نقد الشعر عند القاضي عبد العزيز الجرجاني
( 290 – 366 هجرية)
د. محمد ضباشه
عضو اتحاد كتاب مصر
من أهم نقاد القرن الرابع الهجري أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني المشهور بالقاضي، ولد في جرجان سنة 290 هجرية ونشأ بها ثم جاب البلاد بحثا عن منابع العلوم والآداب واشتهر بعلم الفقة والحديث وتفسير القرآن وألف كتابا في الشعر وذكره السيوطي في كتاب طبقات المفسرين والشيرازي في كتاب طبقات الفقهاء ويعد شاعرا مفوها وكاتب مترسل وناقد بصير.
غلب على القرن الرابع الهجري الذي عاش فيه الجرجاني طابع المناقشات النقدية والخصومات الأدبية وقد انصب اهتمام نقاد تلك الفترة على شعر البحتري وأبي تمام والمتنبي وقد صور لنا كتاب الموازنة الذي ألفه الآمدي طبيعة الخلافات التى كانت قائمة بين الطائيين وكيف انقسم النقاد في تلك الفترة إلى فريقين ، فريق ناصر البحتري ودافع عن شعره وبحث عن عيوب أبي تمام لكى يقدم عليه البحتري، وفريق آخر تحيز لأبي تمام لكى يقدم على البحتري الأمر الذي دفع الأمدي أن يوضح الأمور وينصف الشاعرين.
ويعد كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه من المصادر المهمة في تطور نظرية نقد الشعر ويمثل مدرسة الفقهاء من الشعراء ولأنه قاضي جمع بين خصائص الفقهاء حيث اشتغل بعلوم الحديث والتفسير وعلم التاريخ وهو أيضا شاعر ومترسل وخطيب وقد تصدي الجرجاني في هذا الكتاب لتلك الحالة من الفوضى النقدية ليضع الأمور في نصابها ويوضح ماهية السرقات الأدبية ومالا تقع فيه السرقة حيث ذكر ان المشترك والبداهة والمعارف التي يشترك فيها البشر جميعا والمعاني المشتركة لا تقع في اى منهم السرقة وقد أكد على العديد من القضايا النقدية من أهمها :
1- قضية النقد : يرى الجرجاني أن النقد ليس بحثا عن العيوب وهو فلسفة قائمة على الاعتدال والموضوعية ثم البرهان والدليل في اظهار جودة الشعر او ما يشوبه من عوار والهدف ليس تصيد الخطأ وان ذل في موضع فلا يعمم الأمر ونلتمس له عذرا أو مخرجا لخطأه ولابد ان نبحث عن الحسنات في قصيدة الشعر ونؤكد عليها ونظهرها أمام الجميع كى يستفيدوا منها.
2- قضية القدماء والمحدثون : كان علماء ونقاد تلك العصر يفضلون شعر القدماء عن المحدثين ويرى الجرجاني أن التمييز بين شعر وآخر يجب أن يخضع إلي مقاييس الشعر وهي الطبع والرواية والذكاء والدربة ، ويذكر ان الطبع يأتي من الموهبة وتعلم كيف تورد المعاني كما أن الذكاء خاصية مطلوبة للشاعر بالاضافة إلى الدربة وتعني الممارسة في كتابة الشعر والمران عليها ويضيف أن الفرق بين القدماء والمحدثين يرجع إلى تأثير البيئة التى يعيش فيها كلا منهم ويضيف أنه لا فضل الأقدمين على المحدثين ولا للمحدثين على الأقدمين إلا بجودة الشعر وسلامته.
3- قضية المتكلف والمطبوع من الشعر: يرى أن الشعر المتكلف هو الشعر الذي يتميز برداءة الصنعة وسوء النسج وتفاوت البناء الشعري من حيث المعاني فهي لا تظهر بشكل متنام وخروج الكلام بكد ومشقة واستعمال الغريب منه بالإضافة إلى ان الشاعر يقلد من سبقه من الشعراء في إيراد المعاني، وأن الشعر المطبوع يصدر عن موهبة صادقة بحيث يتميز بالطبع الصادق والقريحة الصافية ويؤكد العقاد ان الطبع هو ما يظهر فيه شخصية الشاعر بحيث تدل عليه وتشير إليه لو لم يكتب أسمه بجانب شعره وتبدو فيه ملامح الشاعر واضحة ويرى ابن الأثير أن الطبع هو الاستعداد الفطري أو العبقرية او الموهبة التي يهبها الله لمن يشاء من عباده وتأتي من فيض الهي من غير تعلم سابق والشاعر المطبوع هو الشاعر الموهوب يغرف من البحر ويأتي بصور وتراكيب جديدة متفردة لا يمكن أن يأتى بها غيره .
4- قضية البديع : يرى أن البديع لم يكن مقياسا من مقاييس جودة الشعر بل يندرج كأحد مقاييس الترجيح وهو لا ينفي أهمية البديع في قصيدة الشعر ولكنه يرى أنه كالزينة التي تزين الشعر بلا إفراط في استخدامه، حتى لا تظهر القصيدة أميل إلى الزخرف الشكلي من المحتوى الفكري مما يجعل الشاعر يغرق في الصنعة ويخرج عن الطبع الذي جبلت عليه موهبته .
Discussion about this post