على مسرح الشباب..
(نفايات) .. تكافح النفايات .. !
حسين الذكر
مع ان المسرح نشا اول ظهوره قرب المعبد وفي داخله كشارح للطقوس الدينية او جزء أساس منها سيما في معابد أثينا ونبوءاته المتكررة مع الاله ابولو وفي معبد دلفي تحديدا .. الا ان نصا مسرحيا قال فيه احد الممثليين : ( يا الله .. ان كان هناك ثمة الله ) .! اضطر المشاهدين للوقوف احتجاجا على النص والخروج بطريقة تخالف ما ساد عند اهل اثينا ومعتقداتهم الدينية وان كانت متعددة الالهة او تقام في المسارح العبادية ..
كجزء من تداعيات الوضع السياسي والأمني العراقي العام اختفى دور المسرح بشكا جلي من بين المؤثرات الثقافية الصانعة للهوية والباعثة على الحياة والمعبرة عن مدى التطور بعد انتهاء دور الانتاج والدعم الحكومي للدراما والسينما والمسرح عامة .. بشكل اخل بالتوازن واطاح بالفن من عليائه كممثل للوعي ومعبر عن الهوية الثقافية الوطنية ..
( الدنيا مسرح كبير، وكل الرجال والنساء ما هم إلا ممثلون على هذا المسرح .. ) .. هكذا حول الاديب الإنكليزي وليم شكسبير النظرة من صالات العرض الى مسرح الحياة الكبير كي يكون شاهد على الحاضر وصانع استراتيجي للمستقبل واستحضاره للماضي بكل أوجهه بما يحوي من عبر تستحق الاعتبار .. وهذا صلب ما ذكره الامام علي بني ابي طالب قبل ذاك بالاف السنين .. ( ما اكثر العبر واقل الاعتبار) .
بعد سنوات عجاف اصابت الفن الثقافي العراقي .. تلقيت دعوة كريمة من صديقي العزيز الفنان بشار طعمة لحضور عرض مسرحية ( نفايات ) من على خشبة مسرح الشباب .. وكم هالني الحضور حد الإحساس بالجمال والامل حينما وصلت بمعية صديقي الدكتور كاظم الربيعي الذي تقبل دعوتي ما ان علم بالعرض المسرحي اذ لم نصدق بان عرضا مسرحيا سيقدم في قلب العاصمة برغم كل همومها .
فرحتنا كانت اكبر حينما وجدنا عدد من الرياضيين والمثقفين والاعلاميين مع اسرهم هنا .. كذلك ازددت بهجة وافعمت استذكارا حينما حضر بعض رموز الفن : ( مثل د .عقيل مهدي وكذا محمود أبو العباس وليلى محمد .. وآخرين من أبناء الفن وعشاقه وهم يحيطون ويحتفون كأنهم في عرس فني وولادة مرحلة مسرحية جديدة ).
الإخراج والتاليف كان للأستاذ عماد نافع وقد بدا العرض جذابا متنقلا بفواصل ومشاهد برغم اداؤها الفردي وبساطة ديكورها وطغيان الطابع النقدي الحزين .. الا انه تجاوز الملل وانطلق نحو التشويق في ما يمكن ان اسميه عبورا لشوط طويل .. بمعزل عن تقييمي الفني الذي ليس من اختصاصي . لكني كمشاهد وكاتب ادون ملاحظاتي على ما جذبني بل احيا الامل في نفسي .
الممثل مرتضى كاظم كان وحيدا في الميدان وتلك مهمة ليست سهلة الا انه اجاد وتقمص دور المجنون والفيلسوف ولن ينسى المواطن وهو يكافح طفح النفايات المغرقة لمفاصل وربوع وملفات الوطن بعد قلع الأشجار وتيبس الوجوه جف العروق واسدال ستار الثمار وموت الخضار ..
فيما كان الفنان بشار طعمة سينوغراف العمل بكامل انقاته التي عرفته بها واشراقته برغم ما يعانيه ويحيط به من ظروف .. الا انه بدا وكانه يتوالد مع مخاض المسرح الذي لا يعيد له شبابه فحسب بل يحي فيه جذوة الامل بشباب الوطن وإمكانية تعافيه من داء النفايات . لا ننسى هنا إدارة المسرح التي تعاونت وهيئت كل مستلزمات إنجاح العرض وامتاع الحضور .
بعد كل ما اسردت وهو نقطة في بحر المسرح فضلا عن محيط الفن .. لا يسعني الا ان اختم مسكا في ما جادت به الروائية والكاتبة والموسيقية الامريكية جانيس جوبلين وهي تعرف المسرح بطريقتها الخاصة : ( على خشبه المسرح أمارس الحب مع خمسة وعشرون ألف متفرج؛ ثم أرجع بيتي وحيدة ).
Discussion about this post