفلتة من عمق الزمن
قراءة بقلم
الأديب العراقي / عادل المعموري
لنص * لقاء حياة *
للأديب المصري/ محمد البنا
…….……………
النص
لقاء حياة
………….
مستندًا بكفه اليسرى على الحافة اليسرى للسلم الكهربائي، الصاعد من الطابق الأسفل لمحطة مترو الأنفاق،القريبة لداره، حين اصطدمت عيناه بعيني امرأة أربعينية، تستند بيدها اليسرى على الحافة اليسرى للسلم الهابط، لحظتها شعر كأنما مسًا سرى في جسده مقتحمًا حدقتيه، ومن ثم استقر في قلبه نبضة مرتعشة، ذلك القلب الذي أثقله صقيع شتاءٍ طويل!
لم يكن واهمًا حينما أحس أن الزمن توقف، وأن المكان تجمد تحت قدميه وقدميها، بينما الصاعدون والهابطون ماضون كلٌ في طريقه..نظرةٌ اغتالته في غفوة زمنية لم تلبث أن مضت هابطةً في تزامن طردي مع الدرجات الهابطة لأسفل، التفت خلفه، والتفتت خلفها، شمسان يشعان ألقا، تلاقيا في منتصف المسافة بينهما، والمسافة تتسع، مدى استيعاب الرؤية يضيق، والخيط الواصل بينهما يتمدد ويتمدد..قرب النهاية أفلت طرف الخيط من عينيه، واستدار مغادرًا المحطة، وأفلتت طرفه الآخر من عينيها، واستدارت يمينًا وجهتها رصيف المحطة، حيث كان في انتظارها من لوّح لها بيده مبتسما.
…………….
محمد البنا..التجمع الأول القاهرة ..الثالثة إلا ربع صباح ١١ يونيه ٢٠٢٢
………………………….
القراءة
في نص ( لقاء حياة ) للأستاذ الناقد والسارد /محمد البنا.
لا شكَّ أن الجزء الحسّاس من الثيمة التي ارتطبت بالمدلول أيَّما ارتباط أحالنا إلى الغور عميقاً في المنبع السايكلوجي لحيوات النص التي أخذت مساحة لا تحدّها حدود في أبراز تلك المشاعر والاحاسيس الخفية التي تفجَّرت فجأة في أنفاق المترو.. لتظهر لنا مقدرة السارد في تشكيل صور الأشياء المخفية كصياد ماهر يتغلغل في نفسيتي العاشقين في مدركات حسَّية ولغة رصينة لا يقدِر عليها كل كاتب ..
رهافة الحس تتفاوت من سارد إلى آخر..
فكيف إذا اجتمعَ الحس الشفيف مع التمكن من الامساك بزمام اللغة الموحية؟
لا شك أن النص رغم بساطته ظاهرياً للمتلقي العادي..
ولكن القاريء الحصيف لا تفوته شاردة وواردة في كل وحدات النص..
التجريد الذي استخدمه السارد كان في منتهى الدقة..
حيث وصف الرجل والمرأة في حالتين متضادتين بيت هبوط وصعود وبين الإتكاء على اليد اليسرى عند كليهما
وكأنهما أتحدا مكانيا وزمانيا وشعورياً..ربما اكثر من ذلك ..
انصهرا في لحظات ثميتة جدا اثمن من الحياة نفسها ، لا يمكن ان يجود بها الزمن مرة أخرى…
الفرصة أمّا تكون فرحة أو تكون غُصّة..
لاشيء يعدل تلك اللحظات المنفلتة من عمق الزمن في تصحّر النفوس وجدبها..
هذا النزوع الذاتي الرومانسي لعله يكون ردة فعل انتهجها استاذ البنا ليكسر رتابة الكلاسيكية الباردة ويشعل لنا ناراً..
لم تشعل قلبين ضامئين
بل أحرقا أنفاق المترو والعالم كله.
عادل المعموري ..العراق في الساعة الواحدة ودقائق ظهر ١٣ يونيه ٢٠٢٢
Discussion about this post