رعشة قلب…
كنت قد عزمت أمري منذ الصباح الباكر،
أعددت ملابسي التي تميل إلى الرسمية،
حاولت قدر الإمكان أن أخبئ بلونها الداكن فرحتي بملاقاته .. لا بل لتظهر انوثتي !!
وبالأمس دفعت مخالفتين.. الاصطفاف في الممنوع، والوقوف في صفٍ ثانٍ، وقد وبخني المصطف في الصف الأول أيضا، لكني لم أهتم كثيرًا، فقد قضيت حوالي الساعتين أبحث عن حذاء بكعب رفيع، لأريه كم أنا ثابتة الخطى رغم الزلازل التي تتابع عليّ من جلادة قسوته وكبره !!
حتى أني ذهبت لصالون التجميل وطليت أظافري باللون الأحمر القاني !!
لكن رغم مساحيق التجميل التي وضعتها بشكل بسيط لم أحرص على أن أمحو الهالات الداكنة تحت عينيّ !
وحدها نظراتي ستخبره بالقصة كاملة !! بكل التفاصيل الباكية في صمت !!
مشاعري تركتها تحت وسادتي حين استيقظت صباحًا ، سأذهب إليه بلا رغبة في العودة من الماضي، سألتقيه وإن كان هناك مستقبل بعد رحيلي بألف عام !! سأترك ختمي على تقارير المصابين بالغدر حتى يتّبعون ذات طريقتي في التعافي منه، فأنا من القلائل الذين قاوموا ولم يفلتوا زمام الأمور بعد النزيف المُر !!
بعد أن حركت سيارتي التي طلبت من حارس العمارة تلميعها جيدًا، لم أحسب الوقت حتى وصولي مقر الشركة التي أصبح فيها مديرًا تنفيذيًا بسبب تزكيتي له عند زوجي !! فقد رفعت من قدره عاليًا رغم أنه أفضل من أقرانه بقليل لكن !! شيءٌ ما في مسكته للقلم أو بريق عينيه كان يثيرني !!
ربما صوته العميق كعمق البحر، كان يضربني كموج أهوج، لا أدري لكنه ربما كان يستحق أن أدعمه قبل فعلته المشينة !!
أعرف أن قرابتي له لم تكن لتتأثر بأي ما كان أو سيكون لأن طفولتنا كان قوية التجذر في ماضينا الذي انقضى تمامًا، وغلقنا عليه كل السبل وأطفأنا كل مشاعل الدروب السرية إليه بأنفاسنا الملتهبة.
نعم فعلنا ذلك بدون عمد!! أو بعمد!! فلكلا الحالتين ذات النتيجة، انتهينا فلا كنا ولا كان كما قالت فيروز …
حين وصلت استقبلني حراس الأمن بحفاوة، فمنذ سنوات لم أطأ بقدمي أرض الشركة.
في المصعد تأكدت من كل تفصيلة في مظهري حتى أني أخفيت جيدًا دقات قلبي المرتعد جبنا، ورأيت حارس المصعد يرميني بنظرة خجلة، فلم يعتد عليّ أنظر في المرآة أتفحص إن كان الكحل في عيني ثابتًا كما هو أم لا !!
وقفت على بابه الزجاجي استرق نظرة إليه، وكان صوته يأتيني كعادته زلزالًا لا يرحم، يبتلع كل الأمان في أرضي،
حسبت كل التوقعات لهذا اللقاء، إلا أني لم أحسب أن رعشة يدي ستمنعني من الدخول!
……………د مي عبد الحميد عزت السودان
Discussion about this post