الهزيمة
عبد الهادي جاب الله
قتل ، سفك دماء ، تسول ، تحرش ، إنحلال أخلاقي ، هدم قيم مجتمعية ، مجتمع عقيم لأسباب غير مقنعة ، نسخ وإستنساخ ، هرج ومرج أشبه بمسرحية هزلية بدون نص وبدون مخرج ، يوجد بها مجموعة من الأشخاص إعتمادهم الكلي فقط على الإرتجال .
رواية في بيتنا رجل للكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس (رحمه الله) قدمت لنا نموذجا مشرفا للشاب الذي يفني عمره ويدافع بعزة وجسارة عن وطنه ، فقد عبَّر الكاتب الكبير رحمه الله عن الحقبة الزمنية التي تخللتها فترة الستينات والسبعينات والثمانينات بكل صدق و أمانة ، وما تميزت به تلك الحقبة من تقدم على المستوى الإنساني ، وذلك من خلال تمسك الفرد بالعادات والتقاليد التي تربى و نشأ عليها ، وهذا للحقيقة يكفي؛ لأن تربية الفرد ونشأته كانت حينذاك تختلف تماما عن تربية الفرد ونشأته اليوم ، فلم يعد هناك من الوقت ما يسمح للأسرة القيام بدورها في عملية التوجيه والإرشاد كما يجب ، بكونها اللبنة الأولى في بناء المجتمع ؛ فقد كان لظهور عالم الإنترنت و طفرة التكنولوجيا الحديثة كل الأثر لتعرض الأبناء لضغط نفسي وعصبي رهيب ، و زاد عليه إحتكاكهم بهذا العالم المليء بالصراعات والأحداث السريعة المثيرة والمتلاحقة ، هذا إلى جانب الألعاب المليئة بالحركة والأكشن والتي أعدت لهم خصيصا من أجل خلق جيل فارغ من الداخل ، لم ينشغل بقضايا مجتمعه و إنما ينشغل فقط بالسخافات .
كانت أغلب جرائم القتل سابقا يرتكبها أشخاص كل مايطمحون إليه هو الحصول فقط على المال لتوفير الطعام والشراب ليس إلا ، و كانت فكرة القتل هى آخر خيار بالنسبة إليهم ، ولا يُقْدمون عليها إلا عندما تضيق بهم السبل ويشتد عليهم الخناق ، وعند شعورهم في آخر لحظة بأن أوراقهم قد إنكشفت وأنهم أصبحوا مهددون .
أما ما يحدث اليوم في ظل وضع راهن سيء تحكمه أدوات وضوابط غير إنسانية قد ساعدت بالفعل على خلق جيل ضائع ، قام بإنشاء عالم خاص لنفسه و بأفكار منفردة ، ربما تكون متطرفة بعض الشيء ليعيش فيه هو فقط من أجل نذواته وإشباع غرائزه .
وغياب النموذج هو من أتاح له الفرصة بذلك .
مما لا شك فيه أن هذه الجرائم قد تلحق الضرر بالمجتمع وتكبده خسائر فادحة نتيجة لوجود عوامل بيئية منحلة إنتقلت من مكان لآخر عن طريق العدوى ، و ساهم في تطورها ووصولها لهذه الدرجة التليفزيون والسينما وذلك عن طريق معالجة النصوص الدرامية والسيناريوهات السينمائية بمفهوم خاطيء ، مما أدى ذلك إلى إنتشار ما يسمى بفوضى الجريمة .
فقد أصبح القتل العمد والقتل العشوائي والإغتيالات المتكررة أمر واقع ، لا نستطيع إنكاره .
الواقع المرير الذي نعيشه اليوم للأسف صعب ، لعدم توافر الشروط الأساسية بداخلنا ، التي كانت من الممكن أن تجعلنا نتغلب على تلك الصعاب و تحثنا على إحترام بعضنا البعض ، وتجعل لدين القدرة على تحطيم تلك القلوب القاسية والشرايين الصلبة التي بداخلنا حتى تزهو الحياة و تعود لطبيعتها من جديد ويملأ النور الساحات والميادين الذي أطفأه ظلم الطغاة وعبس المهرجيين .
نحن في حاجة مُلحة إلى ذلك التوازن
الذي يُحدث حالة من الإنضباط العقلي والنفسي بداخلنا من أجل أن نحسن إختياراتنا ، و أن نعيد ترتيب أوراقنا التي بعثرتها تلك النسمات الشاردة التي هبت في السنوات العجاف ، حتى نستطيع أن نحدد من هو عدونا الحقيقي .
لذا يجب على الآباء تفعيل دورهم في واجب الرعاية تجاه الأبناء ، وعدم السماح لهم بأي مساحة زائدة من الحرية حرصا على سلامتهم وسلامة المجتمع .
الهزيمة لم تكن إنتصار شخص على آخر من أجل الإستيلاء على حق أو إسترداد حق فقط، وإنما الهزيمة الحقيقة هى أن ترى أعز الناس إلى قلبك قد إنحنى ظهره من كثرة الأحمال ولم تستطيع تقويمه ، و هى أيضا عندما ترى السلاح الذي حضرته وجهزته من أجل أن تحارب به عدوك تجده هو نفسه من يطعنك في صدرك ، الهزيمة هى أن تضحي بكل ما تملك من أجل سعادة شخص وتجده هو أول من يحفر لك حفرة لتنهي بها حياتك.
الهزيمة هى أن تفتقد الشعور بالأمان في زمن استباح فيه الأخ دم أخيه .
Discussion about this post