رسالة إلى جدتي العنقاء.
————————–
مازلت أذكر ذلك اليوم ،عندما أدهشني المرج الممتد أمام ناظريّ، كان يلمع تحت الشمس، سنابله تتماوج مثقلة سكرى، أغوتني؛ فركضت كثيراً، فقدت السيطرة فخلعت نعليّ وركضت حافية، كانت ضحكتي ترن وتتكسر إلى موجات صدى، شعرت بألمٍ خفيفٍ في ظهري بين لوحي الكتفين، وسمعت صوتاً أشبه بالتمزق، لم أكترث حينها، وفي المساء ..بُحت لأمي بما حصل،
نهرتني وطلبت ألا أكررها مخافة أن يعرف أحد.. شهقت عندما رأت موضع الألم، حتى أن عينيها امتلأتا بالدموع، لم أعِ حينها ماحصل إلا بعد أسبوع عندما شاهدت بأم عينيّ جناحيّ الصغيرين!
كانت أمي تدور في البيت، وتذرف الكثير من الدموع، ثم شاهدتها في حديقتها تبحث بين الأعشاب والحشائش عن شيءٍ ما!
ليلًا بينما كنت نائمة عمدت إلى جناحي؛ فاقتلعتهما، ومن الأعشاب كانت قد أعدت دهناً حشرته في الثقب الدامي وذهبت!
مرضت وأمسكت عن الكلام لفترة، كان الثقب كل ليلة ينزف دماً، وعندما تدهنه أمي يصبح بلونٍ مائلٍ للزرقة، جمعتهُ في محبرة، وما زلت أجمعه حتى الآن كلما نبت لي جناحان واقتلعتهما.
عندما توفيت أمي، كانت قد باحت لزوجي بسرّي، أسكنته معنا..زوجي لم يكن يتكلم كثيراً، كنت أفهم ما يريد من نظراته الضيقة..
أول مرة ينبت لي جناحان بعد رحيلها؛ حاولت إخفاءهما والسعادة تتلاحق مع الكلام، تسبقه وتكتمه، لترسم فوق شفتيّ ابتسامة؛ جاهدت كثيرًا في إخفائها عنه..لا أدري كيف شعر بهما، رغم أني لبست وشاح جدتي الصوفي!
بعد يومين سأحاول الطيران إلى أعلى القمة، وسأنظر إلى المرج وأضحك ملء المدى كما فعلت في طفولتي، لكن ..
لا..
من ثقب الباب شاهدته يبحث عن الأعشاب والحشائش كما كانت تفعل أمي!
في المساء اجتثهما، ودس ذلك الدهن في الثقب، كانت دموعي قد بللت الوسادة، وفي صمتٍ أشبه بالموت تجاهلت الألم.. روحي تئن وذلك الدهن لم يعد بلسماً…
جمعت ما استطعت من الدم الأزرق النازف،
– اليوم سأخبرك سراً يا ابنتي ، في طريقه إليك
– أعرف ذلك ..
ابنتي.. لها نفس عينيّ والثقب أصبح واضحاً!
……………….
ريم محمد / سوريا
Discussion about this post