قراءة في نموذج من القصة القصيرة جدّا
بتراء
للقاصّة سيّدة بن جازية تونس
رفعت إصبعها لتأخذ الكلمة، انتهرتها أمها ثم أخواتها، أصرت إلحاحا، تكلمت ، أفصحت، فرجموها وسط المدينة، انفجرت جمجمتها فنبتت عدة أصابع، حاولوا بترها فرجموهم بالأقلام، قطعت كل الأصابع المرفوعة بالبلدة، نبت جيل أبتر
خبر اللعبة وانتصر.
_____________________________________________________________________________
المتأمّل في هذه القصّة القصيرة جدا للقاصة سيدة بن جازية يستوقفه العنوان كعتبة نصية هامّة..
البتراء هي اسم مؤنث مذكرها “أبتر” وهي صفة مشبّهة تؤكد البتر …كأن نقول يد فلانة بتراء أي مقطوعة أو في معنى مجازي خطبة بتراء لم تبدأ بحمد الله ..
والعنوان هنا لا يمكن اخراج سياقاته من ظلال واقع سياسي اجتماعي للمرأة .. فهوزاخر بمعاني التّحدي والوجع لإمرأة تعبّر عن موقفها وفكرها من ظلم ما وتعسّف ما وإغفال ما لكينونتها .
وكلّ الأفعال في القصّة أسندت لضمير الغائبة
“رفعت …لتأخذ…أصرّت….تكلّمت ..أفصحت..الخ..
تكلمت ، أفصحت،
وهي أفعال دالّة على عمق وخطورة ما أفصحت به هذه السيّدة رغم نهر أمّها وأخواتها لها للإحجام عن الكلام ..
فهي مصرّة إلحاحا
وتجيء الأفعال
فرجموها وسط المدينة،
انفجرت جمجمتها
مجازات استعارية وظفتها القاصّة لتمرير رسائل موحعة لمن يصدح برأيه ..ولفضح واقع يسوده الخراب والتقهقر إلى الوراء
فنبتت عدة أصابع
حاولوا بترها بالأقلام
وهي أفعال قامت على الإدهاش والإخبار حركة وتوتّرا
والبتر هنا أعنف من البتر الحقيقي …
فقد بتروا الأصابع المرفوعة بالأقلام …في تدليل ورمزية لكبت الأصوات الحرة وتكميم الأفواه والتّضليل وتشويه النّضالات النسائية ..
أما القفلة
نبت جيل أبتر خبر اللّعبة وانتصر…..
فهي قفلة رمزية تلخّص الأبعاد الدّلالية للقصّة تقذف بمتلقيها إلى تأويلات وتخيلات شتّى…
ولعلّ كلمة “انتصر” تدفعنا إلى الاسترسال والاستفاضة والبحث عن هذا النّصر لجيل أبتر
أختم فأقول إن سيدة بن جازية قد أبدعت من خلال هذه القصّة المكثّفة والمعبّرة في الإشارة إلى واقع سيّاسيّ ثقافيّ اجتماعيّ من خلال إمرأة بتروا أصابعها وهي ترفع أحدها للتّعبير عمّا أوجعها وأرقّها في نصّ قصير جدّا
وتبقى القراءة أفقا مفتوحا يتيحه جمال التّلقي..
منوبية الغضباني
Discussion about this post