فقرة “أجمل ما قرأت” في جنس القصة القصيرة
تستضيف اليوم الكاتب العربي السوري العملاق عضو النافذة الاستاذ مصطفى تاج الدين الموسى …
كان لي الشرف ان اقوم بقراءات نقدية تطبيقية في ست مجموعات قصصية للمبدع الصديق مصطفى… كتاب في انتظار النشر..
القاص مصطفى تاج الدين غني عن التعريف وقد ترجمت قصصه ومسرحياته الى عدة لغات عالمية… الكثير من كتاباته مستوحاة من واقع الظرفية التاريخية والاجتماعية والسياسية لسوريا وللوطن العربي حاليا..
قرات الكثير لعمالقة القصة القصيرة في الغرب أمثال موباسان وباربي دورفيلي وهوفمان وكافكا وإدغار بو وسارتر وكامي…
اسلوب مصطفى تاج الدين متفرد… يقترح على قرائه قصة بشخصيات واماكن وأزمنة شبيهة بالواقع حد المطابقة… ثم نتفاجأ انه سافر بنا إلى عوالم تشبه الحلم / الكابوس؛ عوالم اللامعقول، والدهشة، والعبث… احيانا إلى فضاءات الرعب كما في أفلام هوليودية أسس لها كل من القاص العالمي إدغار بو وماري شيلي… وأحيانا إلى عبث كافكا كما في قصة “المسخ” (la metamorphose), وأحيانا أخرى إلى العبثية الوجودية كما عند سارتر وسامويل بيكت… بل وبأساليب سردية وحوارية خاصة بمصطفى تاج الدين يستعصى علينا تحديد الجنس الادبي إن كنا داخل فضاءات قصة او فوق خشبة مسرح(مسرح بريخت وتشيخوف خاصة)…
حتى لا أطيل عليكم صديقاتي اصدقاء النافذة اقترح عليكم احد اجمل ما نشر مصطفى تاج الدين الموسى هذا الأسبوع.
مدير النافذة خالد بوزيان موساوي
النص القصصي:
ذهبتُ لحضور المسرحية التي كتبتها منذ سنتين تقريباً، وكنتُ سعيداً…
جلستُ في الصف الأول بوصفي كاتب المسرحية، وخلفي بين الصفوف جلس مئات المشاهدين.
بدأت المسرحية، وعلى الرغم من سعادة المتفرجين إلا أن غضبي كان يزداد مشهداً بعد مشهد.
الممثلون الأوغاد، وصديقهم المخرج، قاموا بتغيير الحوارات التي كتبتها سابقاً.
اضطررت منزعجاً بعد هذا المشهد المسرحي للوقوف والتدخل بغضب، صارخاً بهم أمام المتفرجين بألا يخرجوا عن نصي، وأكدت لهم على ضرورة الالتزام بنصي حرفياً، لأنه رسالتي…
لكنهم لم يهتموا لاعتراضي وصراخي، وبعد تدخلي عدة مرات غضبوا مني، وخرجوا مجدداً عن نصي، عندما نزلوا عن الخشبة وجروني إلى المسرح، حيث وضعوني في قفصٍ حديدي، وتابعوا تمثيلهم للمسرحية وهم يلتفتون إليّ أحياناً، بين المشاهد المسرحية، ويشيرون إليّ بسباباتهم ويصرخون “هذا الوغد، إنه خالقنا” ثم يضحكون، ويضحك معهم الجمهور.
بعد المشهد الأخير الذي كنتُ قد كتبته سابقاً في هذه المسرحية، اكتشفتُ أنه يوجد مشهدٌ أخر لا أعرفه، كتبوه هم، بعيداً عني، في بروفاتهم السرية.
علقوا في منتصف خشبة المسرح حبل مشنقة، وشنقوني، وهم يصرخون حولي بجنون القتلة:
هيا، أنقذ نفسك إن استطعت، اكتب نجاتك، هيا… اكتب نجاتك، لن تستطيع، أيها الوغد الذي يظن نفسه أن قد كتبنا سابقاً، نحن من نكتبك الآن….
تركوا جثتي معلقة على حبل المشنقة، استدار الممثلون في مسرحيتي الأخيرة إلى الجمهور وانحنوا أمامهم وسط عاصفة من التصفيق، ثم أُغلقت الستارة.
من خلف الستارة قال أحد الممثلين وهو يرمق جثتي التي تتأرجح على الحبل، لممثلٍ آخر:
ماذا نفعلُ بجثته الآن؟
أجابه صديقه:
لنضع جثته في مستودع المسرح، قد نحتاج لها في مسرحية أخرى نقتله فيها مرة ثانية، لعلّه يقتنع أنه يموت دائماً حتى ولو خلقنا، بينما نبقى نحن خالدون…
أكثر ما أزعجني، تلك الفتاة التي تحبني، على اليمين في الصف الثالث، لقد صفقت لهم بحرارة وهم يشنقونني… وأنا عندما كتبتهم على الأوراق في غرفتي المهجورة، كنتُ أحلم بها، الأوغاد، عندما خلقتهم على الأوراق، كنتُ أظن أنهم رسالتي، لكنهم على الخشبة قتلوني بسعادة…
حتى حبيبتي، من بين مقاعد الجمهور، نسيت من أنا نهائياً، ووقعت بغرام ذلك الممثل، الذي كنتُ قد اخترعتُ شخصيته في المشهد الثالث.
الخائنة، خرجت برفقته عند نهاية المسرحية، متأبطةً ذراعه، لتذهب معه إلى الحانة الذي كنتُ أدعوها إليه دائماً، الحقيرة، كانت تحكي له بحزن عن قبلاتي السيئة لها، الحقير، كان يحكي لها عن تعاسة أيامه بسبب قلمي…
أحسد شخصياتي، أعتقد أنني الكاتب الوحيد في هذا العالم، الذي تتآمر عشيقته مع شخصية من شخصيات مسرحيته، وتخونه معها…..
لو أنني كنتُ في حياتي، مجرد شخصية جميلة، في نصٍ مسرحي لكاتبٍ ما… ثم أهرب من نصه، وأقتله، وأخطف حبيبته…
مصطفى تاج الدين الموسى
Discussion about this post