ألم الكتابة عن أحزان المنفى/لوحات قصصيّة/ واسيني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إليهم وحدهم في جبروت صمتهم.
إلى الذين توسدوا الأسمنت وقسوة الحجارة وآلام الليالي الحزينة، رجالاً بقوا واقفين على أظافرهم، يرسمون بدم النزيف وجهاً جميلاً للوطن المسروق.
واسيني الأعرج.
مقدمة:حفنة رماد اسمها وطن…؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليس المكتوب، هاهنا، أشعارا ولكنه نزيف خفي تقوله الكلمات في أقاصي الخيبة.
تعيدني قراءة هذه النصوص إلى زمن لم يعد موجودا اليوم. زمن ترك جروحه وانسحب، محملا بأصداء الذين صنعوه وبصرخات ضحاياه أيضا.
الشاب الذي كتب هذه النصوص وعمره تجاوز بالكاد عشرين سنة، لم يكن يعلم خطورة ما كان يقوله والمسلك الصعب الذي وضع نفسه فيه. كان يتحدث عن وطن سرقه الورثاء ولم يكن يدري أن الكثير منهم سيتحولون، بعد سنوات، إلى بارونات يهربون خيرات البلاد وأملها، بعيدا عن التربة التي نبتت فيها. لم يكن يعلم أن الكتابة ليست فقط مجرد أحاسيس هاربة مرتبطة باللحظة، ولكنها رؤية وحرقة تلتصق بالجسد إلى الأبد، وتحمله أحيانا ما لا طاقة له به: ربح رهان الكتابة بشعريتها المعقدة، وعدم السقوط في سياسيوية مباشرة تقتل النص عندما تحوله إلى مجرد خطاب متواتر ومتوتر، يقول السياسة أكثر مما يقول أدبيته التي هي منتهاه في الأخير.
لم يكن هذا الشاب القروي الطيب، يعرف أن الوطن الذي تحدث عنه قبل ثلاثين سنة، هو وطن اليوم، الذي نسي بسرعة تاريخه وانغمس في المصلحة الضيقة، دافعا بالآلاف نحو رمي أنفسهم في بحر قاتل. تحضرني محاورة بين شخصية يائسة من شخصيات هذه القصص، وأحد المسئولين الذي ينتفخ كل يوم قليلا من وراء مكتبه:
– وماذا أفعل يا سيدي؟
– ارم روحك في البحر.
خرج الشاب يائسا ولكنه ظل ملتصقا بأمل ممكن. شباب آخرون، في سن ابني، سيأتون بعد ثلاثين سنة ويأخذون ذلك مأخذ الجد ويرمون بأنفسهم في البحر بعد أن فقدوا أي أمل في حياة أخرى. يؤثثون اليوم ثلاجات الموت في إسبانيا وإيطاليا.
شكرا للورثاء، في أقل من نصف قرن، محوا كل بارقة للأمل، لتعمم الخيبة.
الخيبة من كل شيء، من اللغة التي تصر على المعنى وترفض التخلي عنه لتسطير مقام جديد لها، وحتى من الذين حرروا البلاد ثم تحولوا فجأة إلى ورثة لوطن أحرقوه حتى حولوه إلى رماد، وبدل أن يكتفوا بإخراج الاستعمار، أخرجوا كل عقل يفكر ومحب لتربته ودفعوا بالجميع نحو أقصى المنافي ومسالك الخوف.
جزء من مقدمة “ألم الكتابة عن أحزان المنفى”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
#واسيني_الأعرج
Discussion about this post