من رواية أكتبها :
كان ذلك في أيّامي الأولى بحيّ اللّاجئين ، رأيتها تعبر الطّريق بخطوات واثقة. إنّها سمراء بلون القمح وبشعر منسدل على كتفيها سرق من الليل سواده .نظرت إليّ وعيناها تفصحان عن ابتسامة خجلى . لم أدر كيف تتبّعت خطاها لكنّها غابت عنّي في الزّحام.
لقد أذابت في نفسي ذلك الجليد العاطفيّ الذي يغمرني، وكم كانت دهشتي كبيرة عندما وجدتها بعد أيام تقود مسيرة شاركت فيها مع محمود ، رأيتها قد أضافت إلى ملبسها الشّال الفلسطينيّ المميّز . أكثر من ثلاث ساعات وخطواتنا تنهش الأرض وأصواتنا تصدح بشعارات معادية للكيان الصّهيونيّ فنقابل بالتّهديد و بإشهار الأسلحة .أمّا إذا تحدّيناها فتلجأ حينذاك شرذمة جنود الاحتلال إلى إلقاء القنابل المسيلة للدموع وإطلاق النّار فنتفرّق لبعض الوقت لنعود ثانية أكثر تكتّلا وتحدّيا .
هكذا كان ذلك اليوم الذي تمطّى فيه الموت على شاشة فكري وأنا أرى بعض المصابين هنا وهناك . عصفت رياح الثورة بنفسي وأنا في الصّفوف الأولى أواجه محتلّا متجبّرا وكانت لحظات عصيبة تحدّينا فيها الخوف إلى أن التحف الكون بظلمة المساء . وعند المغادرة التقيتها ، مدّت لي يدها مسلّمة ، وجدت يدها تذوب في حضن يدي وتاهت عيناي في لجّة عينيها .تهلّل وجهها رغم الندوب المرتسمة عليه .كانت شامخة قويّة ، شعرت أنها الوطن والملاذ و كنت تائها في متاهات عشقها كظمآن يبحث عن نبع زلال .
Discussion about this post